يعيش الأردن هذه الأيام مناسبة مرور
مائة عام على ميلاد
النظام السياسي القائم وميلاد الدولة الأردنية الحديثة، والعقد
السياسي المتفق عليه بين الشعب الأردني والنظام الملكي القائم، فهل بنهاية مئوية دولة
التأسيس سندخل إلى مئوية دولة البناء والتحديث السياسي، ويتم رد سلطة الشعب للشعب وحكم
الشعب لنفسه وإعلان
الملكية الدستورية؟
ميلاد العقد السياسي في الأردن
بعد الثورة العربية وسقوط دولة الخلافة العثمانية،
وفرض فرنسا انتدابها على سوريا ولبنان، وهزيمة المتطوعين العرب في تموز/ يوليو 1920
بقيادة يوسف العظمة وتحت إمرة الملك فيصل بن الحسين الهاشمي في معركة ميسلون أمام الفرنسيين
في سوريا، شكلت زعامات محلية في منطقة (شرق الأردن) ثلاث حكومات؛ واحدة في شمال الأردن
(حكومة عجلون) بزعامة خلقي الشرايري، وحكومة في وسط الأردن السلط بزعامة مظهر أرسلان،
وحكومة في جنوب الأردن الكرك بزعامة رفيفان المجالي، وكانت تلك الحكومات تعمل تحت
الانتداب البريطاني.
عقد في 2 أيلول/ سبتمبر من عام 1920
مؤتمر أم قيس، والذي كان بداية لتأسيس الدولة الأردنية ومقدمة للعقد السياسي بين
الشعب الأردني والقيادة الهاشمية، والتي نادت به الزعامات المحلية في ذلك المؤتمر
إلى توحيد الحكومات الثلاث بحكومة وطنية واحدة والمناداة بزعيم هاشمي عليها، وأن
يكون لهم جيش وطني تدعمه بريطانيا، وتم رفع المطالب إلى المندوب البريطاني على الأردن
الميجر سمرست.
على أثر هذا المؤتمر التقى الملك المؤسس
عبد الله بن الحسين مع تشرشل، وزير المستعمرات البريطانية في ذلك الوقت، في نهاية آذار/
مارس 1921، والذي بموجبه منح الملك عبد الله الحق في تأسيس إمارة تسمى إمارة شرق الأردن،
ليكون بذلك ميلاد الدولة الأردنية الحالية.
بعد ذلك في عام 1928 وضعت الوثيقة
السياسية الأولى في الأردن، وكانت تسمى النظام الأساسي، وتم التعديل عليه بعد إعلان
الأردن استقلاله عام 1946. بعد ذلك تولى الملك طلال، جد الملك الحالي، قيادة الأردن
ووضع دستور عام 1952 الذي لا زال معمولا به حاليا وإن تم تعديله عدة مرات.
تعثر مشروع الملكية الدستورية
بعد أن وضع الملك طلال الدستور الأردني عام 1952 (الدستور
المعمول به حاليا)، تم إجراء انتخابات في الأردن وفلسطين، وكانت تجمعهما وحدة
الضفتين، وتم ميلاد أول حكومة برلمانية عام 1956، إلا أنه جرت هناك محاولات انقلاب
عسكري من الضباط الأحرار جعلت الملك الراحل الحسين بن طلال يحل الحكومة ويعلن الأحكام
العرفية.
بعد
ذلك تمت العودة لطريقة اختيار رئيس الحكومة من قبل الملك، ويكلف رئيس الوزراء الذي
يختاره الملك باختيار الطاقم الوزاري معه، ويعرض على مجلس النواب لأخذ الثقة عليه
وعلى برنامجه الوزاري.
لم
يحصل أن تم حجب الثقة عن أي حكومة اختارها الملك طيلة تاريخ مجلس النواب، وإن كانت
حكومة سمير الرفاعي الجد في عام 1963م قدمت استقالتها أمام العاهل الأردني الملك
حسين، بعد أن علم رئيس الوزراء الرفاعي أن 23 نائباً من أصل 60 قرروا حجب الثقة
عنه، ليصار إلى قبول استقالة الرفاعي وفي نفس الوقت حل مجلس النواب واعتقال بعض أعضائه. وبعد
ذلك لم يحصل أن حجبت الثقة من مجلس النواب عن أي حكومة اختارها الملك، سواء في عهد
الملك حسين أو عهد الملك عبد الله الثاني.
في عام
2013 طالب العاهل الأردني الشباب في الانخراط في العمل الحزبي، كما كتب في ذات
العام في الورقة النقاشية الثالثة؛ عن رؤيته لتطوير الأحزاب، وتكوين الحكومات
البرلمانية، وتنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ودعا إلى
تطوير عمل الأحزاب في الأردن.
