أخبار ثقافية

التباعد الاجتماعي.. غريزتنا للبقاء

الدول تشدد في إجراءاتها وتعليماتها على أهمية التباعد الاجتماعي بسبب كورونا- جيتي
الدول تشدد في إجراءاتها وتعليماتها على أهمية التباعد الاجتماعي بسبب كورونا- جيتي

منذ اللحظات الأولى لحركة الجنين في رحم أمه، ومع ركلاته الأولى للجدار الذي يحيط به، وتحسسه أبعاد مكانه، تنشأ علاقة خفيّة بالمكان والحيّز الذي يرسم له حدود حركته. تُعرف هذه المساحة الخاصة بكل إنسان والتي تفصله عن المحيط الخارجي بالمسافة الشخصيّة أو "personal space"، وهو الفضاء المتواجد في متناول كل شخص. 

مع خروج الإنسان إلى العالم وتغير محيطه وتمدده أو تقلصه، تتفاعل حواسه الإدراكيّة مع هذه العناصر عبر ذخيرة غنية جداً ومعقدة تعتمد على سياق هذه البيئة وطبيعتها. ومع علاقتنا الوطيدة بالزمن وتراكم خبراتنا، تنشأ علاقات تتصل فيها المساحة الشخصية الآمنة بمساحة أوسع تضم شريحة أكبر من الأفراد، وحيزاً أوسع للتفاعل الاجتماعي تُعرف بالمسافة الاجتماعية. 

منذ استقبالنا لفيروس كورونا، بدأنا التعرف على حدود جديدة للمسافة الاجتماعية مع تدابير الاحتراز والوقاية، بعد أن أصبح التباعد الاجتماعي إحدى أهم الوسائل التي دافعت عنها منظمة الصحة العالمية لمكافحة المرض.

 

واستطاعت تجربة التباعد الاجتماعي مساءلة عاداتنا ومناطق راحتنا منذ اللحظة التي بدأنا نرى الناس تنظر بترقب مبتعدة عنا، حتى اعتدنا الحالة، وأصبحنا نعدّ السنتيمترات التي تفصلنا عن الآخرين.

ويعد هذا التكيف السريع الذي اختبرنا فيه إعادة تعريف المسافة الآمنة وحدود الاقتراب والابتعاد عن المحيط الشخصي، خصيصة بيولوجية نشارك بها مملكة الحيوان، وهي غريزة الابتعاد عن الخطر وإدراك مسافاتنا الآمنة، وهي واحدة من أدوات استمرارية الإنسان وبقائه.

طيور مسجونة

نحن لا نرى في الطيور إلا ما نفتقده بأنفسنا! دائماً ما يحاكي الطير أمنياتنا لتوصيل سلاماتنا إلى الحرم أو القدس أو إلى أماكن الحروب التي لا نستطيع الاقتراب منها. ولذلك وجد الإنسان في الطير تمثيلاً للطبيعة والحرية التي يصادرها منه مجتمعه وظروفه المقيّدة. ولكن الخبر المحزن أن الطيور، مثلنا، مسجونة في حيّز مكاني لا تستطيع تجاوزه، وهي أيضاً تمتلك حسّاً جيّداً للمسافة الآمنة التي لا تتعداها لتنقذ نفسها من الفناء.

كان عالم الطيور إتش إي هوارد أوّل من أسّس لفكرة الإقليمية في كتابه "الإقليم في حياة الطيور" عام 1920، ليبطل تصورات عن علاقتنا بالطيور أو مقولات نرددها مثل "أحرار كالطيور".

 

وتشير الإقليمية إلى الحيّز الذي يتشبث به الكائن الحيّ مدّعياً أحقيّة ملكه له ومدافعاً عنه ضد أفراد من نوعه. ومن خلال هذا الحيّز، يتحدد لكل حيوان منطقته الخاصّة وتتشكّل سلسلة من الفقاعات الوهمية حوله لتحافظ على المسافات بين الأفراد. 

في دراسة مطوّرة لعلاقة الحيوانات بالمساحة المحيطة، أكد العالم السويسري هيني هديجر أن المساحة المحيطة بالحيوان يمكن تقسيمها إلى مناطق متداخلة وقابلة للقياس ببضعة سنتيمترات.

