قضايا وآراء

فلسطين 2020.. رباعية صفقة القرن وخطة الضمّ والتطبيع والمصالحة

ماجد عزام
1300x600
1300x600

عاشت فلسطين خلال العامين الماضيين على وقع ثلاثية صفقة القرن الأمريكية، وجدلية الانقسام والمصالحة بين حركتي فتح وحماس، والتهدئة والتصعيد بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي في غزة ومحيطها. أما خلال العام الجاري الذي أوشك على الانتهاء فتحولت الثلاثية إلى رباعية؛ تضمنت صفقة القرن الأمريكية، وخطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية، والتطبيع العربي الإسرائيلي، والمصالحة التي اكتسبت دفعة قوية خلال العام ثم تلقت ضربة قد تكون قاصمة في آخره.

إذن عاشت فلسطين خلال العامين الماضيين على وقع ثلاثية صفقة القرن الأمريكية وجدلية المصالحة والانقسام والتهدئة والتصعيد، ومنذ بدء الحديث عن الصفقة اتحد الفلسطينيون في مواجهتها، وأوقفت السلطة حواراتها واتصالاتها (باستثناء الأمنية) مع إدارة دونالد ترامب، خاصة بعد اعترافها بالقدس عاصة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. كما رفضت قيادة السلطة بعناد الانخراط في جهود ومساعي الإدارة السياسية والدبلوماسية التمهيدية لإنضاج الصفقة، بما في ذلك الورشة الاقتصادية في البحرين (حزيران/ يونيو 2019) قبل الإعلان عنها رسمياً في البيت الأبيض مطلع العام الجاري.

الرفض الفلسطيني للمساعي والتحركات الأمريكية كان قاطعاً وشاملاً، حيث رفضت حركة حماس أيضاً كل دعوات إدارة ترامب للحوار معها مباشرة أو عبر وسطاء لشق طريق التفافي على القيادة الفلسطينية وابتزازها من أجل الانخراط في الجهود الأمريكية.

خلال العامين الماضيين عشنا أيضاً على وقع جدلية الانقسام والمصالحة بين حركتي فتح وحماس مع عودة الحياة إلى العملية إثر استئناف النظام المصري وساطته، ورعاية حوارات مباشرة بين الحركتين أدت إلى اتفاق القاهرة في تشرين أول/ أكتوبر 2017، والذي رافقته آمال عريضة لشهور قليلة سرعان ما تلاشت مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله في غزة مارس/ آذار 2018؛ المحاولة التي وجهت ضربة قاصمة للمصالحة، وأعادت العملية برمتها إلى نقطة الصفر رغم محاولات عشوائية وذات طابع دعائي هنا أو هناك.

عاشت فلسطين أيضاً خلال الفترة نفسها جدلية التهدئة والتصعيد في غزة وجوارها يبن المقاومة وتحديداً حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، أيضاً تم التوصل إلى تفاهم غير مباشر بينهما نهاية العام 2018، فباتت التهدئة هي القاعدة والتصعيد بمثابة الاستثناء مع مماطلة إسرائيلية معتادة لجهة الالتزام باستحقاقات التهدئة ومساعي مستمرة من الوسطاء الإقليميين والدوليين لإبقاء العربة على السكة، ومنع التصعيد أو ذهاب الأوضاع نحو الانفجار.

الثلاثية الفلسطينية تحوّلت إلى رباعية هذا العام مع إعلان الرئيس الأمريكي رسمياً عن صفقة القرن، نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (آذار/ مارس) عن خطة الضم المنبثقة عنها لثلث الضفة الغربية، ثم انطلاق مسيرة التطبيع العربي- الإسرائيلي الذي أخذ شكل التحالف في الحالة الإماراتية. الثلاثية السابقة أدت من ناحية أخرى إلى دفعة قوية لعملية المصالحة الفلسطينية كتعبير عن التوحد في مواجهة الصفقة والخطة والتطبيع.

رفض الفلسطينيون (وهم محقون) صفقة القرن "رؤية ترامب" بوصفها خطة لتصفية القضية لا حلها، وفرض الاستسلام عليهم عبر شطب ركائز القضية الثلاث: القدس واللاجئين والحدود، لذلك توحدوا بكافة انتماءاتهم واتجاهاتهم من أجل إسقاطها ومنع مرورها.

فهِم الفلسطينيون أيضاً خطة الضمّ الإسرائيلية لثلث الضفة الغربية باعتبارها إعلانا سياسيا رسميا عن موت حلّ الدولتين، وفي السياق قتل أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وقابلة للحياة عاصمتها القدس ضمن حدود حزيران/ يونيو 1967، وهي نقاط توافق الحد الأدنى فلسطينياً وعربياً وحتى ودولياً قبل خروج إدارة ترامب عن الإجماع الدولي، كما عن محددات الإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه حل الصراع في فلسطين.


