أعلن نادي الهلال
السوداني أواخر شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي عن منح الرئاسة الشرفية لتركي الشيخ مسؤول هيئة الترفيه السعودية واحد المستشارين في مكتب ولي العهد محمد بن سلمان. الخطوة بدت لافتة في الشكل والمضمون، خاصة أنها جاءت بعد تجربة فاشلة في الجارة
مصر خرج منها تركي مطروداً ببطاقة حمراء تاريخية من مجلس إدارة النادي الأهلي الذي منحه الرئاسة الشرفية، قبل أن يتراجع عن الخطأ ويلغي القرار تماماً من محاضره السابقة وكأنه لم يكن.
تركي كان وزيراً للرياضة في السعودية لفترة وجيزة ولكنه سرعان ما أقيل لإثارته الفتنة بين الأندية والجماهير، وتدخله في تفاصيل التفاصيل، وإصراره على الظهور الدائم والاستحواذ على المشهد الرياضي حتى أنه حضر جلسات تعاقد بعض الأندية مع مدربين أجانب، ما أدى إلى تراجع أداء الأندية والمنتخب على حد سواء واندلاع احتجاجات واسعة ضده، وبالتالي إقالته من منصبه وتكليفه
بإدارة هيئة الترفيه بدرجة وزير، علماً أنه كان وما زال أحد مقربي ومستشاري ولي العهد المتنفذ ابن سلمان.
هذه النقطة كانت وما زالت مهمة جداً كون تركي يدخل عادة إلى الرياضة من البوابة السياسية ويتحرك فيها بحرية تامة، محمياً بخلفيته الإدارية والبروتوكولية - بدرجة وزير - من الانتقادات والمساءلات العلنية والرسمية، كما جرى في مصر
هذه النقطة كانت وما زالت مهمة جداً كون تركي يدخل عادة إلى
الرياضة من البوابة السياسية ويتحرك فيها بحرية تامة، محمياً بخلفيته الإدارية والبروتوكولية - بدرجة وزير - من الانتقادات والمساءلات العلنية والرسمية، كما جرى في مصر، حيث اعتبر التعرض له وما زال بمثابة خط أحمر في الساحة الرياضية والإعلامية، إلا أن جمهور الأهلي "نادي القرن الأفريقي" تجاوز ذلك عبر مدرجات الملاعب، كما الإعلام الجديد - السوشيال ميديا - وخاض
الحرب ضده بصلابة وعناد ردّاً على حربه المعلنة والمفلتة ضد النادي ومجلس إدارته الشرعي المنتخب ديمقراطياً في انتخابات نزيهة وفريدة في مصر والعالم العربي، والذي يرأسه أحد أساطير الرياضة المصرية والعربية والأفريقية والعالمية، محمود الخطيب، ما أدى في النهاية إلى خروجه (أي تركي) مطروداً بهذا الشكل المهين.
إذن دخل تركي الساحة المصرية من النافذة السياسية، كان حاضراً كأحد مساعدي محمد بن سليمان في الصورة الشهيرة على هامش قمة القمة العربية بالدمام في آذار/ مارس 2018، والتي ضمّت ابن سلمان ومحمد بن زايد وحمد آل خليفة وعبد الفتاح السيسي وعبد الله الثاني، ثم قدّم نفسه كعاشق لمصر والرياضة والفن فيها ومستعد لضخ استثمارات مالية هائلة في القطاعين، وكونه أهلاويا منذ الصغر كما يدّعي، فقد عرض خدماته على النادي فتعاطت معه الإدارة بانفتاح وأريحية ومنحته الرئاسة الشرفية، إلا أنه أراد التصرف
كما يتصرف رؤساء الشرف في بلاده (السعودية)، مع الاحترام طبعاً لعاداتها وتقاليدها لكن الوضع مختلف في بلادنا. ولذلك
حجّمه مجلس إدارة الأهلي ومنعه من التدخل إدارياً أو إعلامياً في شؤون النادي فأعلن استقالته أكثر من مرة رغم أنها رئاسة شرفية معنوية - هذا أيضاً يحصل في بلاده أي استقالة رؤساء الشرف - ثم عمد إلى فعل شيء لا يخطر ببال بشر للانتقام من الأهلي عبر شرائه نادي الأسيوطي صيف 2018 لمنافسة نادي القرن وإغراء وخطف اللاعبين الذي كانوا على رادار النادي لضمّهم، كما جنّد الساحة الإعلامية ضد الأهلي وإدارته، لدرجة أنه عقد اجتماعاً شهيراً في فندق الفور سيزون في آب/ أغسطس العام نفسه مع صحفيين شباب، وقدّم لهم رشوة مالية موصوفة وضخمة لتحريض الجماهير ضد الخطيب والإدارة، فرفضها اثنان فقط من الحضور وتحدثا علناً عن الفضيحة، إلا أن النظام قرر التعتيم عليها ومنع تداولها أو النشر عنها.
