قضايا وآراء

من المستفيد من قرارات دائرة أوقاف القدس الأخيرة؟

علي إبراهيم
1300x600
1300x600

لا يمكن لمتابع شؤون القدس والأقصى إلا أن يلاحظ الهجمة الإسرائيلية الشديدة التي يتعرضان لها، إذ تعمل مختلف أذرع الاحتلال على تهويد المدينة المحتلة ومسجدها المبارك، وهي هجمة تتصاعد في الأقصى ومحيطه بشكلٍ ملحوظ، عبر الاقتحامات شبه اليومية، ومحاولة نفخ البوق اليهودي حول أبوابه وفي داخله مع حلول الأعياد اليهودية، وفي استفادة الاحتلال من وباء كورونا لتثبيت واقعٍ جديد في المسجد، يكون هو سيده والمتحكم فيه.

وفي سياق الهجمة الاحتلالية المتصاعدة، تتلاحق الدعوات لحشد مختلف الطاقات لعرقلة مشاريع الاحتلال، وهو حشد يبدأ بدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة، ولا ينتهي مع أصغر مرابطٍ ومرابطة.

وعلى الرغم من الدعوات هذه، يطرح سلوك دائرة الأوقاف في المرحلة الماضية الكثير من علامات الاستفهام، فمع ما يتعرض له المسجد من اعتداءاتٍ متتالية، يصدر مدير الدائرة قراراتٍ إشكالية لا تصب أبدا في مصلحة المسجد، بل تسهم بشكلٍ مباشر بالتعتيم على ما يجري داخله، في ظل تصاعد هجمة الاحتلال عليه وعلى مكوناته. ونتناول في هذه المادة هذه القرارات والمواقف وانعكاساتها على المسجد.

منع موظفي الدائرة وحراس الأقصى من التصريح

في شهر تموز/ يوليو 2020 أصدر مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس عزام الخطيب تعميما يمنع من خلاله "نشر أي خبرٍ يتعلق بأوقاف القدس عموما أو أخبار المسجد الأقصى بشكل خاص إلا بإذن خطي منه". وشكل التعميم صدمة لدى المؤسسات المقدسية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، إن من حيث لغة التعميم، أو مضمونه الذي لم يعهد مثله من الدائرة، التي تمثل مسؤولية الأردن وإشرافه على المسجد الأقصى.

وأثار القرار رفضا كبيرا، فبعيدا عن صلف إصداره وتكميم الأفواه الذي تضمنه، كان توقيت إصداره إشكاليا، إذ سبق موسم اقتحام الأقصى. فقد صعدت "منظمات المعبد دعواتها لاقتحام مركزي للأقصى في يوم عرفة في 30 تموز/ يوليو2020، وفي هذا اليوم اقتحم الأقصى نحو 1100 مستوطنٍ، بالتزامن مع ذكرى "خراب المبعد"، وشهد عددا من الاعتداءات، إذ رفع أحد المستوطنين علم الاحتلال داخل الأقصى، وأدت مجموعة من المتطرفين ما يسمى "السجود الملحمي" داخل المسجد، وغيرها من الاعتداءات.

لذا، شكل تعميم الخطيب، بقصد أو من دون قصد، مشاركة في التغطية على جرائم الاحتلال داخل الأقصى، وتكبيل موظفي الدائرة الذين يدفعون ثمنا باهظا في الدفاع عن المسجد، من الاعتقال والإبعاد عنه مددا متفاوتة. ويحرم التعميمُ الرأيَ العام الفلسطيني والعربي من واحد من أبرز مصادر المعلومات، القادرة على متابعة ما يجري في الأقصى من اقتحامات واعتداءات.

بلبلة إغلاق الأقصى في شهر أيلول/ سبتمبر

مع تصاعد أعداد الإصابات بفايروس "كورونا" في الأراضي المحتلة، أصدر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قرارا في 13 أايلول/ سبتمبر 2020 يقضي بفرض الإغلاق الشامل لثلاثة أسابيع في مجمل المناطق المحتلة، على أن تبدأ في 18 أيلول/ سبتمبر 2020. وعلى أثر هذا القرار، تسربت معطيات إعلامية تتحدث عن ضغوطات إسرائيلية على دائرة الأوقاف، لإغلاق الأقصى بالتزامن مع الإغلاق العام في دولة الاحتلال، وأن "منظمات المعبد" هي التي تقف خلف المطالبة بإغلاق المسجد، لتزامن مدة الإغلاق مع موسم الأعياد القادمة.

