هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات واسعة داخل الأوساط الاقتصادية، أعلن وزير الخزانة والمالية التركي، براءات البيرق، الأحد، استقالته من عمله الحكومي، الذي أمضى فيه نحو 5 سنوات، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام".
والبيرق هو سياسي ورجل أعمال تركي، ونائب بالبرلمان منذ حزيران/يونيو 2015، وكان وزير الطاقة والموارد الطبيعية منذ تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015 حتى تموز/يوليو 2018 حينما عُين وزير الخزانة والمالية. وهو صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال البيرق، في منشور عبر صفحته الرسمية في "إنستغرام": "أتقدم بالشكر للشعب التركي وللرئيس رجب طيب أردوغان، وأعلن استقالتي من منصبي؛ بسبب وضعي الصحي، وأفضل أن أخصص وقتي لأسرتي".
وعلى الرغم من عدم صدور أي بيان رسمي بخصوص استقالة الوزير عبر "إنستغرام"، نشر مسؤول بارز بحزب العدالة والتنمية الحاكم تغريدة، تمنى فيها أن يعدل البيرق عن استقالته ويبقى في منصبه كوزير للمالية.
وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، محمد موش، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لقد قام وزيرنا البيرق بمهام صعبة للغاية، تمكنت من رفع اقتصاد بلادنا، نتمنى أن يستمر في عمله".
— Dr. Mehmet Muş (@mehmedmus) November 8, 2020
اللافت أن إعلان وزير المالية التركية اسقالته، تأتي بالتزامن مع قرار جمهوري صدر أمس السبت، بإقالة محافظ البنك المركزي مراد أويصال من منصبه، وتعيين وزير المالية الأسبق، ناجي آغبال، خلفا له، وسط تساؤلات عن تداعيات ذلك وانعكاساته على الاقتصاد التركي، خاصة سعر صرف الليرة الذي يشهد انخفاضا قياسيا متواصلا منذ نحو أسبوعين.
وفي آخر تصريحاته التي أدلى بها وزير المالية التركي، أمس السبت، أمام نواب من حزب العدالة والتنمية الحاكم يوم السبت، أكد البيرق أن الحكومة ليست قلقه على انخفاض سعر الليرة، وليست مهتمة بارتفاع قيمة الدولار قائلا: "سنجعله ينخفض إذا أردنا ذلك"، وفقا لوسائل إعلام تركية.
وسجلت الليرة التركية مستوى قياسيا منخفضا بأكثر من 30 في المئة مقابل الدولار هذا العام.
وتوقع البيرق أن يستقر التقلب في أسعار الصرف داخل السوق التركي في غضون شهرين، مؤكدا: "هدفنا هو خفض الواردات وزيادة الإنتاج، وإذا زاد سعر الفائدة، سينخفض الإنتاج، وسينخفض التوظيف".
وتوقع اقتصاديون لـ"عربي21"، أن تتأثر الليرة التركية بشكل سلبي بالضربة المزدوجة لاستقالة وزير المالية وإقالة محافظ البنك المركزي، مع بداية التداولات غدا الاثنين في أولى جلسات الأسبوع.
اقرأ أيضا: وزير المالية التركي يعلن استقالته عبر "انستغرام"
وقال الباحث الاقتصادي أحمد مصبح، إن خبر استقالة وزير المالية التركي انعكاس لوجود مشكلة حقيقية داخل إدارة الملف الاقتصادي، تجلت بوضوح مع ظهور جائحة كورونا كمتغير كارثي جديد.
وأوضح مصبح، لـ"عربي21"، أن إدارة الملف الاقتصادي كانت تسير بشكل جيد إلى حد كبير قبل كورونا، معتبرا أن الإشكالية الحالية داخل إدارة الملف الاقتصادي التركي ليست بسبب وجود أشخاص بعينها في مواقع المسؤولية، وإنما لتداعيات المتغير الجديد الذي أثر بشكل كبير على مجمل أداء الاقتصاد العالمي وليس الاقتصاد التركي فقط.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن تداعيات كورونا أربكت حسابات صانعي السياسات النقدية والمالية في تركيا، مستطردا: "تسببت جائحة كورونا في استنزاف الاحتياطي النقدي، بعدما اضطر البنك المركزي ضخ مليارات الدولارات كدعم، حتى يتجنب قرار رفع سعر الفائدة تماشيا مع توجهات الرئاسة، كما تسببت الجائحة أيضا في استنزاف احتياطات وزارة المالية التي وجهتها لدعم وتمويل قطاعات عدة أبرزها قطاع الصحة".
وتابع: "آثار كورونا الاقتصادية كانت قاسية على الاقتصاد التركي، خاصة في قطاعات السياحة والاستثمارات الأجنبية والتجارة، وهي أحد أبرز القطاعات الرئيسية التي تعتمد عليها تركيا في المعروض الدولاري لدعم احتياطات البلاد النقدية، وكذلك دعم سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية".
وتساءل مصبح: "هل ستتحسن مؤشرات الاقتصاد التركي باستقالة وزير المالية؟" مجيبا أن الحل ليس في الأشخاص، وإنما في الاتفاق على وجود سياسات نقدية ومالية تتناسب مع الواقع الجديد الذي فرضته جائحة كورونا.
وتوقع الباحث الاقتصادي أن ينعكس هذا الارتباك في إدارة الملف الاقتصادي التركي بشكل سلبي على سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية خلال الفترة القصيرة المقبلة، لافتا إلى أن القرارات الخاصة بالسياسة النقدية تحتاج إلى فترة زمنية كي تظهر آثارها الحقيقية على الأسواق.
اقرأ أيضا: لماذا أقال أردوغان محافظ البنك المركزي.. وما تداعيات ذلك؟
وفي وقت سابق من إعلان وزير المالية التركي استقالته، نشرت "عربي21" تقريرا حول أسباب إقالة محافظ البنك المركزي وتأثيرات قرار الرئاسة التركية على السياسة النقدية للبلاد.
ورجح الباحث الاقتصادي أحمد أبو زعيتر، أن يكون لقرار إقالة أويصال "أثر سلبي" على الاقتصاد التركي، لا سيما بعد الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن برئاسة البيت الأبيض، الذي يعارض أردوغان شخصيا، وقال إنه سيدعم المعارضة من أجل الإطاحة بالرئيس التركي؛ اعتراضا على نشاطاته الخارجية في "شرق المتوسط، وسوريا، وليبيا، وأذربيجان".
وقال إن إقالة محافظ البنك المركزي جاءت في "وقت حرج جدا"، وستؤثر بشكل "قاس وكبير" على الاقتصاد التركي وسعر صرف الليرة، مشيرا إلى أن هذه الآثار ستبدأ بالظهور غدا الاثنين، بعد فتح الأسواق المالية للتداول.
وأكد الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان أن إقالة محافظ البنك المركزي أمر غير جيد؛ لأنه يعكس وجود تخبط في السياسة النقدية، إلى جانب زيادة احتمال استخدامه في التشكيك باستقلالية البنك المركزي، مضيفا: "قرار الإقالة لن يحل مشكلة الاقتصاد نهائيا".
وأردف: "وقد تتأثر نظرة المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني تجاه تركيا عقب هذا القرار"، لافتا إلى أن "مشاكل الاقتصاد التركي أعمق بكثير من تغيير الأشخاص، وتحتاج إلى تغيير السياسات والفكر الاقتصادي الذي يقود البلد، خاصة في ظل ضغط المشهد السياسي".