اقتصاد عربي

غلاء وبطالة وإضرابات.. هل تواجه الجزائر أزمة اجتماعية؟

وتربط الحكومة ووسائل الإعلام المقربة منها بين ظهور هذه الاحتجاجات والانتخابات المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل- الأناضول
وتربط الحكومة ووسائل الإعلام المقربة منها بين ظهور هذه الاحتجاجات والانتخابات المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل- الأناضول

موجات غلاء غير مسبوقة واضطرابات في قطاعات حساسة كالتعليم والبريد.. هكذا تجلت مظاهر الاحتقان بالجزائر خلال شهر رمضان واقتراب موسم الأعياد، ما جعل الكثيرين يحذرون من أزمة اجتماعية في الأفق القريب.


ويسود انطباع لدى عموم الجزائريين أن قدرتهم الشرائية تضاءلت كثيرا في الأشهر الأخيرة، حيث لم يعد الراتب الشهري لدى الموظفين يكفي لتغطية الحاجات الغذائية وباقي مستلزمات الحياة، وتؤكد على ذلك العديد من النقابات.


ويعود هذا الوضع إلى تراجع سعر الدينار أمام العملات الأجنبية، فأضحى 1 أورو يفوق 150 دينارا في السوق الرسمية، ويصل إلى 210 دنانير في السوق الموازية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة وحتى أسعار المواد المصنعة محليا التي تحتاج في مدخلاتها إلى مادة أولية مستوردة.


وأدى التضخم بالمقابل، إلى تآكل الرواتب لدى موظفي القطاع العام الذين يشكلون لوحدهم نحو 3 ملايين شخص، بالإضافة إلى القطاع الاقتصادي الذي يعاني هو الآخر من متاعب كبير وإحالات على البطالة.


وتشير أرقام الحكومة إلى أن الجزائر فقدت 500 ألف وظيفة جراء أزمة كورونا، بينما تذكر تقديرات حزبية ونقابية أن هذا العدد يفوق المليون منصب بعد اضطرار الكثير من المؤسسات إلى الغلق.


غلاء الأسعار
ويمكن تلمس حالة الضيق الاجتماعي بسهولة في الجزائر، فالأسواق التي كانت عامرة في أوقات رمضان انخفض الإقبال عليها، وإن وجد الإقبال فعمليات الشراء والبيع تراجعت بشكل ملموس بشهادة التجار.


 وعلى غير العادة التهبت أسعار مواد غذائية واسعة الاستهلاك، مثل الطماطم التي كانت نجمة الأسواق بوصولها إلى سعر 200 دينار جزائري للكيلوغرام ما يعادل 1 أورو، قبل أن يستقر سعرها فوق 100 دينار وهو ثمن باهظ في العرف الجزائري.


أما البطاطا التي يستهلكها الجزائريون بشراهة، فقد ارتفع سعرها هي الأخرى إلى حوالي 100 دينار، ما دفع السلطات إلى إخراج كميات مخزنة بمئات الأطنان لمحاولة كسر الأسعار التي استقرت في حدود 80 دينارا.


وكذلك ارتفعت أسعار اللحوم إلى مستويات قياسية، فالدجاج قفز سعر الكيلوغرام منه إلى 400 دينار بينما اللحوم الحمراء يتراوح سعرها ما بين 1500 إلى 2000 دينار، في حين الأسماك عرفت أسعارا خيالية وصلت أحيانا إلى 5000 دينار لبعض الأنواع المطلوبة في رمضان مثل الجمبري.

 

اقرأ أيضا : زيتوت: نظام الحكم في الجزائر يقود البلاد إلى الخراب


وما زاد في معاناة الجزائريين، ظهور ندرة غير معتادة في بعض المواد مثل الزيت تم تداركها مؤخرا، ناهيك عن الاضطرار للوقوف في طوابير طويلة من أجل شراء الحليب المدعم الذي يباع بـ25 دينارا.


وباتت تنتشر بشكل متزايد ظاهرة التسول في الأسواق والطرقات والفضاءات العامة، كدليل على انتشار الفقر والعوز، كما ازدادت الطلبات على القفة التضامنية التي تقدمها السلطات وبعض الجمعيات الخيرية.


احتجاجات قطاعية
وأخذ الاحتجاج على هذا الوضع، طابعا منظما في العديد من القطاعات، التي خرجت فيها النقابات منددة بالوضع ودعت إلى تنظيم إضرابات مفتوحة لإسماع صوتها.


وفي قطاع التعليم الذي يضم أكبر عدد من موظفي القطاع العام، قررت 14 نقابة تنظيم إضراب شامل بين التاسع والحادي عشر من مايو/ أيار الجاري، في وقت سارعت فيه الوزارة لمحاولة احتواء الإضراب دون جدوى لحد الآن.


وتنقم نقابات التربية على الوزارة تجاهلها لمطالبها في فتح حوار حول المسائل الاجتماعية الملحة، حيث لم يراجع سلم الأجور في هذا القطاع منذ سنوات طويلة، ما أدى إلى إضعاف رواتب المعلمين والأساتذة من جديد.