أثناء
الربيع العربي تحدث الملك الأردني عن رغبته بتوريث ابنه مملكة غير التي ورثها عن
والده، في شكل النظام السياسي. في عام 2016 تم إجراء مجموعة من التعديلات
الدستورية، والتي ركزت السلطات بيد الملك من تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية والجيش
ورئيس المجلس القضائي، وكانت هذه الخطوة وكأنها خطوة باتجاه ترسيخ الملكية الشمولية
والعودة عن أي توجه نحو الملكية الدستورية والحكومة البرلمانية.
كل الإجراءات على أرض الواقع بعد عام 2016 أظهرت وكأن النظام الأردني يدير ظهره لكل الإصلاحات السياسية ويتوجه إلى تعميق فكرة الملكية الشمولية؛ إلى أن صرح العاهل الأردني قبل أيام في عيد ميلاده بأنه معني في المرحلة القادمة بإجراء تعديل على قانون الانتخابات البرلمانية وقانون الأحزاب
كما أنه
في ذات العام تم تعديل قانون الانتخابات، والذي ألغيت فيه القائمة الوطنية وتم
تطبيق قانون انتخابي أقرب إلى قانون الصوت الواحد من حيث الأثر على إفرازات مجلس النواب.
بعد
ذلك صرح العاهل الأردني في لقاء مع الإعلام الأردني في 2018 بأنه يرغب في ميلاد
ثلاثة أحزاب في الأردن لتمارس العمل السياسي.
كل الإجراءات
على أرض الواقع بعد عام 2016 أظهرت وكأن النظام الأردني يدير ظهره لكل
الإصلاحات السياسية
ويتوجه إلى تعميق فكرة الملكية الشمولية؛ إلى أن
صرح العاهل الأردني قبل أيام في
عيد ميلاده بأنه معني في المرحلة القادمة بإجراء تعديل على قانون الانتخابات
البرلمانية وقانون الأحزاب والإدارات المحلية، وذلك في سبيل تطوير الحياة السياسية.
في تشخيص العوائق والبحث عن المخرج
يعود
نكوص الأردن وتوقفه في التحول إلى الملكية الدستورية رغم مرور مائة عام على تأسيس الدولة؛
إلى غياب الإرادة والرغبة الحقيقية والجادة والناجزة في ذلك التحول، مما أدى إلى ضعف
الأحزاب وغياب الحكومة البرلمانية. إذ تم خلال هذه الفترة تحويل العشائر والقبائل
الأردنية من مكونات اجتماعية قبلية تمارس أعمال التضامن الاجتماعي وفقاً لرابطة
الدم والأصول، إلى كيانات سياسية مؤقتة تمارس العمل السياسي في المواسم الانتخابية
ثم تعود إلى طبيعتها الاجتماعية؛ إذ تسمح السلطات الأردنية بإجراء الانتخابات الداخلية
للعشائر لتحقيق توافقات للقبائل قبل الذهاب لصناديق الانتخابات، لضمان وصولها
للقبة.
يعود نكوص الأردن وتوقفه في التحول إلى الملكية الدستورية رغم مرور مائة عام على تأسيس الدولة؛ إلى غياب الإرادة والرغبة الحقيقية والجادة والناجزة في ذلك التحول، مما أدى إلى ضعف الأحزاب وغياب الحكومة البرلمانية
كما أن
السلوك الدائم للحكومات المعينة المتعاقبة كان يصب في إضعاف الأحزاب والتعامل معها
بريبة وتجريفها من محيطها الاجتماعي، من خلال الضغط على البيئة الحاضنة لتلك
الأحزاب، واستخدام سياسة العقاب الجماعي للعضو الحزبي؛ إذ يتم حرمانه وأصوله
وفروعه وأقاربه حتى الدرجة الثانية والثالثة أحياناً من بعض الحقوق المدنية،
خصوصاً الوظائف الحكومية (عسكرية ومدنية)؛ مما يخلق بيئات اجتماعية رافضة للعمل
الحزبي وتحاول التبرؤ منه لتُبقي على مكاسبها الريعية.
ترافق
ذلك مع افتقار الأحزاب للنظرية السياسية البرامجية، وإغراقها في الأيديولوجيا
القديمة المنقسمة بين أيديولوجيا إسلامية، وأيديولوجيا يسارية تحاول أن تستنسخ
تجارب عهود الاستبداد العربي اليساري، مثل النموذج الصدامي في العراق، والأسدي في
سوريا، والناصري في مصر، وأحزاب وطنية تحاول أن تقدم نفسها كأحزاب ممثلة للسلطة،
بينما الأخيرة لا ترغب في أن يكون لها حزب يمثلها، فهي لا تحتاج لمثل تلك الأحزاب
في ظل سيطرتها الكاملة على كل السلطات.
