يربط الناس تحقيق إنجاز مختلف في حياتهم
في الغالب ببداية عام ووداع آخر، والجميل أن في أوساطنا شبابا وشابات باتوا أكثر تنظيما
لحياتهم واهتماما بمثل هذه القضايا التي تغيب وغابت عن كثيرين فيما مضى.
الإشكال أن الحماسة تجرف بعضهم أكثر من اللازم،
فيرسمون خططا حالمة ويضعون أهدافا كثيرة يغرقون بها فيما بعد ويعجزون عن تحقيقها، ويغدو
الأثر خلاف المأمول من رفع همة وشحذ عزيمة وتغيير حال.
ولتحقيق إنجاز مختلف في هذا العام نحتاج
لتقليل الأهداف المرجوة وتجويدها، فقليل دائم خير من كثير منقطع، ثم السعي لإيجاد تحديات
بسيطة على المستوى الشخصي نكسر بها عادات فيها ضرر نمارسها بشكل يومي في حياتنا، مثل
تناول السكر الأبيض أو الإكثار من الملح أو ترك الرياضة وما شابه، وأقول أريد الانتصار
على نفسي التي لا تلعب الرياضة بأداء تمارين تنشيطية صباحية بشكل يومي، وذلك خمس مرات
في الأسبوع (هنا نترك يومين في الأسبوع يعطي المرء نفسه مساحة لو حصل عنده طارئ أو
ألمّ به عارض، أو ضعفت همته ذات يوم، أن يبقى محافظا بينه وبين نفسه على الوعد الذي
قطعه بتحقيق ذلك الهدف، فالهدف الذي رسمه يتمتع بالمرونة).
وفي السياق، موضوع للقراءة لمن لم يكن معتادا
عليها، وهي ضرورة وتشكل غذاء للعقل والروح لا غنى لصاحب طموح عنه، فمن الجيد أن نقول:
أريد قراءة صفحة أو صفحتين يوميا، وليس قراءة كتاب كل يوم لمن لم يكن قارئا من قبل،
فالذي يقبل على الأمور دفعة واحدة بلا تروّ يفقد حماسته شيئا فشيئا مع مرور الأيام
- إلا ما ندر - ولذلك فالتدرج هو خير معين، وترك مطالعة الكتاب وأنت راغب بالاستزادة
منه أفضل من متابعة القراءة مرغما مكرها.
يقول الخبير في مجال التطوير الشخصي "زيغ زيغلر": لا
يملك أي إنسان ناجح في حياته أي دقيقة زيادة على أي إنسان فاشل في حياته، كلاهما يملكان
ذات الأربع وعشرين ساعة؛ الأول يصنع منها نجاحا والثاني يصنع منها فشلا".
ولصناعة ذلك النجاح على المستوى الشخصي نحتاج
رسم أهداف روحية ومادية واجتماعية وتعليمية وصحية لتحقيق شيء مختلف في حياتنا، وهذا
هو ابن حنبل عندما سأله أحد أصحابه ذات يوم: إلى متى سوف تستمر في طلب العلم وقد أصبحت
إماما للمسلمين وعالما كبيرا؟ فقال له: "مع المحبرة إلى المقبرة"، ويعني
بذلك أنه سيستمر في طلب العلم إلى أن يموت ويدخل القبر.
صاحب الهمة يجعل من بداية عام جديد في حياته
فرصة لوضع جملة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها، وعليه أن يكتب بداية شيئا يرتقي به
روحيا وإيمانيا، وإلا يصبح مثل أولئك الذين كتبوا للناس عن النجاح والتغيير في حياتهم
ثم انتهت حياتهم بالانتحار!
وهو يضع لنفسه أيضا هدفا صحيا في بداية العام
بالعناية بجسده ووزنه ونوعية طعامه وشرابه، ويهتم بأموره المادية ويكتب ما يطمح له
لتحسين أوضاعه المعيشية، وكذلك الحال مع علاقاته الاجتماعية، ولا يستغني في طريق ذلك
عن مواصلة التعلم والعناية بتطوير نفسه ثقافيا.
خمسة مجالات لا غنى عنها في طريق
الإنجاز
والتغيير الشخصي لمن أراد ذلك: روحيا وصحيا وتعليميا واجتماعيا وماديا.
أما إذا أردت تبرير عجزك وتخاذلك فأنا أساعدك
بذلك، فأنت تعيش في بلد لا طموح فيه، وأقصى همّ المرء تحصيل كسرة خبز، والسيجارة التي
تدخنها هي لتنفيس تلك الهموم، والسكر المضر الذي تلتهمه هو متعتك الوحيدة في هذه الدنيا،
وبطنك المتدلية أمامك وجاهة، وما فائدة التعليم والثقافة ما دام كل شيء حيث تعيش بالمحسوبية
والوساطة!!
وهذه - إذا سمحت لي - جميعها حجج سخيفة نضحك
بها على أنفسنا، ولنا أن نذكر أناسا بيننا عاشوا ظروفا أصعب وأقسى من تلك التي نعيش
ولكن عزيمتهم ما لانت، وشبوا عن الطوق وحققوا إنجازات يشهد لها القاصي والداني.
نعم الطريق ليس مفروشا بالورود، وإن كانت
أحيانا وروده جميلة فأشواكها كثيرة:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وصاحب الهمة يحيي أمة.. الفكرة أن تكون صاخب
إرادة وعزيمة مع ذاتك، قادرا على تغيير أمور بسيطة في حياتك حتى تستطيع تغيير أمور
أكبر في المجتمع المحيط بك.