هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "بوليتيكا إكستيريور" الإسباني تقريرا سلط من خلاله الضوء على مساعي بكين لاحتلال مكانة تتناسب مع نموها الاقتصادي وتأثيرها الإقليمي، مستغلة بذلك الفرصة التي تتيحها الجائحة العالمية لفيروس كورونا.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن جائحة فيروس كورونا تمثل تحديًا للنظام الليبرالي الدولي. وعلى الرغم من أن التغييرات الناجمة عن انتشار كوفيد-19 على نطاق عالمي لن تحدث تغيرا جذريا في أسس النظام الدولي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنها تمثّل اختبار ضغط للمجتمع العالمي المعاصر.
وذكر الموقع أن التشكيك في نموذج العولمة والتباطؤ في تدفقات التجارة الدولية حدث بالفعل قبل تفشي الفيروس في الصين. فقد تراجعت نسبة مساهمة المبادلات التجارية في الناتج المحلي الإجمالي منذ العقد الماضي (61 بالمئة في سنة 2008 مقارنة بـ 59 بالمئة في سنة 2018). وينطبق الأمر ذاته على الاستثمار الأجنبي المباشر (3.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2008 مقابل 1.4 بالمئة في سنة 2018). وتعد هذه البيانات بشكل جزئي نتاج الأزمة المالية لسنة 2008، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية على غرار الزلزال والتسونامي الذي ضرب اليابان سنة 2011 والنزعة الحمائية المتزايدة للولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضا: هل تحوّل الصين إيران إلى ركيزة قوتها العسكرية بالمنطقة؟
ومن المتوقع أن يتسارع نسق انتشار فيروس كوفيد-19 هذا الخريف، لذلك انطلقت المشاورات حول إعادة بعض الصناعات إلى الوطن وتكريس مفهوم الإمدادات الاستراتيجية (حاليًا يتم إنتاج 80 بالمئة من المكونات الفعالة لتصنيع الأدوية في الصين والهند) وتقليص سلاسل التوريد.
ووفق التعريف الكلاسيكي للمنظّر جون إيكنبيري، فإنه يتألف النظام الليبرالي الدولي من "نظام مفتوح تجسده مؤسسات مثل الأمم المتحدة ويقوم على قواعد مثل التعددية". ومن المفارقات أن تعميم هذا النظام في بداية هذا القرن ساهم في بداية اضمحلاله الآن، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن النواة الصلبة لهذا النظام المتمركزة بالأساس في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان لم تعد تهيمن على الاقتصاد العالمي.
وأكد الموقع أن انضمام الصين وروسيا إلى منظمة التجارة العالمية بين سنتي 2001 و2012 على التوالي، وظهور سلسلة من التناقضات التي بدأت تقوض أسسه على غرار اتهامات باتباع مبدأ الكيل بمكيالين تجاه الغرب، والتدخلات في بلدان العالم الثالث دون موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، أدى كله إلى جعل بعض الدول تشكك في النظام الدولي الليبرالي، ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في عجز الدول التي ساهمت في إنشائه، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، عن الدفاع عنه.
وأوضح الموقع أن الإدارة الأمريكية الحالية مقتنعة بأن النظام الذي ظهر منذ سنة 1945 لم يعد يخدم مصالحها الوطنية بشكل كافٍ. بل على العكس من ذلك تماما، أصبح يخدم مصالح قوى ناشئة مثل الصين التي لا تعترف بالمبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي. ومن هنا نشأت المواجهة الحالية بين واشنطن وبكين، التي من المؤكد أنها ستساهم في تحديد مفهوم جديد للتجارة العالمية خلال القرن الحادي والعشرين.
"مجتمع المصير" في الصين
قال الموقع إن الصين لا تنوي استبدال النظام الدولي الحالي الذي استفادت منه بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وإنما تسعى لتعزيز مكانتها على الصعيد العالمي بما يتماشى مع نموها الاقتصادي في السنوات الأخيرة. وقد انعكس ذلك في الخطاب الذي ألقاه الرئيس شي جين بينغ في سنة 2013 حول إنشاء "مجتمع المصير المشترك للبشرية". ورغم غموض هذه العبارات إلا أنها لا توحي بالتشكيك في أسس النظام الحالي.