كل ذلك
مترافق مع تصلب تيار "الأمنوقراط" الذي يرى في الحرية والانفتاح السياسي
خطرا على الأمن، هذا التيار المسيطر على كثير من مفاصل الدولة والذي يرى بأن
المشكلة في الأردن مشكلة اقتصادية، ويرى أن حل المشكلة الاقتصادية يكون بجذب
الاستثمار وتحسين البيئة الجاذبة له وتدفق مزيد من المساعدات الدولية. كما أن هذا
التيار يرى أن التداول السلمي للسلطة متحقق في الأردن من خلال تكليف الحكومات من
قبل رأس النظام، حسبما تفرضه طبيعة المرحلة السياسية في كل فترة زمنية، إذ يعتبر
تدوير المناصب مناطقياً وعشائرياً تداولاً للسلطة.
النظام
الأردني معني بأن يدرك أن موطن الخلل في الحياة السياسية الأردنية الذي يمنع
التحول إلى الحكومة البرلمانية والملكية الدستورية قائم بسبب غياب قانون انتخابي
يفرز الشخصيات السياسة، وأن قانون انتخابي يعمل بشكل جيد سياسيا يحتاج أحزابا سياسية
قوية على الأرض، وأن تسمم الحياة السياسية في الأردن وعجزها لن يحل إلا بميلاد الأحزاب،
وأن ميلاد الأحزاب لا يكون ما دام العمل الحزبي يمثل غرما يدفعه كل من يقترب منه، وأن
تنمية الأحزاب وتمددها لتكون سلوكا شعبيا يتطلب أن يتم تحويل العمل الحزبي إلى غُنم
سياسي يرفع كل ما يدخل إليها ويقترب منها ليصل إلى السلطة.
النظام الأردني معني بأن يدرك أن موطن الخلل في الحياة السياسية الأردنية الذي يمنع التحول إلى الحكومة البرلمانية والملكية الدستورية قائم بسبب غياب قانون انتخابي يفرز الشخصيات السياسة، وأن قانون انتخابي يعمل بشكل جيد سياسيا يحتاج أحزابا سياسية قوية على الأرض
للخروج
من حالة اللا ديمقراطية التي تضرب الأردن منذ عام 1957م وحل الحكومة البرلمانية
الوحيدة إلى وقتنا الحالي؛ نحتاج إلى تعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، لنحصل
على مجلس حزبي يمارس الرقابة والتشريع في المرات القادمة؛ تكون معالم هذا الإصلاح
كالتالي:
- تعديل قانون الأحزاب ليكون عدد الأشخاص المؤسسين
للحزب لا يقل عن 15 ألف فرد؛ وهو ما سوف يجبر الأحزاب الخمسين على الاندماج في
حزبين أو ثلاثة أحزاب فقط، ومن لا يندمج يلزم بزيادة عدد أفراده ليبلغ الرقم
المطلوب أو يحل قانوناً، وتحويل العمل الحزبي إلى غُنم سياسي وطريق وحيد للوصول للسلطة.
تعديل
قانون الانتخاب ليكون القانون المختلط (الفردي والقوائم الحزبية المغلقة والقوائم
الحزبية المفتوحة)، وتكون معالم هذا القانون:
أ-
تخصيص 40 مقعداً للنظام الفردي؛ لإفراز نواب الخدمات، ويخصص العدد لمدن الأطراف
الأقل تنمية وخصوصاً مدن الجنوب والمخيمات.
ب- يتم
تخصيص 40 مقعداً وفقاً لنظام القائمة الحزبية المغلقة على مستوى الوطن؛ بحيث يكون
التصويت للقائمة فقط دون التصويت لأحد داخلها، ويتم تنجيح من داخل القائمة على
الترتيب الرقمي من داخلها من كان ترتيبه الرقمي في القائمة 1، 2، 3.. إلخ، مع وجود
العتبة الانتخابية 5 - 10 في المائة، وهكذا نحصل في البرلمان على شخصيات من قامات
حزبية عريقة ذات خبرات سياسية كبيرة.
جـ-
تخصيص 40 مقعداً وفقاً لنظام القائمة الحزبية المفتوحة على مستوى المحافظة، بحيث
يكون التصويت للقائمة والتصويت داخلها أيضاً كما هو معمول به حالياً، ويتم توزيع
المقاعد على المحافظات حسب الكثافة السكانية للمحافظات مع وجود عتبة انتخابية 5 -
10 في المائة، وهكذا نحصل على طبقات وعقول حزبية من جميع المحافظات.
بهذا
القانون نحقق كل المعايير الدولية لوضع قانون انتخابي عصري، وفقاً لمعيار
الجغرافيا، والديمغرافيا، والتنمية، وبذلك نكون قد خرجنا من الأزمة السياسية
الأردنية التي يزيد عمرها على 60 عاماً، لتدير النخب القادمة من رحم الصندوق ومن
بيوت الأحزاب عملية تفكيك مشكلات الأردن المعقدة المتراكمة على مر العقود الماضية،
ونصل إلى الملكية الدستورية، الأمل الموعود، في بداية المئوية الثانية لميلاد
النظام السياسي الأردني والدولة الأردنية والعقد السياسي بين الشعب والنظام.