وعلى الرغم من رغبة أذرع الاحتلال بإغلاق المسجد، وما جرى في الإغلاق الأول من اعتداءات، تناقلت وسائل إعلامية تصريحات لأحد أعضاء مجلس الأوقاف أعلن فيها "تعليق الدخول إلى الأقصى مدة ثلاثة أسابيع"، وهي مدة الأعياد اليهودية بالضبط. وأثارت هذه التصريحات موجة رفضٍ عارمة، وخرجت العديد من البيانات عن مؤسسات مقدسية، إضافة إلى مواقف المقدسيين أنفسهم، تعلن رفض إغلاق الأقصى، وأن تدابير الوقاية المطبقة في المسجد أكثر من كافية.

ومضت ساعات تضاربت فيها المعطيات بشكلٍ كبير، فبين تصريحات هذا العضو عن هذا التوجه، وتراجُع مجلس الأوقاف في القدس لاحقا، أشارت مصادر في الدائرة لصحف عربية في 17 أيلول/ سبتمبر 2020 إلى أن قرار التعليق كان مرتبطا بمنع شرطة الاحتلال اقتحامات المستوطنين في مدة التعليق، وقال هذا المصدر: "طالما أن شرطة الاحتلال ستمتنع عن تنفيذ هذا الشرط، فإن أبواب الأقصى ستبقى مفتوحة أمام المصلين".

ولو كان هذا الإرباك ناتجا عن بحثٍ في مصالح المسجد والمصلين فقط، لما أثار ردات الفعل هذه، ولكن تزامن الإغلاق مع ما تقرره سلطات الاحتلال، إضافة إلى تحويل فتح المسجد رهينة لقدرة المستوطنين على الوصول إليه، يشكل ضربة جديدة للوضع القائم، خاصة أن استمرار استجابة الأوقاف لأي ضغوطاتٍ من قبل الاحتلال، وعدم القيام بمواجهتها، سيحولها حكما إلى "إدارة وسيطة بيد الاحتلال تنفذ إرادته، ويفقدها مشروعيتها الدينية والشعبية"، كما عبرت عن ذلك جهات معنية بالأوضاع في الأقصى.

منع الشيخ عمر الكسواني من التصريح

وفي سياق متصل بالإرباك السابق، كشفت مصادر صحفية في 18 أيلول/ سبتمبر 2020 أن مدير أوقاف القدس عزام الخطيب أصدر قرارا منع بموجبه الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى من التصريح إلى وسائل الإعلام، وأشارت هذه المصادر إلى أن المنع جاء على خلفية نفي الكسواني نية إغلاق المسجد الأقصى ثلاثة أسابيع، في اتصال مع نائب مدير عام مؤسسة القدس الدولية.

ولا يمكن فهم سلوك الخطيب في تكميم أفواه موظفي الأوقاف ومديريها بحسن نية إطلاقا، خاصة بعد تكرر هذا السلوك بشكلٍ فج. وقد أشارت مصادر مقدسية إلى أن تصرفات الخطيب الفردية وما يمتلكه من صلاحيات في الدائرة أصبحت محل نقدٍ ليس بين صفوف متابعي الشأن المقدسي فقط، بل بين موظفي الأوقاف والمرابطين كذلك. ولا يمكن وصف قرار الخطيب إلا بأنه إجراء عقابي استهدف الشيخ الكسواني بشكلٍ مباشر، الذي شكل تصريحه صورة مغايرة لما كان يراد إظهاره من نية مجلس الأوقاف إغلاق الأقصى.

أخيرا، لا يهدف هذا المقال إلى محاكمة الدائرة ولا استهداف شخص مديرها، بل هي محاولة للإضاءة على مكامن الخلل، والإسهام في تقوية الدور الأردني في المسجد المبارك. إذ تضعف قرارات مدير الأوقاف الأخيرة جبهة الدفاع عن الأقصى، فهي تستهدف خط الدفاع الأول عن المسجد، وتحول من يريد الدفاع عن الأقصى إلى محور للاستهداف من بوابة "القرارات الإدارية" و"صلاحايات المدير العام".

ولكن السؤال الأخطر، هل يأتي تكميم الأفواه هذا في سياق ما أشيع عن تفاهمات بين الأردن والاحتلال حول الأقصى؟ أم أنها ليست إلا "شطحة" لمدير الدائرة يمكن العودة عنها قريبا؟

__________
المراجع:

 
- تقرير عين على الأقصى الرابع عشر.

- موقع مدينة القدس، 29/7/2020. https://bit.ly/3hMP2K8

- المركز الفلسطيني للإعلام، 17/9/2020. https://www.palinfo.com/280978

- "عربي21"، 18/9/2020. https://bit.ly/3hLXkBT

التعليقات (0)