قضايا وآراء

قبل فوات الأوان.. مذبحة رابعة هل تلحق بأم الرشراش ويطمسها الفن؟

هشام عبد الله
1300x600
1300x600
حتى كتابة هذه السطور.. يقول التاريخ إن ما حدث في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة صباح يوم الرابع عشر من آب/ أغسطس 2013 مذبحة ارتكبتها الشرطة المصرية وعناصر من الجيش بحق آلاف المعتصمين السلميين وأسرهم، لكن هل تظل مذبحة في أذهان المصريين والعالم؟

النظام المصري العسكري قرر مؤخرا التخلص من عقدة مذبحة "رابعة" التي تطارده؛ فقرر مواجهتها، وهو من يملك كتابة التاريخ بطريقة أخرى تترسخ في وجدان المصريين والأجيال المقبلة، من خلال عمل درامي كبير "الاختيار 2"، سوف يعرض في رمضان المقبل، بحسب ما تم تسريبه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يدافع عن الجيش والشرطة، وليس بعيدا أن يصبح الجناة أبطالا، والضحايا إرهابيين.
النظام المصري العسكري قرر مؤخرا التخلص من عقدة مذبحة "رابعة" التي تطارده؛ فقرر مواجهتها، وهو من يملك كتابة التاريخ بطريقة أخرى تترسخ في وجدان المصريين والأجيال المقبلة

نظام السيسي بدأ التحرر من العقدة، وقرر استخدام القوى الناعمة لتصوير التاريخ، حتى لو بالتزييف والتضليل، وترسيخ ما جرى من وجهة نظره هو؛ لأن القوى الناعمة تمتلك لغة مخاطبة الوجدان، وما يرسخ بالوجدان يظل تأثيره في الذاكرة الانفعالية لدى الشعوب، عكس ذاكرة العقول التي تمحى بسرعة بسبب المتغيرات والأحداث المتلاحقة.

الأعمال الفنية الجيدة والسيئة على حد سواء، تظل في الذاكرة عشرات السنوات، لكن أفضل حلقة "توك شو" أو "مؤتمر حاشد" لا يستمر تأثيره أكثر من يوم وليلة؛ لذا صنعت أمريكا "الهيرو" عن طريق السينما، وإسرائيل استدرت العواطف عن طريق الهولوكست في السينما والقوى الناعمة، والحكم العسكري في مصر أدرك ذلك مبكرا منذ خمسينيات القرن الماضي.

فيلم "رد قلبي" في خمسينيات القرن الماضي، صنع خصيصا من أجل تكريس فكرة ضابط الجيش النبيل الأصيل، ابن الأصول، حيث كانت تدور فكرته الظاهرية حول علاقة حب جمعت بين "إنجي" بنت الباشا و"علي" ابن الجنايني، الذي أصبح ضابط جيش في وقت لاحق. والحقيقة أن ضباط الجيش هتكوا أعراض بنات الباشوات والفنانات، واستباحوا أجسامهمن بقوة السلاح.

من يذكر أم الرشراش؟

منذ أول يوم رسخ حكم عبد الناصر سطوته على السينما والإعلام والخطابة الحماسية، وكان لها أكبر الأثر في  وجدان المصريين، وقام باستغلالها على الشكل الأفضل، وهو فكر مخابراتي مترسخ لدى الأجهزة لتلميع النظام والرئيس؛ وهذا ما تفعلة مخابرات السيسي، فرغم جهله إلا أنه أولى اهتماما كبيرا بالفنانيين وقرّبهم إليه، واهتم بصناعة الإعلام والدراما لتبرير جرائمه وتزييف الحقائق.
لا بد أن تدرك المعارضة المصرية في الخارج أهمية القوى الناعمة لمواجهة هذه الحملة

ولا بد أن تدرك المعارضة المصرية في الخارج أهمية القوى الناعمة لمواجهة هذه الحملة، فمثلا فيلم "الطريق إلى إيلات" التي هي أم الرشراش، كان من أجل ترسيخ أنها ميناء إسرائيلي في وجدان الأجيال، وتنسى أنها أرض مصرية اسمها أم الرشراش؛ فرطت فيها قيادات الجيش واحتلتها إسرائيل على أمل الوصول إلى تيران وصنافير، اللتين كانتا عُقدتها في البحر الأحمر، وحصلت عليهما من الخائن السيسي بدون أي عناء، بالرغم من أن عبد الناصر كان مستعدا أن يحارب من أجلهما.

يجب أن نعي مدى قوة لغة مخاطبة الوجدان وأهميتها تأثيرها، التي تستمر عبر السنين، على عكس البرامج الحوارية وخطب السياسيين، وهي تصل إلى كل الشرائح على مختلف ثقافتهم وألوانهم وأديانهم؛ لما لها من تأثير قوي في ذاكرة الوجدان، أو ما تسمى بالذاكرة الانفعالية، بعكس الذاكرة العقلية التي تمحى سريعا إذا امتلأت لتستقبل الجديد. لذا؛ منذ زمن وأنا أنادي بالاهتمام بالقوى الناعمة، ويا ليت قومي يدركون!
التعليقات (0)