تركي أراد إطلاق اسم الأهرام على ناديه الجديد، وهي تسمية لافتة طبعاً وتفضح الرغبة في الهيمنة على البلد، إلا أن وزير الرياضة السابق خالد عبد العزيز رفض لوجود ناد بنفس الإسم مسجّل لدى الوزارة ويتبع مؤسسة الأهرام الصحفية العريقة، كما حرص عبد العزيز على أن تمر صفقة شراء الأسيوطي بكل الخطوات الإدارية والرقابية المتعارف عليها والمعمول بها، إلا أن هذا لم يعجب تركي طبعاً، فضغط عبر نفوذه السياسي والإعلامي لإقالة الوزير، وهو ما حدث فعلاً في النهاية.
خلال تلك الفترة استغل تركي وضاعة وانتهازية مختطف الزمالك مرتضى منصور لتحويل النادي العريق إلى الأسيوطي "ب"، عبر استقدام مدرب ونصف الفريق، كما تبجح علناً هو ومرتضى بما يتعارض مع الروح الرياضية وقواعد اللعب النظيف، وتم عقد تحالف فجّ رياضي وإعلامي من الأسيوطيين (أ، ب) ضد الأهلي انتهى إلى الفشل الذريع عبر نجاح نادي القرن رغم كل الضغوط في الفوز ببطولة الدوري موسم 2018-2019، وهي الأهم والأصعب والأغلى في مصر والعالم.
في الموسم التالي (2019–2020) وبعد خروجه وتنازله الشكلي عن ملكية الاسيوطي "أ" واليأس من قدرته على منافسة الأهلي، حوّل تركي الزمالكَ عبر مرتضى منصور إلى الأسيوطي "أ"، عبر استقدام لاعبين آخرين وثلاثة مدربين، لا مدربا واحدا، وقدّم تبرعات لمرتضى بمقدار نصف مليار جنيه تقريباً، كما قال رئيس الزمالك السابق ممدوح عباس مطالباً الأجهزة الرسمية بالتحرك للتحقيق في الملف، وتحديد أسبابها وأوجه صرفها غير أنهما (أي تركي ومرتضى) حصدا فشلاً هائلاً ومدوياً بعدما انتهى الموسم بتحقيق الأهلي لثلاثية تاريخية، شملت الثنائية المحلية أي الدوري والكأس، إضافة إلى دوري أبطال أفريقيا، وهي البطولة الأغلى والأهم قارياً في أفريقيا والعالم أيضاً.
الفشل المدوي لتركي رياضياً وإعلامياً في التحريض ضد الأهلي والخطيب تزامنا مع تخلص النظام المصري من مرتضى منصور الذي بات عبئاً عليه، خاصة بعدما نسي نفسه وتخطى حدوده وتصرف كأحد أركان النظام لا أداة من أدواته، فتمت إقالته من رئاسة الزمالك حسب القوانين الرياضة المعمول بها وإحالته للتحقيق لتجاوزاته الفظة إدارياً ومالياً، كما لمصادرة المبالغ الضخمة التي اختلسها من ميزانية النادي، وتبرعات تركي الشيخ التي قالت صحيفة المصري اليوم المقربة من النظام، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، أنها تتجاوز مليار جنيه مصري، وهو رقم كبير جداً بمعيار القوة الشرائية في البلاد.
