قالت مجلة "
فورين أفيرز" الأمريكية إن جهود الرئيس
الأمريكي السابق دونالد ترامب الدؤوبة لمعاقبة
إيران قضت على أي فرصة لقبول
الإيرانيين بالمسار الدبلوماسي.
وأضافت المجلة في مقال لخبير في مركز "كراون للشرق الأوسط"
هادي كاهالزادة ترجمته "عربي21"، أن استراتيجية "أقصى ضغط" التي
مارستها إدارة دونالد ترامب ضد الجمهورية الإسلامية دفعتها إلى التشدد وعدم الرغبة في تقديم
تنازلات.
وقال كاهالزادة إن
العقوبات
أدت إلى تقلص الطبقة المتوسطة وتقوية الحرس الثوري. وأشار إلى أن المرشد الأعلى للجمهورية
آية الله علي خامنئي أرسل رسائل متناقضة حول نية بلده العودة إلى الاتفاقية النووية. ففي
بداية شباط/ فبراير قال إن إيران مستعدة للعودة إلى الاتفاقية النووية والالتزام بشروطها
لو رفعت أمريكا العقوبات عنها. ولكنه عاد قبل أسبوعين وأعلن عن إمكانية عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة عالية من النقاء تصل إلى 60%.
وأكثر من هذا دعم القانون الجديد الذي أقره البرلمان لوقف عمليات التفتيش
التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمنشآت النووية في البلاد.
ولا تتصرف إيران بطريقة تهديدية فقط، لكن موقفها المتشدد يعكس المزاج
العام في البلاد الذي لم يعد يرى في الغرب شريكا اقتصاديا محتملا.
وأدى قرار إدارة ترامب فرض العقوبات من جديد على إيران إلى فقدان الدبلوماسية
مصداقيتها في عيون الكثير من الإيرانيين، حتى لو أدت إلى إعادة توزيع الثروة بطرق شديدة
ولصالح التيار المتشدد.
وربما شددت واشنطن الخناق على الاقتصاد الإيراني على أمل أن تضعف
من قبضة النخبة السياسة إلا أن ما حدث هو العكس وأدى إلى تعزيز القوة الاقتصادية والسياسية
للمتشددين في إيران ورفضهم للتنازل.
وفي العامين الأولين من الضغط الأقصى وبعد اندلاع فيروس كورونا المستجد
أدت العقوبات إلى انكماش الاقتصاد الإيراني وبنسبة 12%، وانخفض الدخل القومي بالنسبة
للفرد بنسبة 14%، وانخفض تصدير النفط بنسبة 80%.
وبناء على دراسة أعدها مركز الإحصاءات الإيراني حول دخل العائلة والنفقات،
فقد ارتفع مستوى الفقر في البلد بنسبة 11% وذلك في الفترة ما بين آذار/ مارس 2018 وآذار/ مارس
2020، في وقت تراجع فيه مستوى المعيشة بنسبة 13% على مستوى البلد. وخسرت العملة الوطنية
ربع قيمتها ما أدى إلى تراجع قيمة الراتب 260 دولارا إلى 70 دولارا في الشهر. وزادت
قيمة سلة الغذاء المكونة من 2,100 من السعرات الحرارية ثلاثة أضعاف.
وفي عام 2017، لم تعد نسبة 27% من الإيرانيين قادرة على الوفاء بالمتطلبات
الأساسية اليومية والتي تحتوي على 2,100 سعر حراري. وزادت نسبة الإيرانيين الذي يعانون
من الحرمان هذا إلى 40% عام 2019. وفي هذه الفترة لم تعد العائلات تنفق كثيرا على التعليم
والترفيه، ولم تتجاوز نسبة الإنفاق الـ30% والـ32% على التوالي.
