هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكولونيل المتقاعد والمدير السابق للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، ألكساندر فيندمان، شدد فيه على أهمية أن يقود الرئيس المنتخب جو بايدن ما وصفه بـ"العالم الحر" خارج الولايات المتحدة، ضد "المستبدين".
وقال "فيندمان" في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن بايدن قد تستنزفه المخاوف الداخلية، لكن الصين وروسيا "والدول الاستبدادية الأخرى، التي لطالما اعتبرت الديمقراطية تهديدا وجوديا، في حالة هجوم، وتوظف جميع وسائل فن الحكم -الدبلوماسية والمعلوماتية والعسكرية والاقتصادية- لتحقيق أهدافها".
ويسعى العالم "غير الحر"، كما وصفه، إلى تقويض المعايير الدولية والقيم الليبرالية الغربية والديمقراطية نفسها من أجل تمكين هيمنة الحكومات الاستبدادية والسماح لها بممارسة "القوة الغاشمة"، بحسبه، ومن ثم سيحتاج بايدن إلى حشد نقاط القوة ذاتها التي ينوي توجيهها لترميم الجبهة الداخلية، وذلك لاستخدامها على الساحة الدولية كذلك.
ويرى الكاتب أن أمريكا المشتتة وعلى مدى عقدين من الزمن، أهملت عودة ظهور المنافسة بين القوى العظمى، وجنت الصين وروسيا الفوائد. وخلال فترة القطب الواحد، ركزت أمريكا الكثير من طاقاتها على الشرق الأوسط وعلى الاهتمامات الفورية، مع استبعاد مصالح الأمن القومي الناشئة وطويلة الأجل.
واستفادت الصين من تشتت انتباه أمريكا وحشدت قوتها بفاعلية لزيادة القوة في وقت كان ينبغي على أمريكا أن تكون فيه هي الأكثر تقدما.
وأضاف أن أمريكا في عهد ترامب، انسحبت من الشؤون العالمية، واستغلت الصين وروسيا غيابها للعمل مع الإفلات من العقاب وتسريع صعود بكين نحو التفوق.
وإذا قامت أمريكا بتقليص نفقاتها أو التحول إلى استراتيجيات مثل الموازنة الخارجية، فسيتم توسيع الفراغ الذي ستملؤه الدول الاستبدادية، بحسب الكاتب.
ولعقود من الزمن، كانت روسيا تستخدم الأدوات التي طورها جهاز الأمن السوفييتي بشكل جيد لمهاجمة الديمقراطيات، واستخدمتها لإطلاق حرب معلومات داخل أمريكا، ولاستغلال الانقسامات وتضخيم الخلافات.
اقرأ أيضا: 4 نقاط اشتباك بحرية محتملة بين أمريكا وروسيا (خرائط)
وفي أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، تعمل روسيا بحرية أكبر وتعتمد على مجموعة أوسع من الأدوات. هناك، يهاجم الكرملين القيم الديمقراطية، وفق زعم الكاتب، ليس فقط من خلال الشبكات المالية غير المشروعة وشبكات الجريمة المنظمة والمعلومات والحرب الإلكترونية، ولكن أيضا من خلال الضغط بالطاقة والاغتيالات والقوة العسكرية.
وفي لعبة محصلتها الصفرية هذه، فإن هدف روسيا بسيط: تضخيم الخلافات، وتقسيم المجتمعات، وإضعاف المؤسسات الديمقراطية من أجل إخضاع المعارضين، وبالتالي نقل السلطة إلى موسكو.
ويعتقد الكاتب أن الصين تشكل، بصفتها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان وثاني أكبر اقتصاد، تهديدا أكثر قوة وضررا لأمريكا.
وساعدت عقيدة "خبئ [قوتك] وانتظر [وقتك]" للحزب الشيوعي الصيني في إخفاء الخطر حتى وقت قريب. ومثل روسيا، تستخدم الصين فن الحكم و"النفوذ الخبيث" لتعزيز مصالحها وتقويض الديمقراطيات، بحسب "فيندمان".
ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر تهديدا هو استخدامها للضغط الاقتصادي ضد أمريكا وأقرب حلفائها. فقد استغلت الصين عدم المساواة في العولمة والفشل الملحوظ للنظام المالي الدولي الذي تقوده أمريكا لتسويق الفكرة القائلة بأن الرأسمالية التي تقودها الدولة توفر الطريق الأفضل للازدهار الاقتصادي.
ويرى الكاتب أن نجاح الصين في وضع نموذج لنظام رأسمالي بديل، استبدادي، تقوده الدولة، يقوي الحكام المستبدين ويجذب بعض القوى داخل الديمقراطيات المتصارعة.
وعلى الرغم من عدم وجود إجماع واضح حول ما إذا كانت الصين وروسيا تتعاونان لتقويض الديمقراطيات أم إنهما ببساطة تعملان لتعزيز مصالحهما بشكل مستقل، فإن جهودهما المشتركة تؤتي ثمارها.
وخلال إدارة ترامب، ازدهرت الحركات الشعبوية القومية على مستوى العالم، في حين تراجعت العديد من الديمقراطيات. ولم ترد أمريكا على هذه التوجهات، لكن الدول الاستبدادية فعلت ذلك، ولكن عبر تعزيز تلك التوجهات.
وفي ظل الإدارة الجديدة، يجب على أمريكا، وفق المقال، أن تنظم جهودا متضافرة من الديمقراطيات ومن أجل الديمقراطيات، لمواجهة صعود اللاليبرالية والاستبداد.
ويقترح الكاتب في هذا الإطار أن تستضيف أمريكا قمة للديمقراطية.
ويرى المقال أن العالم متعدد الأقطاب -حتى العالم الذي تظل فيه أمريكا قوية بشكل غير متناسب- يستدعي مستوى من تقاسم الأعباء لم تعتد الديمقراطيات عليه.
ويوضح أنه في عام 1992، شكلت الديمقراطيات في ما يعرف الآن بمجموعة العشرين حوالي 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة. واليوم، تشكل تلك الديمقراطيات نفسها 73 بالمئة فقط من إجمالي الناتج المحلي لمجموعة العشرين.
لقد تضاءل نفوذ تلك الدول الاقتصادي، لكن المشاكل التي يسعون إلى حلها بشكل مشترك لم تتضاءل، ولم تعد أمريكا قادرة على تحمل العبء أو مستعدة لتحمله بأكمله، وفق الكاتب.
وسيكون تقاسم الأعباء ضروريا إذا أريد للديمقراطيات أن تظل موحدة في السعي لتحقيق المصالح المشتركة وفي مواجهة التهديدات المشتركة، بحسب الكاتب.
وشدد "فيندمان" على أن توحيد العالم الديمقراطي ضد الخطر الواضح والقائم المتمثل في تصاعد الاستبداد ليس عملا من أعمال المثالية ولكنه عمل واقعي. حيث تتمتع الصين وروسيا بالفعل بمصالح متشابهة وتتصوران تهديدات متشابهة، بحيث تميلان إلى النظر إلى العالم من منظور "نحن ضدهم".
وبالتالي، فإن عقد قمة للديمقراطيات لن يكون سببا في توحيد الدول الاستبدادية بقدر ما سيعترف بالواقع الصارخ لعالم مقسم إلى معسكري استبداد وديمقراطية، كما أن مشروع دعم الديمقراطيات والنهوض بالقيم الديمقراطية، في هذا السياق، هو استمرار للسياسة الأمريكية السابقة، بحسب الكاتب.
ولفت المقال في هذا السياق إلى أن فكرة عقد قمة ديمقراطية ليست جديدة، لكن الحاجة إليها أصبحت أكبر من أي وقت مضى. ومعا، بحسبه، يمكن لديمقراطيات العالم أن تبتكر حلولا تعاونية لمشاكلها المحلية الأكثر إزعاجا من خلال المعالجة الجماعية للقضايا المشتركة مثل التحولات الديموغرافية والاستقطاب الاجتماعي وتزايد عدم المساواة.. وستجعل هذه الجهود المشتركة الديمقراطيات أكثر تماسكا داخليا وقدرة جماعية على الصمود.
