انعقد الاجتماع العربي-الأوروبي الثالث لهذا العام في عمان يوم الخميس الماضي (24 أيلول/ سبتمبر 2020)، وقد شاركت فيه كل من ألمانيا وفرنسا والأردن ومصر وممثل الاتحاد الأوروبي لعملية السلام. وقد أعلنت الأطراف أن سبب الاجتماع هو البحث عن سبل لدعم عملية السلام، والتي وصفها بعضهم في الإعلام بأنها تتعثر وتتعرض للانسداد وانقطاع الاتصال بين الأطراف، ما يشكل قلقاً ومخاطر تستشعرها الأطراف المجتمعة.
ولذلك يعتبر الهدف الأساسي للاجتماع وكما اتضح في البيان الختامي هو إنقاذ عملية السلام، وإعادة الفلسطينيين إلى مسار المفاوضات مع الإسرائيليين. ويعدّ الاجتماع محاولة للبحث عن خيارات بديلة أو مساندة للمسار الأمريكي بفرض التطبيع مع إسرائيل على دول الخليج ودول أخرى، ولاحتواء آثار هذا المسار السلبية على عملية السلام في ظل الرفض الفلسطيني الشامل لهذا الاتجاه في التعامل مع إسرائيل وخارج المبادرة العربية للسلام، حيث إن أساس المشكلة في المنطقة هو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال وفق قرارات الأمم المتحدة (حسب البيان الختامي للاجتماع)، لأن العقدة في مشكلة المنطقة لا تكمن في إقامة علاقات تجارية ودبلوماسية وأمنية بين إسرائيل وهذه الدول، حيث إن ذلك لا يحقق الأمن والاستقرار لإسرائيل في ظل استمرار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ولا ينشئ السلام في المنطقة، بل إن مثل هذا التسرع بفتح العلاقات مع إسرائيل بعيداً عن حل القضية الفلسطينية إنما يصب الزيت على النار في الصراع، وقد وفرت هذه السياسة وقوداً جديداً لمزيد من الاشتعال للصراع.
يمكن وصف هذا الاجتماع في عمان وبيانه الختامي بأنه حركة اعتراضية للتداعيات الخطرة للمسار الجديد بالتطبيع بعيداً عن الجانب الفلسطيني، خصوصاً في ظل تسبب هذا المسار بتسريع التوصل إلى تفاهمات وتوحد فلسطيني لقيادة مقاومة شعبية ضد إسرائيل
ويمكن وصف هذا الاجتماع في عمان وبيانه الختامي بأنه حركة اعتراضية للتداعيات الخطرة للمسار الجديد بالتطبيع بعيداً عن الجانب الفلسطيني، خصوصاً في ظل تسبب هذا المسار بتسريع التوصل إلى تفاهمات وتوحد فلسطيني لقيادة مقاومة شعبية ضد إسرائيل بمشاركة حركتي فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية، وهو ما قد يشكل خطراً جديداً على أمن إسرائيل واستقرارها وعلى عملية السلام وأطرافها، وقد يحرك الشارع العربي بمظاهرات تضامن وتأييد عارمة، كما حصل إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000.
ومن هذه الزاوية يمكن أيضا وصف هذا الاجتماع بوصفه حركة اعتراضية لمسار التحول الفلسطيني الداخلي أن يأخذ مداه بالتوصل إلى برنامج مقاومة شعبية مشترك، ثم برنامج وطني سياسي مشترك ويقوي الجانب الفلسطيني ومطالبه في أي مفاوضات قادمة، كما يفقد أي تحرك للسلام في المنطقة معناه إن لم يوافق عليه الفلسطينيون مجتمعين، والخوف لدى الأطراف أيضا من تداعيات ذلك على الاستقرار والأمن وعلى معاهدات السلام مع كل من مصر والأردن.
ويظهر ذلك بوضوح في نصص البيان الختامي وخاصة البنود 2 و6 و8 (حسب
جريدة الدستور، عدد 24 أيلول/ سبتمبر 2020)، والداعية الى استئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية بشكل جاد وفاعل على أساس القانون الدولي والمرجعيات المتفق عليها، وبرعاية الأمم المتحدة والرباعية الدولية (أمريكا، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة)، مع الالتزام بالاتفاقات السابقة وبدء محادثات جادة على أساسها.