وأدت استراتيجية ترامب "أقصى ضغط" إلى تغيير البنية الطبقية
الاجتماعية للبلد، حيث أصبحت نسبة عالية من أبناء الطبقة المتوسطة تعاني من مستويات
الفقر. وكانت النتيجة تشويه فكرة التعامل مع الغرب لحل الأزمات الاقتصادية التي تعاني
منها البلاد. وكانت العقوبات التي فرضها ترامب أكثر تدميرا من تلك العقوبات التي فرضها
سلفه باراك أوباما. ولأن عقوبات ترامب لم ترفق بأي من المحفزات أو غرض فهي لم تؤد إلى
ضغوط محلية تدعو للتنازل والتفاوض مع الولايات المتحدة.
ففي أثناء فترة أوباما قدم المرشح الرئاسي حسن روحاني فكرة ارتباط اقتصاد
إيران والمشاكل الاجتماعية بالعزلة التي تعاني منها البلاد وأن الدبلوماسية والتحاور
هي السبيل لتجاوز هذه المشاكل. وفاز روحاني في انتخابات 2013 بناء على هذا المجال،
ولم يعد هذا النقاش قابلا للطرح هذه الأيام. ورفع روحاني من سقف التوقعات حول المنافع
التي سيجلبها الاتفاق، والتزم بوعده لجزء من الناخب الإيراني. ونما الاقتصاد الإيراني
أثناء الحياة القصيرة لاتفاقية 2015 بنسبة 17% ما ولد 3.5 مليون وظيفة معظمها في الأعمال
الصغيرة وقطاع الخدمات بالمدن الكبرى. وانخفضت مستويات الفقر في طهران والمدن الكبرى
بنسبة 20% بعد البدء بتنفيذ الاتفاقية.
وبناء على الدراسة المسحية حول نفقات العائلة، فإن هناك نسبة 45% من السكان
كانوا محسوبين على الطبقة المتوسطة في 2017، أي لم يكونوا فقراء أو يواجهون مخاطر الفقر.
إلا أن إدارة روحاني فشلت في توزيع منافع الاتفاقية النووية وبالتساوي بين قطاعات المجتمع
الإيراني. وظلت مستويات الفقر في البلدات والقرى كما هي بدون تغيير. وبالنسبة لسكان
هذه المناطق فلم يؤد رفع أمريكا العقوبات ما بين 2015 و2018 إلى خلق فرص عمل أو أن ذلك ساعدهم
على توفير الطعام لعائلاتهم. وظل معدل الفقر في المناطق الريفية بنسبة 40% كما كان
منذ 2013 وبدون أثر للاتفاقية النووية.
ومع زيادة العقوبات التي فرضت في 2018، فقد زاد عدد الفقراء الإيرانيين
من 22 مليونا إلى 32 مليونا. وانكمش حجم الطبقة المتوسطة من 45% إلى 30% في آذار/ مارس
2020. ويتوقع زيادة معدلات الفقر في 2021 إلى ما بين 45 و48%.
وكان سوء توزيع منافع الاتفاقية النووية في 2015 إلى جانب ارتفاع مستويات
الفقر بعد إعادة فرض العقوبات سببا في تخلي الطبقة الدنيا من المجتمع الإيراني عن فكرة
الدبلوماسية والتواصل كحل للمشاكل الاقتصادية. فحملة كتلك التي قام بها روحاني في
2013 ستواجه التجربة التي بدأت فيها الحياة في تحسن ثم زادت سوءا بعد دخول البلاد في
الاتفاق للحد من برنامجها النووي.
واستطاع ترامب تغيير التشكيل الطبقي في إيران ولكن بدون أن يفيد المصالح
الأمريكية. وعلى خلاف ذلك فقد أدت العقوبات الأمريكية إلى عسكرة الاقتصاد الإيراني.
