هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الزائر في صندوق "مارشال" الألماني، نيكولاس دانفورث، سلط فيه الضوء على ما اعتبرها "معضلة" تواجه الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، في التعامل مع تركيا، داعيا إلى نهج مختلف "أكثر صرامة"، بحسبه.
وحذر دانفورث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، من أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا تسير نحو "ارتطام"، ولكن ببطء، فيما بايدن "هو الآن في موقف رجل الفرامل الذي لا يحسد عليه".
واعتبر الكاتب أن الرئيس الأمريكي القادم لن يكون بوسعه سوى العمل على تقليل الضرر، دون إثارة صراعات جديدة أو خسارة أنقرة كشريك مستقبلي في ملفات مختلفة.
وقال دانفورث إن الخطوة الأولى التي يجب على الإدارة المقبلة البدء بها هي "الاعتراف بأن واشنطن لا تستطيع بمفردها إنقاذ التحالف" بين واشنطن وأنقرة، وبأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لن يقدم أي إعادة ضبط حقيقية أو دائمة للعلاقة، بغض النظر عن عدد المرات التي يبدو فيها أنه يحاول فعل ذلك".
ويرى الكاتب أن أمريكا وتركيا ستواصلان العمل بأهداف متقاطعة وستستمر الأزمات في الظهور، "وإذا كان الجميع محظوظين، فستكون هناك أيضا فترات راحة وبعض التقدم في مجالات ذات اهتمام مشترك".
ودعا الكاتب إلى الفصل في التعامل مع أنقرة كحليف خارجي، من جهة، وفي تقييم سياسات أردوغان الداخلية من جهة أخرى، لا سيما أن المنظومة السياسية التركية تروج للرأي العام المحلي بأن أمريكا تمثل "تهديدا".
واعتبر الكاتب أنه سيكون من الصعب "دعم الديمقراطية التركية" عندما تتبنى الكثير من الأوساط المعارضة هناك الرؤية نفسها تجاه الولايات المتحدة والغرب.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: ترامب وقع على إجراءات ضد تركيا.. تواصل تراجع الليرة
ولفت الكاتب إلى وجود العديد من التفسيرات حول سبب اتخاذ تركيا نهجا "أكثر قتالية تجاه أمريكا وحلفائها الغربيين الآخرين في السنوات الأخيرة".
وسلط بعض المحللين الضوء على الفوائد السياسية المحلية التي يستمدها أردوغان من موقفه العدواني المناهض للغرب، بحسب الكاتب، ولا سيما بعد أن أصبح في تحالف انتخابي مع الحزب القومي المتطرف.
ويشدد آخرون، في المقابل، على دور أيديولوجية أردوغان المحافظة وتطلعاته إلى القيادة في العالم الإسلامي، فيما يواصل مراقبون الإشارة إلى سلسلة من المظالم التركية المحددة، مثل دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد السوريين أو رفضها تسليم "فتح الله غولن" لأنقرة.
وقال دانفورث إن هنالك قدرا كبيرا من الحقيقة في كل هذه التفسيرات، "وهذا بحد ذاته سبب للشك في أن التقارب قد يكون صعبا".
لكن تعقيد المشهد لا يقف عند ذلك الحد، بحسبه، فالحقيقة الأكثر إثارة للقلق هي أن الأيديولوجيا والمظالم والسياسة الداخلية "قد اجتمعت معا لتشكيل عقيدة أمنية تركية جديدة تحدد، بعبارات متماسكة وإن لم تكن دقيقة بالضرورة، تضع أمريكا كتهديد رئيسي يجب التغلب عليه بإجراءات مضادة عدوانية".
ويلفت الكاتب إلى أن الخبراء الأتراك المؤيدين للحكومة حريصون على تسليط الضوء على التفكير وراء السياسة الخارجية الجديدة لتركيا، وهم يعتقدون، بحسبه، أن القوى الغربية منزعجة من استقلال بلادهم الجديد، وأنها تحاول مواجهته على جبهات متعددة.
ومع ذلك، ونظرا لأن قوة الغرب آخذة في التراجع وأن العالم أصبح متعدد الأقطاب، فإنهم يعتقدون أيضا أنه يمكن لتركيا استخدام القوة الصارمة والتعاون الانتقائي مع روسيا لإعادة كتابة قواعد اللعبة لصالحها.
ويحظى هذا النهج تجاه العالم بشعبية بين ناخبي أردوغان، ويتناسب تماما مع الافتراضات الأيديولوجية للرئيس، وقد حصل على تصديق خارجي كافٍ بحيث يصعب إثبات أنه خاطئ.
وشدد الكاتب على ضرورة مواصلة الضغط الدائم لكي تدرك أنقرة أن استعداء حلفائها السابقين له عواقب، ولكن في الوقت ذاته، ترك الباب مفتوحا للتخفيف إذا قررت ذلك.
بعبارة أخرى، فإنه "لا ينبغي لصناع القرار القفز عند كل بيان تصالحي من أردوغان، أو النظر إلى عروضه بإعادة الضبط كسبب لمنح أنقرة تنازلات، وفي الوقت ذاته، يجب أن يدركوا أن المفاوضات ومجموعات العمل يمكن أن تلعب دورا قيما في وضع المشاكل على مسار الحل البطيء، حتى عندما لا يتوقع أي من الطرفين حلها في المدى المنظور".