اقرأ أيضا: بمثل هذا اليوم: انتهاء الحرب الباردة ونشوء "عالم جديد" (طالع)
وفي الوقت نفسه، "يمكن للديمقراطيات أن تساعد في حماية بعضها البعض من الهجمات الخارجية، بما في ذلك تلك التي تتخذ شكل حرب المعلومات أو الضغط الاقتصادي".
ويجب على الديمقراطيات، وفق المقال، ردع الجهات الفاعلة السيئة عن التدخل في شؤونها الداخلية من خلال التوضيح أن أولئك الذين يسعون إلى استغلال انفتاح الديمقراطيات عن طريق زرع الفتنة سيواجهون ردود فعل مشابهة. وبهذا التحذير المسبق، ستقبل الدول الاستبدادية القواعد الأساسية الجديدة، وستستفيد جميع القوى من القضاء على مساحة تزيد من خطورة الصراع.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن القمة يجب أن تكون منتدى يمكن للديمقراطيات أن تتبادل فيه أفضل الممارسات لمعالجة العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك. فعلى سبيل المثال، يمكن للمشاركين تبادل الأفكار لحماية الصناعات والتقنيات المهمة من التأثير الأجنبي أو لمواجهة الاستغلال الاقتصادي للصين.
ويمكنهم أيضا تنسيق الجهود لتعزيز الثقافة الإعلامية، وكشف العمليات الإعلامية، ودعم المجتمع المدني. ويمكن للديمقراطيات أن تبحث عن حلول تعاونية لمشاكل عالمية مثل تغير المناخ والتخريب الاستبدادي للمعايير الدولية.
وفي النهاية، يجب أن تشمل القمة جميع الديمقراطيات في العالم؛ لكنها قد تبدأ كنوع من "تحالف الراغبين"، ما يضع ميثاقا للديمقراطية يحدد الأهداف المشتركة للمشاركين ويتعهد بالدعم المؤسسي والتقني والمالي لمن ينضمون.
وقد تجد الديمقراطيات غير الآمنة أو المتراجعة نفسها بعد ذلك منجذبة إلى إجماع القمة، سواء من حيث المبدأ أو لأنها لا ترغب في أن يتم تصنيفها على أنها رافضة. وسيكون لديهم الفرصة للتوقيع على المبادئ.
ولكن، يستدرك الكاتب، بأنه لا ينبغي للقمة أن تتسامح مع المستغلين: فيجب أن تأخذ الحذر الشديد للتأكد من تقاسم جميع الأعباء.
وتستطيع أمريكا، بحسبه، بالتنسيق مع الديمقراطيات في العالم، مقاومة ضغوط الأنظمة الاستبدادية دون فرض مواجهة مباشرة بين النظامين. وفي الواقع، في عالم متعدد الأقطاب، فإنه يجب على الديمقراطيات أن تتعاون وتتنافس مع القوى الاستبدادية. وتعتبر البلدان من الصنفين تغير المناخ والانتشار النووي والإرهاب العابر للحدود، تهديدات، ولمواجهة كل ذلك، وغيره، فإن الأمر سيتطلب من أمريكا التعاون مع الصين وروسيا والقوى الناشئة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وفي النهاية، يقول الكاتب: "لقد بشرت أمريكا ذات مرة بعصر الديمقراطيات الجديدة، ما أعطى تلك الدول العون والاستفادة من ولائها. واليوم، يتصاعد الاستبداد مرة أخرى، ويشكل تهديدا وجوديا لذلك النظام.. يجب على أمريكا أن تقود العالم الديمقراطي في الدفاع عن نفسها من العودة إلى الأنماط التاريخية التي يمكن أن تؤدي إلى زوال الديمقراطية".