 

قسّم هديجر المساحات التي تتفاعل معها الحيوانات إلى "مسافة هروب ومسافة حرجة" تستخدمان عند الاتصال بأفراد من نوع مختلف، بينما يظهر عند الاتصال بأفراد من نفس النوع "مسافة شخصية ومسافة اجتماعية". بالنسبة لهديجر، فإن الخطر يعد العامل الأساسي في تشكيل المسافة الشخصية، فكلما اقترب تهديد ما، قل عدد الخيارات المتاحة للفرد.

كيف نتشابه؟

ساعد علم القربيات العلماء على فحص كيف يتعرف الإنسان على نفسه ويرسم حدوده مع العالم اعتماداً على آليات الهروب من الخطر وكيف تشكل هذه الآليات علاقته مع المكان وترسم له حدوده.

 

تتطور هذه الآليات بشكل لاإرادي وفطري مع الإنسان مع اختباره لمحيطه الذي يفرض عليه أن يكون جاهزاً لمواجهة أبسط الأخطار، كأن يترك مسافة صغيرة آمنة تمنع أصبع قدمه الصغير من الارتطام في طرف الكنبة. 

وهكذا يعد الألم منبهاً أساسياً للكائنات الحية لتشكيل مسافاتهم الآمنة وإعادة تشكيل معايير القرب والبعد! ربما تذكرنا هذه العلاقة بالصورة التي رسمها الفيلسوف الألماني المتشائم أرتور شوبنهاور، عندما حدثنا عن معضلة النيص: “عندما يتواصل الناس عن كثب مع بعضهم البعض، فإن سلوكهم يشبه النيص الذي يحاول الدفء في ليلة شتاء باردة. إنهم يشعرون بالبرد، ويضغطون على بعضهم البعض، لكن كلما زاد فعلهم ذلك، زاد الألم في وخز بعضهم البعض بإبرهم الطويلة. يضطرون بسبب ألم الحقن إلى التفرق، يجتمعون مرة أخرى بسبب البرد، وهكذا، طوال الليل!".

ومع تشاركنا مع الحيوانات بغريزة البقاء، إلا أن الإنسان يتميّز بعالمه الثقافي المعقد الذي لا يحصر تفاعله مع العالم بآليات الهروب من الخطر وإنما يطور آليات اجتماعية تبتهج بالقرب وتحتفي به وتجعل منه حدثاً استثنائياً في بعض الأحيان. لذلك اهتم كثير من العلماء في البحث عن المسافات وأنواعها الموجودة لدينا وكيف نميزها. اشتغل العالم الأنثروبولوجي إدوارد تي هال بأسئلة مشابهة وأسس لعلم القربيات أو ما أسماه "بروكسيمكس" مؤكدا أن لكل منا إقليما يشكل وجوده ويشعر فيه بالراحة.

أبعاد الثقافة

حاول العلم تقديم نظريات للمسافة الشخصية والاجتماعية تحدد لنا حدودها بأرقام دقيقة ومعايير واضحة، فحدد المسافة الشخصية بين 46 سم و122 سم، أما المسافة الاجتماعية فتبدأ من 1.2 م إلى 3.7 م. ولكن رغم هذه المحاولات في تحديد المسافات، إلا أنها لا تزال تتفلت من العلم وخاصة عند تعامله مع إدراكات الإنسان الشخصيّة المتشابكة مع ثقافته ولغته التي قد تجعل من الشيء بعيداً وقريباً في نفس الوقت. 

لا يحيط الإنسان بكل الأبعاد التي تتشكل حوله وإن كان واعياً على السنتيمترات التي تفصله عن الآخرين، ولكن يبقى هناك بعد آخر يربك ويغير من مفهوم المسافات يسميه إدوارد هال "البعد الخفي". يحيل البعد الخفي إلى الثقافة التي تخلق علاقة تشاركية بين الإنسان وبيئته ويشكل بعضهما البعض. يرى إدوارد هال أن المسافة الشخصية لا يمكنها أن تكون موحّدة، وأنها متأثرة بتجربة الإنسان الحسيّة المرتبطة بمعايير لغوية وثقافيّة تخلق على إثرها علاقات مختلفة مع المسافة والمكان.