وفي الواقع، ونظرا لإحباط واشنطن المتزايد من أردوغان، فقد خلص البعض بالفعل إلى أن التعاون الحقيقي مع تركيا لن يكون ممكنا إلا بعد خسارته للانتخابات. ومن المؤكد أن هناك سببا للأمل في أن تكون حكومة بقيادة المعارضة الرئيسية في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، أقل عداء تجاه أمريكا والاتحاد الأوروبي.
وقد تكون مثل هذه الحكومة أيضا أكثر حرصا على المصالحة مع جيران مثل مصر، مع إظهار حماسة أقل للجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى مثل "حماس". ولكن هناك أيضا، بحسب "دانفورث"، كل الأسباب للاعتقاد بأن المعارضة التركية تشاطر الحكومة الكثير من شكوكها بشأن واشنطن وتدعم العديد من جهود أردوغان للرد عليها.
علاوة على ذلك، فإنهم إذا وجدوا أنفسهم في السلطة، فمن شبه المؤكد أنهم سيواجهون ضغوطا سياسية جديدة تتطلب منهم إثبات صدق نواياهم القومية.
اقرأ أيضا: صحيفة: هل تتغير نظرة الكونغرس لتركيا.. وما المطلوب من أنقرة؟
بالطبع، أن أحد الأسباب الرئيسية لكل من أردوغان وخصومه للشك في واشنطن هو اعتقادهم المشترك بأن الدعم الأمريكي للديمقراطية في تركيا كان دائما يتوقف على ما قد يعنيه النظام المحلي التركي لأمريكا. ويظهر سجل واشنطن في الحرب الباردة بالتأكيد أن مقاربتها للديمقراطية التركية غالبا ما كانت تدور حول الأحزاب التي اعتقدت أنها تضع مصالح الولايات المتحدة في الصميم، "والنتيجة هي أن الدعم الصريح للمعارضة التركية اليوم ليس بالضرورة أفضل طريقة لدعم المعارضة التركية".
وفي الصيف الماضي، تم تداول مقطع فيديو يظهر بايدن، في محادثة سابقة مع محرري "نيويورك تايمز"، يدعو أمريكا إلى تشجيع أولئك الذين يعملون داخل تركيا لمواجهة أردوغان من خلال العملية الانتخابية.
وبنفس سرعة أردوغان تقريبا، هرع قادة المعارضة التركية لإدانة تعليقات بايدن؛ "لقد شجبوا التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية وأصروا على أنهم لن يكونوا طرفا في لعبة واشنطن الإمبريالية".
ويعكس رد الفعل هذا انقساما أعمق بين المعارضة القومية في تركيا حول الكيفية التي يعتقدون بها أن بإمكان واشنطن مساعدة بلادهم بشكل أفضل، فمن خلال الإصرار على أن "تركيا أكبر من أردوغان"، يحاجج العديد من معارضي الرئيس القوي بأن الدول الغربية لا ينبغي أن تعاقب تركيا بأكملها بسبب غضبها من الرجل المسؤول. ويزعمون أنه لتجنب خسارة نصف الشارع التركي، الذي لا يحبه، يجب على أمريكا والاتحاد الأوروبي تقديم فرص تجارية محسنة بدلا من العقوبات، مع العمل على استيعاب المخاوف التركية المجمع عليها داخليا بشأن حركة غولن ووحدات حماية الشعب وشرق البحر المتوسط.
وتكمن المشكلة بالطبع في أن أعضاء آخرين أكثر صراحة في المعارضة يصرون على أن هذا النهج من شأنه ببساطة أن يقوي أردوغان على حسابهم. ويصرون على أن منح أردوغان انتصارات بارزة في السياسة الخارجية يساعد فقط على تشجيعه.
كما أن تجنيب تركيا العقوبات، ناهيك عن تقديم تدابير مثل الاتحاد الجمركي الأوروبي المنقح، يمنح أردوغان شريان حياة اقتصاديا حيويا يدعم "دوره الاستبدادي"، بحسب ما يراه بعض أشد معارضيه.
وفي مواجهة هذه الرؤى المتناقضة، وفق الكاتب، "يجب أن يكون بايدن ثابتا في انتقاد سلوك أردوغان غير الديمقراطي. عليه أن يدين اعتقال المعارضين الديمقراطيين لأردوغان وأن يدفع باتجاه إطلاق سراح المعتقلين السياسيين".
سيكون هذا وحده تغييرا مرحبا به، يخالف نهج الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بـ"الاحتضان غير الأخلاقي المبتهج لأردوغان"، ولكنه يخالف أيضا "استعداد الرئيس السابق باراك أوباما، أحيانا، لتجنب النقد على أمل تأمين تعاون أنقرة".
ولا يحتاج الرئيس إلى تأييد المعارضة علانية، بحسب الكاتب، "ولكن لا ينبغي له أيضا أن يتردد في صد استفزازات أردوغان في السياسة الخارجية على أمل كسب تعاطفهم".
وفي نهاية المطاف، "قد يكون الفصل بين دعم أمريكا للديمقراطية، عن حسابات طموحاتها الجيوسياسية المحددة، أفضل طريقة لإظهار أن الأمريكيين يدعمون بالفعل الديمقراطية التركية لذاتها".