هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناولت صحيفة "ديلي صباح" التركية، العلاقات بين أمريكا وتركيا، التي تعرضت إلى كثير من الاختبارات، وسط حالة ترقب لما ستكون عليه الحال بينهما خلال إدارة جو بايدن.
وقال كاتب المقال يحيى بوستان، إن "ما تريده الولايات المتحدة من تركيا كشريك، هو أن تبقى معتمدة عليها كما كان عليه الحال في أثناء الحرب الباردة، أو أن تقوم بدور الحليف الذي لا يهدد مصالحها كما كان عليه الحال في العقد الأول من الألفية الثالثة".
وتاليا النص الكامل كما ترجمته "عربي21":
أدى جو بايدن يوم الأربعاء القسم بوصفه الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة. يطرح انتقال السلطة هذا الأسبوع على من يتابعون العلاقات التركية الأمريكية سؤالا في غاية الأهمية: ما الذي ينتظر العلاقات الثنائية مستقبلا في عهد بايدن؟
تعرضت العلاقات التركية الأمريكية للاختبار مرات عديدة، وخصوصا طوال الحرب الباردة ثم في العقد الأول من الألفية الثالثة، وكان واحدا من التحديات التي مرت بها قرار واشنطن في عام 1974 معاقبة تركيا في ضوء تدخل أنقرة العسكري في قبرص، إلا أن المشاكل في الماضي كانت كثيرا ما يتم كنسها تحت البساط بسبب الاختلال الكبير في القوة بين تركيا والولايات المتحدة، واستعداد أنقرة للإذعان للمصالح الأمريكية، وتطلعات تركيا للانضمام إلى الكتلة الغربية. لهذه الأسباب مجتمعة، يمكن وصف العلاقة التركية الأمريكية بأنها نوع من "الشراكة الاستراتيجية" على الرغم مما يشوبها من إشكالات.
لمزيد من التوضيح، كانت الشراكة الاستراتيجية قد أبرمت بهدف الوصول إلى مصير مشترك، إلا أنها كانت علاقة اعتمدت فيها تركيا بشدة على الولايات المتحدة.
بالمقابل، وعلى غير ما شهدته التحديات في الماضي، استمرت التوترات الثنائية التي تعود إلى عهد إدارة أوباما، وظلت تطل برأسها طوال عهد الرئيس ترامب. هناك العديد من العوامل التي ساعدت على تحديد الوضع الحالي للعلاقات التركية الأمريكية، وكان المحفز الأساسي لها هو الطريقة التي تغير بها العالم بشكل هائل. فالحرب الباردة، التي قيدت بشدة خيارات السياسة التركية انتهت قبل ثلاثة عقود. وما لبث النظام العالمي أحادي القطبية الذي سعت الولايات المتحدة إلى إقامته أن انهار خلال السنوات العشر الماضية.
وإذ يتجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب، تنهج تركيا الآن سياسة خارجية "مستقلة"، في محاولة منها لاغتنام ما يتاح من فرص جديدة. ولكن ما تريده الولايات المتحدة من تركيا كشريك، هو أن تبقى معتمدة عليها كما كان عليه الحال في أثناء الحرب الباردة، أو أن تقوم بدور الحليف الذي لا يهدد مصالحها كما كان عليه الحال في العقد الأول من الألفية الثالثة.
وهذا الخلاف الأساسي هو أساس جميع التوترات التي تشوب الائتلاف التركي الأمريكي.
جميع الأسباب الأخرى، سواء كان علاقات تركيا مع روسيا، أو منظومة الدفاع الجوي أس 400 أو الطائرات المقاتلة من طراز أف 35، كلها من النوافل. بالإضافة إلى ذلك، يختلف البلدان بشأن الحرب التي تخوضها تركيا ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وفرعها في العراق وسوريا، وحدات حماية الشعب. إذا ما أريد التغلب على جميع هذه التحديات، فإنه يتوجب على البلدين أولا الاتفاق على طبيعة العلاقة بينهما.
فكيف سيتم ذلك؟ يتوجب على الولايات المتحدة أن تتقبل حقيقة أن العالم متعدد الأقطاب، وعليها أيضا أن تقبل بأن تركيا لديها القدرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا على أن تنهج سياسة مستقلة وتتخذ القرارات التي تناسبها في هذا الشأن. ينبغي على واشنطن التعايش مع حقيقة أن تركيا، مثلها مثل الولايات المتحدة، لديها هي الأخرى استراتيجية كلية.
تتركز الاستراتيجية الكلية التي تنهجها أنقرة حول حماية مصالحها ومصالح أصدقائها وحلفائها في الشرق الأوسط والقوقاز وشمال أفريقيا وشرق المتوسط والبلقان. وعند الضرورة لدى الأتراك الاستعداد للجوء إلى أساليب أكثر شراسة من أجل تحقيق أهدافهم، ولكن نترك التفصيل في ذلك لما بعد.
ومن أجل أن تتقدم العلاقة الثنائية تحت إدارة بايدن وتخرج من الوضع المسموم الذي هي فيه الآن، ينبغي على تركيا والولايات المتحدة أن تجريا جردة حساب لما لديهما من خطط، وأن يخرجا باستراتيجية مشتركة لا تتصادم فيها مصالحهما. إلا أن المؤشرات الأولى من واشنطن تفيد بأن أمريكا لم تستوعب بعد مكانة تركيا الجديدة في الساحة العالمية.
كان أنطوني بلينكن، مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية، قد أشار مؤخرا إلى تركيا بالقول إنها "ما يسمى بالشريك الاستراتيجي"، وأكد أنه من غير المقبول أن تكون تركيا وروسيا في المستوى نفسه.
بلينكن، محق فيما ذهب إليه، فتركيا وروسيا ما لبثتا تتعاونان حول عدد من القضايا الاستراتيجية، مثل الدفاع الجوي والقوة النووية. ولكن في الوقت نفسه، يختلف البلدان حول العديد من القضايا الأخرى مثل ليبيا وإدلب وناغورنو كاراباخ. ولكن على الرغم مما بينهما من خلافات، يتبنى الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مقاربة استراتيجية تسمح بالتعاون الوثيق في مجالات الإجماع. ولذلك، لا تقتصر علاقة أنقرة بموسكو من هذا الجانب على كونها تحالفا فقط، بل هي شراكة بين متكافئين، الهدف منها هو خدمة المصالح المشتركة.
يمكن لما عليه الحال الآن من وفاق تركي روسي، أن يشكل نموذجا تقتدي به إدارة بايدن في كيفية التعامل مع تركيا اليوم.
(عن صحيفة "ديلي صباح" التركية)