في ملاحظته للاختلاف الثقافي بين الشعوب، وجد إدوارد هال أن شعورنا تجاه المسافة الشخصية يختلف من مكان لآخر، وأن الشعور بالضيق بسبب الاقتراب الشديد من حيزنا الخاص يختلف باختلاف البيئات والسياقات. تعمل الثقافة أيضاً على تفعيل حواس معينة أكثر من غيرها لذلك يرى هال أن الشعوب تعيش في عوالم حسيّة مختلفة. فحاسة الشمّ على سبيل المثال يستخدمها العربي الذي يبالغ أحياناً باستخدامه للعطور والروائح الجميلة بخلاف الأمريكي، وذلك لاختلاف تجربته بإنشاء المسافات الشخصية والتي تُعرف كونها أكثر قرباً.

في زمن التباعد الاجتماعي، قد نستطيع رؤية مسافاتنا الشخصية كفقاعات متناثرة تفصل بين بعضها بحدود واضحة، ولكن في الحقيقة هذه الفقاعات دائمة التغير والتأثر بعوامل نفسيًة واجتماعيًة وأحيانا كثيرة سياسيًة. إذا فكرنا بمن يعيش في المخيمات أو في أماكن سكنية مكتظة، فإن ظروف المكان ستجبر الأفراد على فقع أي دائرة شخصية يحيط بها الفرد نفسه. لذلك من المهم أن نفكر في المؤسسات الصحية التي تضع معايير عالمية للوقاية من وباء عالمي وتتعامل مع المسافات الشخصية باعتبارها معادلة رياضية لا تعترف إلا بالأقوى.