وقد تعهدت الدول المجتمعة بالعمل بتهيئة الظروف الملائمة لإطلاق هذه المفاوضات (دون تفاصيل)، وقدمت إغراءات للفلسطينيين والأردنيين في ما يتعلق: بدعم منظمة أونروا للاجئين، وتأكيد الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، ورفض الاستيطان ومصادرة الأراضي بوصفها تخرق القانون الدولي، وطالبت بوقف دائم ونهائي لمخطط الضم الإسرائيلي لمنطقة غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات، والتأكيد على حل الدولتين والدولة الفلسطينية في حدود 1967، لإتاحة الفرصة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، أشار الاجتماع والبيان لأهمية إسهام اتفاقات التطبيع مع كل من الإمارات والبحرين في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في ما يعتبر قبولاً لها كأمر واقع ومحاولة الاستفادة منها في خلق ديناميكية للمفاوضات المنشودة، خصوصا وأن البيان رحب بدور هذه الاتفاقات في وقف مخطط الضم الإسرائيلي، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية المصري بوضوح في المؤتمر الصحفي في اليوم الثاني (25 أيلول/ سبتمبر 2020).
أشار الاجتماع والبيان لأهمية إسهام اتفاقات التطبيع مع كل من الإمارات والبحرين في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في ما يعتبر قبولاً لها كأمر واقع ومحاولة الاستفادة منها في خلق ديناميكية للمفاوضات المنشودة
والسؤال: ماذا يمكن أن يبنى على هذا الاجتماع وعلى بيانه المعلن وعلى ما توصل إليه المجتمعون في الحوارات التفصيلية على الصعيدين الفلسطيني والعربي؟
حتى يحقق هذا الاجتماع هدفه الأساسي بإحياء عملية السلام وفك جمودها واستئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، من المتوقع أن تبدأ الضغوط العربية فوراً على الجانب الفلسطيني لدفعه إلى الترحيب بالبيان، وتشجيعه على إبطاء تنفيذ مسار التحول إلى الوحدة الفلسطينية، وإبطاء مسار إطلاق مقاومة شعبية موحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي وفق ما اتفقت الفصائل، كما ستعمل
أوروبا على تقديم إغراءات وضمانات للجانب الإسرائيلي تتعلق بحركة الـBDS، ومنظمات المقاطعة، واستبعاد القدس من جدول المفاوضات الأولي لتشجيعه على القبول بالعودة إلى المفاوضات. وستسعى هذه الدول المجتمعة الأربع لتشجيع عقد ندوات ومؤتمرات واجتماعات تحضيرية لهذا المفاوضات لتمهيد الأجواء الإعلامية والشعبية وللضغط على الأطراف وتشجيعها، بهدف القبول باستكمال المسار التفاوضي السابق بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبدون شروط مسبقة، في محاولة للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية. وستقوم بتحركات مكوكية في المنطقة وبين الفرقاء لتحقيق هذه الأهداف خلال الأشهر القادمة، حيث ستزداد ديناميكية هذه التحركات بعد الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، بغض النظر عن نتائجها.
ولذلك فإن هذه القراءة والتحليل المباشر يؤكدان أن سقف التوقعات يجب أن ينخفض كثيراً من تحركات هذه الرباعية الجديدة، وأنها يمكن أن تعمل فقط على فتح آفاق وآمال للسلام غير واقعية وبلا رؤية مقنعة في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي الحاكمة في إسرائيل اليوم، وأنها تريد مجرد إثارة الجو السياسي والإعلامي للتغطية على جمود عملية السلام وانقطاع الاتصالات بين الأطراف المعنية، لمنع أي انفلات جماهيري فلسطيني قد يشكل خطراً على العملية السياسية برمتها وعلى أمن إسرائيل، خصوصا وأن التحرك الأوروبي للسلام ارتبط تاريخيا بشعور إسرائيل بالخطر من جهة، ولمنع اتجاهات فلسطينية قوية لتغيير قواعد اللعبة كما في التحرك الأوروبي لمنع ياسر عرفات من إعلان الدولة عام 1998، وفي ظل رفض إسرائيل لأي دور أوروبي أساسي في المفاوضات (أوروبا في الخلف حسب إيهود باراك)، ولأن تاريخ التدخل الأوروبي لا ينبئ عن أي إنجاح سابق بإحداث اختراق مهم في أي مرحلة من مراحل التفاوض الفلسطيني-الإسرائيلي.