الفلسطينيون رفضوا كذلك مسيرة التطبيع العربي وتحديداً التطبيع/ التحالف الإماراتي الإسرائيلي باعتباره طعنة نجلاء للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وخروجا عن المبادرة العربية والشرعية الدولية، واعترافا بالأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي بالقوة القهرية والجبرية في الضفة وغزة على حد سواء.

عودة السلطة للتنسيق الأمني مع إسرائيل بعد فوز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية مثلت انتكاسة للمصالحة، ووجهت ضربة قوية قد تكون قاصمة للعملية التي أزيحت عملياً عن جدول الأعمال، أقله في المدى المنظور

التوحد الفلسطيني أعطى دفعة قوية لعملية المصالحة التي لم تعد بحاجة إلى وسيط أو راع، وهكذا تم عقد لقاءات وحوارات ثنائية وجماعية متنقلة ما بين غزة ورام الله وبيروت وإسطنبول دون رعاية من أحد، بل استضافة كريمة كما رأينا تحديداً في الحالة التركية (حوار إسطنبول)، وتم التوافق على خريطة طريق تتعلق بإجراء الحزمة الانتخابية الكاملة، وإنهاء الانقسام وإعادة بناء المؤسسات على قاعدة الشراكة وبرنامج وطني متفق عليه استناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني (الأسرى) التي تحتاج إلى تحديث بسيط فقط بعدما شملت الأسس المطلوبة والضرورية، تحديداً فيما يتعلق بالمقاومة بكافة أشكالها وخاصة الشعبية منها التي تم التفاهم على تشكل قيادة وطنية عليا لإدارتها.

غير أن عودة السلطة للتنسيق الأمني مع إسرائيل بعد فوز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية مثلت انتكاسة للمصالحة، ووجهت ضربة قوية قد تكون قاصمة للعملية التي أزيحت عملياً عن جدول الأعمال، أقله في المدى المنظور.

فوز بايدن أزاح أيضاً صفقة القرن (رؤية ترامب) عن جدول الأعمال المحلي الإقليمي والدولي، وهي لم تكن تملك حظوظا جدية أصلاً في ظل الرفض الفلسطيني القاطع لها، وحسب السوابق التاريخية لا يمكن أن يمر أي شيء يتعلق بالقضية الفلسطينية دون رضى أصحابها.

خطة الضمّ أزيحت أيضاً عن دائرة الضوء، أقله بالشكل الرسمي والمعلن لصالح مواصلة إسرائيل سياساتها التقليدية المتضمنة إدارة الصراع فقط بأقل ثمن ممكن، وفرض وقائع تهويدية واستيطانية جديدة وبشكل تدريجي كلما وجدت سبيلاً لذلك.

مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي فتستمر خلال العام القادم، ولكن بوتيرة محدودة وضيقة ودون دعم أو رعاية مباشرة من الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما ستستمر أبو ظبي في منحاها التحالفي مع تل أبيب وعلى صعد ومستويات مختلفة

أما مسيرة التطبيع العربي الإسرائيلي فتستمر خلال العام القادم، ولكن بوتيرة محدودة وضيقة ودون دعم أو رعاية مباشرة من الإدارة الأمريكية الجديدة، بينما ستستمر أبو ظبي في منحاها التحالفي مع تل أبيب وعلى صعد ومستويات مختلفة، سياسية واقتصادية وإعلامية وعلمية وحتى رياضية.

وبناء عليه، وإضافة إلى مسيرة التطبيع الضيقة سيعيش المشهد الفلسطيني خلال العام القادم على وقع ثلاثية جديدة تتضمن مع التطبيع؛ صيانة التهدئة في غزة لأبعد مدى زماني ممكن، مع عمل الوسطاء الكثر على تحسين جدي للأوضاع فيها بما يمنع الانفجار، ويخلق من جهة أخرى ظروفا مناسبة أمام البند الثالث في الثلاثية والمتمثل بالسعي لاستئناف عملية التسوية والمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

رغم حديث السلطة عن مؤتمر دولي للسلام برعاية الأمم المتحدة أو حتى اللجنة الرباعية، إلا أنها ستقبل بعودة للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل بوساطة أمريكية حصرية، غير أن الملف الفلسطيني لا يمثل أولوية لإدارة جو بايدن، وقد لا تتفرغ له إلا بعد سنة على الأقل، ولكنها ستعمل في المقابل على صيانته، بمعنى استئناف علاقاتها مع السلطة الفلسطينية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، وضمان تواصل السلطة مع إسرائيل أقله أمنياً، ما يعني أن تضحية رام الله بالمصالحة لن تثمر نتائج جدية ملموسة، بل على العكس، ستطيل أمد الانقسام والانفصال السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة لأربع سنوات على الأقل، وربما حتى أكثر من ذلك.

التعليقات (0)