بنظرة إلى الوراء أراد تركي إثارة الفتنة بين الأسيوطي والأهلي ثم تأجيجها عبر مرتضى منصور لتصبح بين الأهلي والزمالك، وهو أمر لم يمانعه النظام رغم آلاف البلاغات ضد منصور للنائب العام، وطلب هذا الأخير وأكثر من مرة من برلمان علي عبد العال المنصرف رفع الحصانة البرلمانية عنه للتحقيق فيها
بنظرة إلى الوراء أراد تركي إثارة الفتنة بين الأسيوطي والأهلي ثم تأجيجها عبر مرتضى منصور لتصبح بين الأهلي والزمالك، وهو أمر لم يمانعه النظام رغم آلاف البلاغات ضد منصور للنائب العام، وطلب هذا الأخير وأكثر من مرة من برلمان علي عبد العال المنصرف رفع الحصانة البرلمانية عنه للتحقيق فيها.
في هذا الصدد كان لافتاً تأكيد رئيس الزمالك السابق ورئيس لجنة حكمائه حالياً كمال درويش، كما عضو اللجنة وأحد رموز النادي أحمد مصطفى، على تعمد مرتضى إثارة الفتنة بين الأهلي والزمالك، دون أن يتحدثا طبعاً عن تغطية النظام له طوال أربع سنوات والهدف من وراء ذلك.
انخراط مرتضى في حرب تركي ضد الأهلي هدف لتحقيق مكاسب شخصية ومالية، والأهم تحقيق الهدف المكلف به من قبل النظام والخاص بالتحريض والفتنة بين الجماهير الأهلي والزمالك، وعدم توحدهم في ميدان الثورة، كما حصل قبل عشرة أعوام، وهو الأمر الذي نجح فيه للأسف، خاصة بعد دخول تركي الشيخ على الخط.
عموماً فهم تركي أن لا فرصة له في مصر بعد الإنجاز التاريخي للخطيب والأهلي، وانتهاء حقبة مرتضى منصور، ويحاول الآن فقط المماحكة واستفزاز جماهير الأهلي من خلال تحكمه التام بالأسيوطي المنهار والعاجز عن المنافسة، كما بمجموعة من الإعلاميين المرتزقة والانتهازيين، ولذلك انتقل إلى السودان لتوسيع الحرب ضد الأهلي. وكان لافتاً في هذا الصدد الإعلان عن رئاسته الشرفية لنادي الهلال العريق بالتزامن مع تتويج النادي المصري مرة أخرى بلقب القرن 21 أفريقياً، كما جائزة الأكثر حصولاً على البطولات في المنطقة - الشرق الأوسط - واستحواذ النادي والخطيب على الحدث والأضواء التي سعى تركي للتأثير سلباً عليها والقول إنه ما زال حاضراً أيضاً في الساحة الرياضية العربية.
كان لافتاً أيضاً أن بيان الهلال الذي أعلن عبره منح الرئاسة الشرفية لتركي الشيخ أشار صراحة إلى أن الرئاسة منحت له بناء على طلبه شخصياً، ومن هنا يمكن توقع ما سيفعله في الساحة الرياضية السودانية والعربية والأفريقية خلال الفترة القادمة.
