هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "الإنترسبت" الأمريكي تقريرا سلط فيه الضوء على ما وصفه بـ"السقوط المذهل" للانقلاب العسكري الذي دعمته واشنطن في بوليفيا، حيث أعادت انتخابات شهدتها الأخيرة قبل أيام حزب الرئيس اليساري السابق، إيفو موراليس، إلى سدة الحكم.
وأوضح التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن موراليس، الذي بقي رئيسا لثلاث دورات في بوليفيا اضطر في تشرين ثاني/ نوفمبر 2019 للفرار إلى المكسيك تحت تهديد العنف من الشرطة والجيش، بعد أسابيع قليلة من إعلان فوزه في انتخابات أجريت في تشرين أول/ أكتوبر، وهو ما كان سيوصله لدورته الرابعة.
وفي مكانه تم تنصيب نظام يميني متطرف بقيادة الرئيسة "جينين انيز" التي أشرفت على مذبحة تسببت بقتل عشرات من مؤيدي موراليس من السكان الأصليين ثم منحت كل الجنود المتورطين حصانة من المحاسبة، بحسب التقرير.
وأيد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الانقلاب مشيرا إلى تزوير الانتخابات بحسب زعم منظمة الدول الأمريكية (OAS) وحث في وقتها على إجراء "انتخابات ديمقراطية حقيقية تمثل إرادة الشعب"، مع أنه ثبت لاحقا عدم صحة تهم التزوير.
ولكن وبعد أن أجّلت "انيز" الانتخابات المزمعة هذا العام مرتين، قام البوليفيون بالإدلاء بأصواتهم يوم الأحد، وقدموا انتصارا مدويا للمرشح الرئاسي لويس آرسي، وزير مالية موراليس السابق والمرشح من حزبه، "الحركة باتجاه الاشتراكية" MAS.
وأظهرت الاستطلاعات الأولية أن آرسي حقق انتصارا ساحقا حتى أن انيز نفسها اعترفت بأن حزب MAS فاز في الانتخابات قبل الانتهاء من عد الأصوات.
واعتبرت الإنترسبت أنه من الصعب تذكر آخر انقلاب عسكري في أمريكا اللاتينية مدعوم من أمريكا فشل بهذا الشكل المذهل، وحتى مع الادعاءات المباشرة المريبة لمنظمة الدول الأمريكية التي تهيمن واشنطن عليها بتزوير الانتخابات، لم يشكك أحد بأن موراليس حصل على أصوات في انتخابات تشرين أول/ أكتوبر الماضي أكثر من أي مرشح آخر (والمسألة الوحيدة التي أثارتها منظمة الدول الأمريكية هي ما إن كان الهامش الذي حصل عليه يكفي للفوز من الجولة الأولى وتجنب إجراء جولة ثانية).
وبالرغم من فوز موراليس في الانتخابات أبلغه قادة الشرطة والجيش بأنه لن يكون هو ولا أقرب حلفائه في مأمن ما لم يغادر البلد مباشرة كما شرح موراليس في مقابلة مفصلة أجرتها "الإنترسبت" معه بعد أسابيع من نفيه إلى المكسيك.
وفي تلك المقابلة، لام موراليس أمريكا لإعطائها الضوء الأخضر للانقلاب اليميني، الغرب عموما من قراره بيع بعض موارد الليثيوم القيمة في بلاده للصين.
وبعد 12 عاما في الرئاسة لم يكن موراليس خاليا من إثارة الجدل أو الانتقاد. وكأول زعيم من السكان الأصليين تم انتخابه لرئاسة بوليفيا، بدأ بعض أقرب مؤيديه بالتململ من بعض أساليبه شبه الاستبدادية في الحكم.
وانتقد معظم مؤيديه البارزين – في بوليفيا وفي أمريكا الجنوبية – قراره الحصول على حكم قضائي يسمح له بدورة رابعة بالرغم من أن الدستور لا يسمح إلا بدورتين. وحتى حليف موراليس المقرب لفترة طويلة، الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا – الذي توقع في مقابلة معي عام 2019 بأنه "بإمكانك أن تكون متأكدا أنه إن ترشح ايفو موراليس للانتخابات فإنه سوف يفوز" – وصف سعي موراليس لولاية رابعة بأنه "خطأ".