يعتمد المشروع الصيني على ثلاث أفكار: عالم متعدد الأقطاب مع تعدد مراكز القوة حيث تتوقف الولايات المتحدة عن لعب دور القوة المهيمنة، وعالم متعدد الأطراف حيث لا يوجد بلد يحدد جدول الأعمال العالمي وإنما يكون ذلك بالإجماع، وعالم تعددي يقبل أشكالًا مختلفة من الحكم وليس فقط الديمقراطية الليبرالية.
وأشار الموقع إلى أن الصين ستعمل أولا على استعادة المكانة التي تعتقد أنه ما كان يجب أن تفقدها أبدًا، خاصة في القارة الآسيوية. وهذا ما يفسر الشعار الذي أطلقه شي بنفسه في سنة 2014 "آسيا للآسيويين"، لكن دون أن تحل الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية في بقية العالم.
مع احترام مبادئها الأساسية، روجت الصين ثانيا "للتعددية ذات الخصائص الصينية" في إطار التماشي مع قواعد الأمم المتحدة التي حاولت بدورها بشكل منهجي دمج لغتها الخاصة في القرارات والوثائق الأخرى متجاوزة بذلك نوعا ما المبادئ المعمول بها عالميا.
لكن المصطلحات الصينية إشكالية في مجال حقوق الإنسان لأنها تشكك في طابعها العالمي. وثالثًا، عندما يتعلق الأمر بالتعددية، تريد الصين تصدير نموذج اقتصادي غير مرتبط بالتمثيل الديمقراطي بينما يحترم مبدأ السيادة الوطنية.
وأشار الموقع إلى أن الفكرة الرئيسية التي تقوم عليها هذه المبادئ الثلاثة هي الانفتاح على العالم الخارجي، نظرا لأن عزلة الصين في منتصف القرن التاسع عشر كانت سببا في سقوط حكم أسرة تشينغ وبداية ما يسمى بـ "قرن الإهانة" الذي بدأ مع حرب الأفيون الأولى سنة 1839 وانتهى سنة 1949 بإعلان تأسيس الجمهورية الشعبية.
النموذج البديل
عند انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، اعتقد الكثيرون أن مرحلة "إرشاد الصين" قد بدأت. كانت الفكرة الضمنية في ذلك الوقت دمج الصين في الساحة الدولية بعد الجهود التي بذلها هنري كيسنجر وريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، الذي كان من المقرر أن يؤدي إلى تحرير ذلك البلد اقتصاديا وسياسيا، وفقًا للشرائع الغربية. كل هذا كان من شأنه أن يحول الصين إلى شريك مسؤول في النظام الدولي تحت إشراف الولايات المتحدة.
دعمت سلسلة من النظريات هذا النهج: كانت التنمية الاقتصادية تنطوي على التحرير السياسي وهذا بدوره لا يمكن أن يتحقق إلا عبر قنوات التجارب الغربية، في حين أن الابتكار لا يمكن أن يحدث إلا في اقتصاد السوق. لكن هذه النظريات كانت خاطئة أو بالأحرى كانت تتطلب "أطرا زمنية آسيوية" وليس الغربية حتى تنجح.
بدلا من ذلك، بالنظر إلى تجربتها التاريخية (5 آلاف سنة من التقاليد السلطوية) وبسبب إطلاق سلسلة من المبادرات، على غرار مبادرة حزام واحد طريق واحد، بدأت الصين تروج لأفكار عالمية جديدة تقترح بها نماذج بديلة للنظام الليبرالي الدولي.
ونقل الموقع عن العالم السياسي مارك ليونارد، أنه عندما كان الغرب وخاصة الولايات المتحدة تحكم العالم "كان النظام الليبرالي مسيطرا إلى حد ما"، لكن مع انتقال القوة العالمية من الغرب إلى "بقية العالم"، أصبح النظام الليبرالي الدولي مفهومًا مثيرًا للجدل وزاد التشكيك في أسسه.