سيكون دعما منفلتا للهلال خارج اللوائح وقواعد اللعب المالي النظيف، وتدخلا دائما في إدارة النادي وقراراته، عبر ظهور إعلامي مستمر يسعى في خلاله للايحاء وكأنه الرئيس وصاحب القرار الفعلي للنادي
سيكون دعما منفلتا للهلال خارج اللوائح وقواعد اللعب المالي النظيف، وتدخلا دائما في إدارة النادي وقراراته، عبر ظهور إعلامي مستمر يسعى في خلاله للايحاء وكأنه الرئيس وصاحب القرار الفعلي للنادي. ستكون سخرية من المريخ العريق المنافس التاريخي للهلال واستفزازا لجماهيره بطريقة مبتذلة وسوقية؛ بدأت بوادرها فعلاً عبر استقدام لاعبين برواتب ضخمة، ما سيُحدث فتنة داخل فريق الهلال نفسه وبحيث يؤدي رحيله الحتمي ولو بعد حين إلى حالة شبيهة بالتي يعيشها الزمالك حالياً، لجهة العجز عن توفير رواتب اللاعبين الذين جلبهم تركي مع الفجوات الهائلة بينهم وبين زملائهم المجتهدين.
بدأ تركي في العمل كذلك على زعزعة استقرار المنافس عبر تحريض مدربه البرازيلي المجتهد والمستقر ديديه جوميز على فسخ تعاقده مع النادي، رغم تصريحاته قبل ذلك بأيام فقط عن سعادته للمنافسة بدوري الأبطال الأفريقية ضمن المجموعة التي تضم الأهلي المصري وسيمبا التنزاني وفيتا الكونغولي.
أما الهدف الأهم لتركي فهو منافسة الأهلي أفريقياً، واستغلال الهلال ضده كما حصل في صفقة الأورجواني جاستن سيرينو، لاعب نادي صنداونز الجنوب الأفريقي، الذي كان في طريقه للأهلي لولا تدخل تركي والمضاربة لرفع السعر ومنع الأهلي من الحصول على هدفه الأهم في فترة الانتقالات الشتوية الحالية، كما بدأ أيضاً في دعم سيمبا التنزاني، منافس الأهلي بدوري الأبطال، وعبر لاعبين جدد كما تسهيل تعاقده مع مدرب المريخ السابق الخبير بالكرة الأفريقية البرازيلي جوميز، كي يضرب عصفورين بحجر استفادة الهلال محلياً وتأجيج المنافسة ضد الأهلي قارياً.
الشاهد أن تركي سيقوم بتأجيج الفتنة في الساحة الرياضية السودانية بين الهلال والمريخ، وعلى كل المستويات، وأفريقيا بين الهلال والأهلي تحديداً، وربما بقية الأندية العربية المنافسة أيضاً.
يجب الانتباه إلى أن إدارة الهلال الحالية هي لجنة تسيير مؤقتة للنادي ولا يحق لها منح الرئاسة الشرفية لتركي، وهذا ما دفع مجموعة من رموز وعشاق النادي إلى تقديم مذكرة لوزير الشباب والرياضة مطالبين بإلغاء القرار غير الشرعي انطلاقاً من هذه القاعدة القانونية المبدئية، إضافة إلى فهم واستيعاب خلفياته وتداعياته العامة.
لا اعتراض عليه في كل المجالات، تحديداً الرياضية كوسيلة وجسر للتقريب بين الشعوب، لكن شرط أن يندرج ذلك ضمن الروح الرياضية والتنافس الشريف وقواعد اللعب المالي النظيف
في النهاية وكي يكتمل المشهد سياسياً ورياضياً لا بد من التأكيد على عدة معطيات مهمة وأساسية، حيث لا مشكلة مع السعودية ولا مع استثماراتها في البلاد العربية والتعاون العربي محمود بالتأكيد، ولا اعتراض عليه في كل المجالات، تحديداً الرياضية كوسيلة وجسر للتقريب بين الشعوب، لكن شرط أن يندرج ذلك ضمن الروح الرياضية والتنافس الشريف وقواعد اللعب المالي النظيف حسب المواثيق الأولمبية ولوائح الاتحاد الدولي ذات الصلة.
تجب الإشارة كذلك إلى أن تركي يسيء بتصرفاته وممارساته أولاً إلى السعودية، كما إلى علاقاتها العربية، على أمل أن يتم إيقافه بأسرع وقت ممكن وقبل أن يذهب بعيداً في مشروعه الانتقامي الفتنوي والمدمر.