التعليقات (1)
sandokan
الأربعاء، 27-01-2021 11:15 ص
تكاثرت في السنوات العشرين الأخيرة الأفلام السينمائية حول مستقبل الحياة على الأرض، ولعل أحد الأفلام النموذجية هو فيلم “عدوى” (Contagion) للسيناريست سكوت زد. بيرنز، وأخراجه المخرج ستيفن سودربيرغ (2011). ويصور الفيلم على نحو كمن يقرأ في كتاب مستقبلي، انتشار وباء على نحو يشمل العالم بأسره منطلقاً من الصين (التي تأكل كل من يدب على الأرض، حسب الفيلم) ولا تقيم وزناً للنظافة (تبعاً للفيلم أيضاً). تتلقف امرأة أميركية العدوى عن طريق مصافحة طبّاخ في مطعم صيني وتعود إلى أميركا. العوارض التي تداهمها (احتقان وجه، حرارة مرتفعة، جفاف في الحلق). هي تموت، لكن الوباء ينتشر كالنار في الهشيم ويحصد ارواحاً بمئات الألاف ويعرض المحلات التجارية للنهب ويتقوض البناء الاجتماعي وينزل الجيش لضبط الأمور. لا شك أن هذا الفيلم يحاكي ما هو حاصل في زمن “كورونا”، فعدا عن أنه يتحدث عن وباء ما، فإنه أيضاً يشكل مصدراً مميزاً لمروجي القصص والحكايات، عدا عن فبركة فيديوهات ترتكز على أحداثه، ومن ثم نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على أنها فيديوهات حول ما يحصل في دول العالم جراء إنتشار فيروس “كورونا”. في زمن “كورونا”، نلاحظ سقوطاً أخلاقياً وإنسانياً للكثير من البشر، عدا عن ممارسة البعض للتضليل عن طريق نشر الأكاذيب والشائعات حول فيروس “كورونا” لتضليل الناس وبث الرعب وإشاعة الإحباط واليأس، عبر الجيوش الإلكترونية، من خلال رسائل ينشرها أنصارها وصلت إلى درجة خروج بعض الجماعات المُعارضة لأحد الأنظمة بفيديوهات للدعوة لنشر الفيروس بين الاصحاء، حيث ظهر فيديو يدعو كل مصاب بأعراض الإنفلونزا، إلى أن يقوم بمصافحة أي فرد لنشر الذعر بين أفراد النظام، كما طالب صاحب الفيديو من يعلم أنه مصاب بفيروس “كورونا” بالفعل، بأن ينتقم من النظام. لقد تحولت هذه المنصة بهكذا تصرف إلى أداة قاتلة هنا. لا شك أن الاستخدام السيء لشبكات التواصل الاجتماعي خلق الكثير من الإرباكات على مستوى العالم. ولعل ما زاد بالطنبور نغماً قيام عناصر مأجورة تدعي العلم والمعرفة بتوظيف نفوذها في شبكات التواصل الاجتماعي لإشاعة معلومات خاطئة، ونشر طرق طفولية مثيرة للسخرية، عبر الإدعاء بأنها قادرة على هزيمة الوباء. بالعودة إلى العولمة، لقد صدرت آلاف المقالات ومئات الكتب حول “العولمة” بقلم عدد من كبار المحللين السياسيين والمسؤولين، حيث بات مصطلح العولمة أو «الكوننة» أو «الشوملة» من المفردات الأكثر شيوعاً في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وإن كانت المؤشرات الإعلامية والإعلانية غير المكتوبة قد أخذت طريقها إلى العولمة بالمفهوم الأميركي من خلال السينما الهوليوودية التي أطلقت نجوماً ومواضيع «معولمة»، بذلك بدأت تنقشع الغيوم عن حقيقة نظرية العولمة، كما عبر عنها مارشال ماكلوهان وكوينتن فيور، صاحبا الكتاب الشهير «War and Peace in The Global Village»الصادر عام 1968 وزبيغنيو بريجنسكي صاحب «Between Two Ages: America’s Role in the Technetronic Era» الصادر عام 1970. ينطلق كتاب “ماكلوهان – فيور” من تجربة حرب فيتنام ودور التلفزيون في نقل الصورة الحقيقية والواقعية، ليستنتج الكاتبان أن الشاشة الصغيرة حولت المواطنين من مجرد مشاهدين إلى مشاركين في اللعبة، الأمر الذي أدى إلى اختفاء الحدود بين المدنيين والعسكريين. يضيف ماكلاهان أن الإعلام الإلكتروني، في وقت السلم، يجعل التقنية محركاً للتغيير الاجتماعي. أما بريجنسكي في كتابه فقد فضّل استعمال مصطلح «المدينة الكونية» على «القرية الكونية»، لأن مفهوم العودة إلى الجماعة والألفة المرتبطة بالقرية لم يعد مناسباً للدلالة على البيئة بالتلفزيون والهاتف بالاتصالات اللاسلكية، ما حوّل العالم كله إلى “شبكة علاقات متشابكة ومتداخلة، عصبية، متوترة ومتحركة”. وأكد بريجنسكي أن الولايات المتحدة هي المجتمع الكلي الأول في التاريخ. فهي مركز الثورة التكنو-إلكترونية بحيث تبلغ نسبة اتصالاتها 65 في المئة من مجموع الاتصالات المعالجة التي تخرج منها، من خلال إنتاجات صناعاتها الثقافية، لكن أيضاً بفضل تقنياتها ومناهجها وممارسات التنظيم الجديد. من