كنت أرى أن أسرع المشاهير تطبيعاً مع الكيان الغاصب هم المطربون، ثم انعطفتُ برأيي، فوجدت أن المطربين أثبت وأرسخ من أئمة وشيوخ السلاطين (والسلا هي الكرشة، أما الطين، فمعروف)، وأنَّ هؤلاء الشيوخ مطربين يغنّون بالفتوى من غير طبل وألحان ويطربون الملوك بفتاويهم، فوجدنا مفتي مصر علي جمعة يزور القدس حتى يؤدي فيها ركعتين خاشعتين قبل أن يقابل ربه، ثم تسابق شيوخ الكرشة والطين إلى مباركة
التطبيع مع إسرائيل على سنّة الله ورسوله، أمثال رئيس مجلس الإفتاء في الإمارات عبد الله بن بيه فقال: الأمر لولي الأمر، وقبلهم الشيخ بن باز الذي اتخذ صلح الحديبية قياساً فقاس به.
وإذا كان الشيخ بن باز قد اهتدى بصلح الحديبية وليس بسورة الحشر في بني النضير، ولا بسورة الأحزاب التي أنزلت في بني قريظة، فإن وارثيه لا ينظرون إلى النصوص الدينية ولا حتى إلى الوقائع التاريخية التي جعلوها محل القرآن والسنّة، فاتفقوا على عصمة ولي الأمر. ولا عصمة في الإسلام إلا للأنبياء، فكأنهم صاروا شيعة، بل إنَّ الشيعة قد ترد فتاوى الولي الفقيه، وقد رأينا المظاهرات عمّت طهران على فتوى الحجاب الإلزامي، للخميني.
ورأينا المغنّي والممثل محمد رمضان - وغناؤه يشبه الخناق - يأخذ صوراً تذكارية مع مطرب إسرائيلي، وصابر الرباعي مع ضابط إسرائيلي في حالة حب ووئام، وعادل إمام في مسلسل مأمون وشركاه، يُظهر فيه أن الإسلام متشدد مقارنة مع
اليهودية "السمحاء"، وعمرو واكد في فيلم بين النهرين يصرح بأنه لم يكن يعلم أن الممثل "يغار ماتور" إسرائيلي الجنسية، وملكة جمال لبنان سالي جريج تلتقط صورة تذكارية مع ملكة جمال إسرائيل، وأليسا تدافع عن تطبيع أمين المعلوف، وعمرو دياب يعمل لدى روبرت مردوخ، ولم يعتذر خالد أبو النجا مثل هؤلاء الخجولين، بل قال بوضوح إن إنكار التطبيع فكرة بالية، وكرّت سبحة المسلسلات: أم هارون وباب الحارة..
في الأدب:
ذكرنا أمين معلوف في حديث أليسا، وهو فرانكفوني، وأليسا كذلك، والفرانكفوني يجوز له لبس الحرير والذهب والتطبيع. وكتب سليم بركات برفق يمدح الموسويين في رواية "الكون" في بداية أمره، ثم دبّج رواية ملحمية في البكاء على السيدة راحيل. وتسابق مثقفون عرب في ماراثون التطبيع، فقرأنا قصة لإبراهيم أصلان نشرت في صحيفة الحياة السعودية عن يهودي مصري اسمه جاك حسون يشتاق إلى مصر، قيل إنه عالم نفس، وتظهر قصته أسفاً على موته. أما أدونيس فمعروف، فهو من السابقين، وقد نال جوائز كثيرة على التطبيع غالباً، ويقال إن نجيب محفوظ لم يكن لينال نوبل إلا بعد تصريحات تطبيعية.
