صحيفة: مواقع التواصل حلّت بدل الشارع بالمعركة ضد النظام بمصر

نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن موجة الاحتجاجات المحدودة التي شهدتها مصر في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، التي تسببت حملة تضليل واسعة في تعكير صفوها.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر المنقضي، شهدت مصر مرة أخرى سلسلة من المظاهرات المعزولة في أجزاء مختلفة من البلاد تطالب بإصلاحات اقتصادية وتغييرات سياسية، في محاولة لتكرار التحركات التي حدثت قبل سنة واحدة فقط والتي حققت نجاحا محدودا وأدت في الآن ذاته إلى قمع تاريخي.

وخلال هذه السنة، واجهت السلطات المصرية مرة أخرى موجة من الاحتجاجات على المدى القصير مع انتشار قوي للشرطة في نقاط حساسة من البلاد، وحملة اعتقالات واسعة شملت 968 شخصا على الأقل، كما هو موثق من قبل المفوضية المصرية للحقوق والحريات.

ومقارنة بالاحتجاجات التلقائية لسنة 2019، أوضحت الصحيفة أن أحد الاختلافات الرئيسية لاحتجاجات أيلول/ سبتمبر هو أنه كان من الصعب للغاية التحقق من صحتها، على الرغم من أن وسائل الإعلام المحلية تمكنت من تأكيد انطلاقها في القاهرة والجيزة وعدة مدن في دلتا النيل وجنوب البلاد.

اقرأ أيضا: مخاوف من اغتيال المعارض المصري حازم حسني بعد إخلاء سبيله

وتعود صعوبة التحقق من صحة الاحتجاجات إلى حقيقة تفشي الغضب والسخط في الأحياء المجاورة والمناطق الريفية، التي يتعذر على الصحفيين الوصول إليها وذلك بسبب خطورة الوضع. ولكن قبل كل شيء، كان من الصعب تحديد نطاق التعبئة بسبب حملة التضليل المكثفة التي كانت تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.

ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط جوي شيا أنه "لا توجد سبل للتعبير عن أي نوع من المعارضة في مصر، لأن أغلب وسائل الإعلام مملوكة للدولة أو خاضعة لسيطرة الدولة ولا يمكن تنظيمها سياسيا بأي شكل من الأشكال، وبذلك تبقى مواقع التواصل الاجتماعي المنصة الوحيدة المتاحة، خاصة إذا كانت خارج البلاد. وبما أن النظام يدرك أن هذه المواقع هي الملاذ الأخير للتعبير بحرية، يحاول تقييدها قدر الإمكان".

معركة على مواقع التواصل

وانطلقت معركة التأثير والتلاعب بالواقع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بالفعل في سنة 2019، عندما شهدت الوسوم المؤيدة والمعارضة لنظام عبد الفتاح السيسي انتشارا كبيرا في محاولة للتأثير على شوارع مصر. هذه المرة، وصلت الحملة إلى مستوى جديد.

ووفقا لبحث أجراه الباحثان شيا وألكسي أبراهامز، الباحث في علوم البيانات بجامعة هارفارد، أنشئ أكثر من 40 وسما شعبيا مؤيدا ومعارضا للحكومة على تويتر في شهر أيلول/ سبتمبر. وفي معظم الحالات، أنشئت الوسوم الموالية للسيسي بعد ظهور وسم انتقادي.

وبينت الصحيفة أن هذا النشاط المعارض على مواقع التواصل الاجتماعي لم يعكس آراء المستخدمين، لكن البحث السابق حدد سلوكا خاطئا منسقا من كلا التيارين، (المؤيد والمعارض) مع وجود روبوتات مسؤولة عن نشر الرسائل بشكل كبير لضمان شعبية أحد الوسوم. فعلى سبيل المثال، في حالة الوسم الموالي للنظام، اكتشف الباحثون ذروة حوالي 173 تغريدة في دقيقة واحدة في 25 أيلول/ سبتمبر، وارتفاعات مثيرة للشكوك في عدد الحسابات التي أرسلت رسائل من هذا النوع في أيام 7 و20 و24 من نفس الشهر.

وأضافت الصحيفة أن انخراط النظام المصري في معركة شبكات التواصل الاجتماعي يعد جزءا من التطور المتزايد لقدراته في المجال الرقمي، خاصة منذ سنة 2015. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر أو فيسبوك، وقع أول مرة اكتشاف حملة يشتبه في موالاتها للنظام في شهر أيلول/ سبتمبر.
ونتيجة لذلك، حذف تويتر في شهر أيلول/ سبتمبر 2019 و2020 مئات الحسابات بسبب تعرضها للتلاعب بطريقة ما، واتخذ فيسبوك إجراءات مماثلة.

النظام له تاريخ في التلاعب

وفي هذا السياق، يقول الباحث أبراهامز: "للنظام المصري تاريخ في التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي والتدخل في أبعاد أخرى للأمن السيبراني، لذلك لم نتفاجأ كثيرا بالعثور على دليل على التنسيق من جانبه في إطار الاحتجاجات".

اقرأ أيضا: محللون ينددون بتمديد "الطوارئ" بمصر للمرة الـ14 على التوالي

وأوضحت الصحيفة أن المعارضة شاركت أيضا بنشاط في حملة التضليل على مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق غير مسبوق. وقد اكتشف باحثون سابقون ارتفاعا مفاجئا في الرسائل المشبوهة التي أدت إلى استخدام الوسومات المناهضة للحكومة، بما في ذلك 503 تغريدات تم إنتاجها في دقيقة واحدة في 24 أيلول/ سبتمبر.

كما اكتشفوا أيضا طفرات في إنشاء الحسابات يومي 20 و24 من نفس الشهر، مع وجود مئات الحسابات الشخصية الجديدة.

ونقلت الصحيفة عن الباحث أبراهامز أن "هناك مزاعم مفادها أنه عندما ترى وسوما للاحتجاجات فإنها حقيقية، وأنه عندما ترى وسوما مضادة فهي كاذبة وتحركها الروبوتات وتدعمها مجموعة من المؤثرين المرتبطين بالنظام".

وبالتوازي مع الإنشاء المتعمد للوسوم والإرسال الآلي والهائل للرسائل، تضمنت المعركة على مواقع التواصل الاجتماعي بين جزء من المعارضة والنظام النشر المتعمد لمحتوى غير دقيق أو خاطئ، مثل مقاطع الفيديو الكاذبة أو مقاطع الفيديو المأخوذة من الاحتجاجات السابقة، وذلك إما لخلق الانطباع بأنها حدثت بالفعل، أو لتشويه سمعة النقاد.

تحول على مواقع التواصل

وتم تفسير هذه المعركة الشديدة للتلاعب بالشبكات الاجتماعية على أنها واحدة من أحدث الأمثلة على التحول الذي مر به تويتر وفيسبوك في السنوات الأخيرة. خلال ثورات الربيع العربي لسنة 2011، غالبا ما تم الإشادة بهذه المنصات باعتبارها فضاء لتعزيز الديمقراطية، ولكنها فقدت صفة الحياد. وكما هو الحال في مصر، لجأت الأنظمة الاستبدادية أولا، وكذلك المعارضة إلى أساليب التلاعب للتأثير على الرأي العام.