الملاحظ أن الكتابين ركزا على “الإعلام” و”الاتصالات” في التأسيس للعولمة، ولعل أبرز تجليات العولمة في لحظة تحققها مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، كان مع إنتشار شبكات التواصل الإجتماعي، أضف الى التطور التكنولوجي على مستوى أجهزة الهاتف النقال، أي ظهور الهواتف الذكية. لم تعد وسائل الإعلام التقليدي وحدها مصدراً للخبر أو المعلومة أو الصورة، بل بات حامل الهاتف الذكي قادراً على إنتاج قصة متكاملة، وأيضاً بثها إلى كثر حول العالم، وهكذا دواليك نحن أمام مشهد فريد من نوعه في التاريخ. كل إنسان وأينما كان في الكرة الأرضية بات قادراً على نقل الصوت والصورة، وأيضاً التلاعب بهما وفق مشيئته. لم تعد وسائل الإعلام التقليدي وحدها مصدراً للخبر أو المعلومة أو الصورة، بل بات حامل الهاتف الذكي قادراً على إنتاج قصة متكاملة، وأيضاً بثها إلى كثر حول العالم، وهكذا دواليك. في مطلع القرن التاسع عشر، بدأ عصر “الصحافة الصفراء” التي اعتمدت المبالغة والترويج للفضائح والإثارة، وعشية عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ظهرت، الصحافة الشعبية التي قامت بنشر القصص المثيرة عن الجنس والعنف. وفي نهاية القرن العشرين حصل التغير الأكبر في نظام المعلومات، مع ظهور التغطية الإخبارية لمدة 24 ساعة، ونشوء شبكات التواصل الاجتماعي ونشر المعلومات المضلّلة والمعلومات المخادعة. أتاحت هذه الثورة لشبكات التواصل الاجتماعي أن تصبح مصدراً للمعلومات، عدا عن تصاعد ظاهرة “البيانات الشاردة” وانتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. و”البيانات الشاردة” مصطلح علمي جديد، وهو يعني معلومات ثانوية تتحول شائعات أو معلومات صحيحة تستخدم عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق هدف ـ مؤامرة ما، أي أن الشائعات يكون جزء صغير منها كاذبا، أو كلها صحيحة ولكنها تخدم تحقيق “المؤامرة”، وتتميز بتكثيفها وتلاحقها بشكل يؤثر جداً على المتلقي. وتشمل “البيانات الشاردة” الوقائع الصغيرة والأحداث العابرة التي تسبق أو تصاحب أو قد تعقب الواقعة المركزية التي تُصَاغ المؤامرة حولها، حيث يتم توظيف “البيانات الشاردة” من أجل التشويق، وإثارة الغموض في إطار الصياغة الروائية لخطاب المؤامرة. بعد 11 أيلول/ سبتمبر برزت ظاهرة “تصدع الحقيقة” في الولايات المتحدة بحسب دراسة لمؤسسة راند “RAND”. في زمن كورونا، نحن نعيش أيضاً “تصدع الحقيقة” على مستوى العالم، فها هي الصين التي حجبت حقائق تطور فيروس “كورونا” وأعداد ضحاياه، مستهينة بالتحذيرات التي أثارها أطباؤها حول خطورته وسرعة انتقاله عبر المسافرين، وتهربت مما فعلته ومن مسؤوليتها، بتمرير تصريحات عن أن الوباء صنيعة إمبريالية، وتحديداً أميركية، للنيل من الموقع المتقدم الذي باتت تحتله الصين إقتصادياً، كما عملت على تلميع صورتها عبر عرض المساعدة لأكثر الدول الأوروبية تضرراً، حيث قامت بتشغيل دعايتها الإعلامية، للطعن في حيوية الأنظمة الديمقراطية. فيما حمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين مسؤولية خلق الفيروس ونشره، وقام بشحن عنصري، وسعى الى تعزيز تعبئته الشعبوية ضد المهاجرين في الولايات المتحدة، كما حاول عبر “تويتر” بث تطمينات زائفة، بإدعاء قرب إنتاج لقاح ضد الفيروس. لكن لا بد من التوقف عن ممارسة الثأر، الذي حذر منه غاندي بقوله أن “العين بالعين ويصبح العالم كله أعمى”. نحن أمام فيروس لا يُمكن رؤيته بالعين المجردة، وهو ينتقل بسرعة بفعل التنفس، ونحن امام معلومات تنتقل بسرعة بواسطة ذبذبات لا ترى.. وما لا نراه وما لا نفهمه لا يعني بأنه غير موجود. اليوم، أصبح الإنسان في مطلع الألفية الثالثة أمام تحدي البقاء. “تحدي الحقيقة”. الإنسان هو وسيلة نقل سواء لفيروس أو لمعلومة، وبيده كل شيء والقرار قراره… فمن المسؤول عن دمار العالم؟ “من يُهمل الحقيقة في الأمور الصغيرة لا يمكن الوثوق به في الأمور المهمة”، بحسب أنشتاين.. وباء يصيب البشرية. لا دواء له. هناك لقاح. ابتدأت الشركات الصانعة للقاح بتوزيعه. الشركات الصانعة قليلة العدد. طرائق الصنع ونقل اللقاح وتخزينه معقدة. ليس للقاح سوق تبحث عنه الشركات من أجل التنافس. السوق هي البشرية جمعاء.