في الجهة الأخرى؛ مُدح دافيد غروسمان كثيراً، وكتبت مقالات عن المناضل اليساري اليهودي المغربي سيون أسيون المناهض للتطبيع حتى ظنناه عمرو بن العاص أو معاوية بن أبي سفيان، وهؤلاء الأبطال اليهود الذين يناضلون معنا، لا يقارنون بأبطال التطبيع العربي الذين يناضلون مع إسرائيل، أمثال يوسف زيدان الذي يشتم صلاح الدين الأيوبي والبخاري، لكننا لم نجد يهودياً يشتم موسى بن ميمون، أو يهودياً يغيّر اسمه إلى محمد أو أحمد كما فعل علي أحمد سعيد، فجعله أدونيس!
سُمّي اتفاق التطبيع الذي عقده ترامب في البيت الأبيض، بالاتفاق الإبراهيمي، نسبة إلى أبراهام عليه الصلاة والسلام، هكذا بالصيغة العبرية، واسم إبراهيم أطلق أيضاً على دبابة أمريكية اسمها أبرامز!
معظم العرب المقاومين للتطبيع يكتفون بالتنديد، والتنديد طريقة دفاعية باللغة (من اللغو، وليس من اللغة) وأدنى العظات التي يمكن الاتعاظ بها هي التأسّي بمحتلي القدس الكبار والصغار، فهم يقدّرون أنبياءهم بل إنهم يسعون سعياً حثيثاً إلى تسمية دولتهم باسم الدولة اليهودية، كما أن عدداً كبيراً من الدول الأوروبية الموالية للاحتلال تتخذ شعار الصليب على أعلامها مثل: إنجلترا، استراليا، اليونان فنلندا، البرتغال النرويج، اسبانيا، السويد، سويسرا، لكن أعلام الدول العربية هي ألوان تشبه ألوان علكة الأطفال، رسمها مارك سايكس في خمس وعشرين دقيقة، كما ورد في كتاب بروس ويسترات "الإدارة العربية".
الحاصل، أنهم جعلوا التطبيع مع مغتصبي بيت المقدس ركناً من الإسلام، وهم يحجّون الآن إلى شواطئ تل أبيب من كل فجّ عميق، وإن شئنا قول الحق الذي فيه يمترون، لقلنا إنَّ التطبيع هو الركن الأول في الإسلام وليس السادس، فالإنسان يغدو حيواناً من غير التطبيع مع الله، رب إبراهيم وموسى وهارون ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وإذا بحثنا عن إبراهيم في القرآن الكريم سنجد الله يشهد له قائلاً وهو أصدق القائلين: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
كان كاتب هذه السطور مشغولاً عن الدين الذي ذكّره به اتفاق التطبيع، بأخبار محمد رمضان، وأنس مروة، وفستان رانيا الذي يسقط كثيراً هذه الأيام، وسبب انشغاله به، هو أنه وجد له سبباً يتصل بأسعار الدولار، فكلما سقط الفستان، ارتفع الدولار مقابل الجنيه والليرة السورية.
وشاعت قصة درع النبي في صفحات التواصل الاجتماعي، وهو الدرع التي أودعه النبي لدى يهودي لا يعرف أحد اسمه، وقصة جنازة اليهودي التي وقف لها النبي، حتى إنّ كاتب السطور فتّش بيته بحثاً عن درع حتى يودعه لدى يهودي فلم يجد فيه درعاً، ولا عوجاً ولا أمتا.
كان للنبي سلاح غير هذا الدرع، فله ثمانية أسياف، وخمسة أقواس: ثلاث من سلاح بني قينقاع، وثلاثة أرماح من سلاح بني قينقاع. ولها أسماء وألقاب، وخيول وعدة أُخر، ولعلماء الحديث في حديث الدرع نظر. وبلغ عدد غزوات النبي مع سراياه مائة غزوة، وكان يصلي حتى تتفطر قدماه ويصوم حتى يقولون إنه ما يفطر، ويفطر حتى يقولون إنه ما يصوم، وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه. وأقول لهؤلاء إن كنتم تحبون التطبيع وتهتدون بهدي النبي عليه الصلاة والسلام، فطبّعوا مع سيرته كلها، وليس مع درعه وحدها.
مالكم كيف تحكمون.
twitter.com/OmarImaromar