اقرأ أيضا: موراليس: واشنطن دبرت انقلاب بوليفيا للسيطرة على "الليثيوم"
ولكن لم تغير أي من هذه الانتقادات حقيقة مركزية: وهي أن عددا أكبر من البوليفيين صوتوا ليكون موراليس رئيسا في 2019 من أي مرشح آخر.
وفي الديمقراطية يجب أن يكون ذلك حاسما، وبالنسبة لمن يدعون الديمقراطية كان يجب أن يكون ذلك نهاية الأمر. ولذلك شدد لولا، في مقابلته مع الغارديان بعد الانقلاب بفترة بسيطة والتي انتقد فيها ترشح موراليس لدورة رابعة، على نقطة أكثر أهمية: "ما فعلوه معه جريمة. إنه انقلاب وهذا مروع لأمريكا اللاتينية".
ومهما كان هناك من انتقادات بحق موراليس فمن الصعب تخيل أي حاكم يحكم لأكثر من عقد دون أن يتسبب بتنفير بعض مؤيديه ويرتكب أخطاء – ولا شك أن رئاسة موراليس وبأي مقياس كانت ناجحة. فبعد عقود من عدم الاستقرار وصل بالبلد إلى عصر استقرار وديمقراطية مزدهرة، وأشرف على نمو اقتصادي مدحته حتى المؤسسات المالية الغربية وعمل على توزيع للموارد أفضل من أي وقت سابق، وبالذات لسكان البلد الأصليين الذين لطالما عانوا من القمع وللمزارعين في الريف. ذلك النجاح هو ما تم تدميره بشكل متعمد، عندما تم تقرير الرئاسة في بوليفيا بالقوة عام 2019 وليس بطرق ديمقراطية.
وتجلى في رد فعل الغرب للانقلاب في بوليفيا عام 2019 كل مجازات الدعاية التقليدية. فقام كل من المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام وكتاب المراكز الفكرية باستحضار انعكاس أورويلي (نسبة إلى الكاتب الشهير جورج أورويل) بالتبشير بالانقلاب ضد أي زعيم منتخب ديمقراطيا لا يحبونه على أنه "انتصار للديمقراطية".
ومن خلال هذه المعادلة الملتوية يصبح الزعيم المنتخب ديمقراطيا الذي أطيح به هو الذي يشكل "التهديد للديمقراطية" وليس من خطط للانقلاب بدعم أمريكي للإطاحة به.
ولطالما اعتبرت دعاية السياسة الخارجية الأمريكية الانقلابات التي تؤيدها واشنطن على أنها ديمقراطية والزعماء المنتخبين ديمقراطيا والذين تبغضهم واشنطن على أنهم "دكتاتوريون".
وهكذا، بحسب التقرير، احتفت إدارة باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري بأحد أسوأ طغاة العالم، الجنرال عبد الفتاح السيسي كونه "أعاد الديمقراطية" بعد الانقلاب العسكري الوحشي الذي قام به.
ولكن وبفضل التوبيخ المذهل في بوليفيا لأمريكا وصناع قرارها، فشلت التكتيكات الأمريكية المعتادة.
وفي الواقع، ومنذ فوز موراليس في الانتخابات قبل عام بالضبط تقريبا، لم يتوقف البوليفيون عن المسيرات والتظاهر مغامرين بحريتهم وحياتهم – وحتى وسط الجائحة – للمطالبة بحقهم في الديمقراطية وحكم الذات.
وخلال الفترة المؤدية إلى الانتخابات، بقي النظام الانقلابي والفصائل اليمينية في الجيش يتوعدون – ردا على استطلاعات الرأي التي كانت تظهر تقدم حزب الحركة باتجاه الاشتراكية MAS [الذي ينتمي إليه موراليس] – بأنهم سيفعلون أي شيء لمنع عودة حزب موراليس إلى السلطة.
ولكن لحد الآن يبدو أن هامش الانتصار الذي منحه الشعب البوليفي لحزب MAS كان مذهلا وحاسما ولم يبق أمام القوى الرجعية – في بوليفيا وواشنطن وبروكسل – التي حاولت تدمير الديمقراطية في بوليفيا خيارات كثيرة.
ويجب على أي شخص يعتقد في أساسيات الديمقراطية بغض النظر عن أيديولجيته أن يشجع البوليفيين الذين ضحوا بالكثير لاستعادة حقهم في حكم أنفسهم ويأملون أن الاستقرار والازدهار إبان حكم موراليس سيتوسعان أكثر تحت أول خليفة له منتخب ديمقراطيا.