وأصبحت الدولة تعاني من عجز كبير في الميزانية وراكمت الديون للمتعهدين الخاصين الذين
أفلس العديد منهم. وكانت الشركات الخاصة تشكل نسبة 25% في مجال خلق فرص العمل في العقود
الماضية في إيران. وكانت مصدرا مهما لتمويل السياسيين من أصحاب النزعة الإصلاحية وعلى
مدى الـ 25 عاما الماضية. واليوم بات معظم أصحاب الشركات الخاصة في حالة إفلاس وحلت
محلها شركة الإنشاءات "خاتم الأنبياء" و"جهاد النصر" التابعتين
للحرس الثوري الإيراني.
وفي العامين الماضيين أعلنت 13 من 14 شركة تعبيد طرق عن إفلاسها، لكن
شركة "خاتم الأنبياء" أعلنت منذ 2019 عن زيادة عقودها. وانتهز الحرس الثوري
الفرصة لجعل نفسه اقتصاديا واجتماعيا طرفا لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي فترة الانزلاق نحو المصاعب المعيشية قامت الجماعات الخيرية الموجودة
في حرم الجامعات والمرتبطة بالحرس الثوري بتوسيع نشاطاتها وتوفير الإغاثة والدعم المجتمعي
للمناطق الفقيرة. وقام الحرس الثوري بقمع الناشطين المستقلين وجماعات المجتمع المدني
مثل "جمعية الإمام علي الطلابية للإغاثة الشعبية"، وأخذ على عاتقه توزيع طرود
الطعام لملايين العائلات المحرومة.
واستفاد الحرس الثوري من هذا
لتقويض مصداقية روحاني حيث زعم أنه يضيع وقته على المحادثات النووية العبثية بدلا من
معالجة الفقر كما يفعل هو. وبات الساسة الإصلاحيون يواجهون سيلا من الأسئلة الصعبة
من الرأي العام الذي بات يرى العقوبات جزءا لا يتجزأ من السياسة الأمريكية تجاه إيران.
فهل يستطيع دعاة العودة للمفاوضات ضمان ألا تجد أمريكا موضوعا جديدا من أجل فرض عقوبات
جديدة؟ وبلد يواجه تهديدات بالعقوبات الأمريكية لن يكون جاذبا للاستثمار الأجنبي، وهل
من المعقول الدعوة للتحاور مع الغرب، في ظل توقعات صندوق النقد الدولي أن النمو في
إيران عام 2021 سيظل بمعدل 3.2%.
ولم يقم المتشددون الإيرانيون بتقوية سلطتهم الاقتصادية فقط بل نجحوا
في إلقاء ظلال من الشك على حكمة التواصل الدبلوماسي كوسيلة لتحسين حياة الإيرانيين
العاديين. وناقش المتشددون عبر وسائلهم الإعلامية المتعددة أن "المقاومة"
وليس التحاور هي ما تسمح لإيران بالحصول على اتفاقية أفضل، اتفاقية ستجبر أمريكا على
الاعتراف بإيران كقوة صاعدة في الشرق الأوسط. ومن يعارضون في أمريكا رفع العقوبات عن
إيران مقابل التزامها الكامل بالاتفاقية يعززون بطريقة غير مقصودة السرد الذي يتبناه
الأصوليون في إيران وهو أن نهج ترامب يظل القاعدة وليس الاستثناء في ما يتعلق بسياسة
أمريكا تجاه إيران. وبناء عليه فستظل العقوبات جزءا لا يتجزأ من سياسة أمريكا كائنا من كان الرئيس، وسواء وافقت إيران على التعاون أم لا.
وفي الحقيقة، ستلجأ الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة من أجل الحد
من برامج إيران الصاروخية وتأثيرها بالمنطقة. ويرفع المعارضون للحوار مع الغرب هذا
الجدل لإثبات أن الولايات المتحدة لا تلتزم بوعودها وأنها تقوم بمتابعة لعبة لانهائية.
وفي الحقيقة فقد تغيرت الظروف في البلدين منذ 2015، وجعل ترامب في سياسة
الهزيمة الذاتية التي تبناها التنازل غير جذاب ومكلفا جدا لإيران.