وكان لعمال البريد بالمثل، نصيب من هذه الاحتجاجات، حيث انتفضوا ضد ظروف العمل الصعبة ورواتبهم الزهيدة على الرغم من أنهم يشتغلون في مؤسسة اقتصادية.


وأدت هذه الحالة، إلى الإطاحة بوزير البريد الذي لم يستطع استيعاب غضب العمال وزادت قراراته من حالة الاحتقان، بعد إيقاف عامل بريد واجهه عند زيارته لمصلحة بريد يعمل بها.


أما أكثر الاحتجاجات إثارة للجدل، فكانت الحركة الفجائية لأعوان الحماية المدنية، الذين نظموا مسيرة في قلب العاصمة بزي العمل الرسمي، غير بعيد عن مقر الرئاسة احتجاجا على سوء أوضاعهم الاجتماعية. 


وتعد الحماية المدنية سلكا نظاميا يتبع وزارة الداخلية، وعرف عن أفرادها انضباطهم الشديد وابتعادهم عن مثل هذه الاحتجاجات، ما جعل رد السلطة يكون غير مألوف.


ردود السلطة
وفي تعاملها مع ما يجري من احتجاجات، ذكرت الحكومة أنها لاحظت مؤخرا أنه تم "إغراق النشاط النقابي واستغلاله من بعض الحركات المغرضة التي تريد زرع الفتنة، والتي سبق أن تم رصدها وإدانة مخططاتها".


ودعت الحكومة في بيان لها، العمال إلى التمييز بين "ممارسة حقوقهم النقابية المكرسة والتعبير عن مطالبهم المهنية التي يجب أن تتم دراستها عبر الحوار المنفتح"، حسبها.


وصرح الرئيس عبد المجيد تبون، في اجتماع مجلس الوزراء الأخير، يوم 2 أيار/مايو، إلى أنه لا يجب الانسياق وراء ما تسوق له بعض الحركات المضللة التي لا تريد إلا تعفين الأوضاع واستغلال ظروفهم المهنية والاجتماعية لأغراض مشبوهة، حسبه. 


واعتبرت الحكومة أن دراسة ومعالجة المطالب المعبر عنها وإيجاد الحلول المناسبة لها يجب أن يتم ضمن مقاربة تدريجية تراعي تداعيات وانعكاسات الأزمة الاقتصادية والصحية التي تمر بها البلاد.


وتربط الحكومة ووسائل الإعلام المقربة من السلطة، بين ظهور هذه الاحتجاجات والانتخابات المقررة في 12 يونيو/حزيران المقبل، وتعتقد أن هناك إرادة للتشويش على المسار الانتخابي الذي سيأتي ببرلمان جديد للبلاد.


ووضعت السلطة قوانين صارمة لمواجهة أي عرقلة للعملية الانتخابية، أو تعكير صفوها، كما جاء في بيان اجتماع الحكومة، حيث ستصل العقوبة إلى 20 سنة سجنا نافذا.


موقف الأحزاب

وخلافا لنظرة الحكومة، يرى حزب العمال ذي التوجه اليسار، أن هذه الاحتجاجات هي ردة فعل مباشرة جراء الضيق الاجتماعي الذي يمس الأغلبية الساحقة من العمال وعائلاتهم نتيجة السياسات المنتهجة من طرف الحكومات المتعاقبة والتي ضاعفت من حدّتها جائحة كوفيد-19.


واستغرب رمضان تعزيبت القيادي في هذا الحزب المقاطع للانتخابات، منطق الحكومة بخصوص وجود جهات خارجية تحرك العمال، مشيرا إلى أن العمال الجزائريين لم يتوجهوا أبدا إلى مؤسسات خارجية وهم وطنيون حتى النخاع ومشاكلهم اليوم معروفة منذ سنوات.


وأبرز تعزيبت في حديثه مع "عربي21"، أن اتهامات التخوين التي توجه للعمال لا يمكن تصديقها، مشيرا إلى أن ما دفعهم للاحتجاج هي الظروف المعيشية التي أصبحت لا تطاق جراء البطالة المنتشرة والرواتب غير المدفوعة وتسريح العمال وانهيار القدرة الشرائية والزيادة الجنونية لأسعار السلع والخدمات، وتصفية المؤسسات الاقتصادية.


وحتى من جانب حركة مجتمع السلم المشاركة في الانتخابات، هناك رفض لمنطق اتهام العمال بالسير وراء أجندات أجنبية، حيث ذكر عبد الرزاق مقري رئيس الحزب أنه يتفهم تحرك النقابات في هذا التوقيت قبل أيام من الانتخابات حتى يحسنوا من مركزهم التفاوضي ويفتكوا مطالب أكثر.


مطالب برفع الأجور
ويتقاضى الجزائريون المحسوبون على الطبقة المتوسطة، في الغالب رواتب بين 30 ألفا و60 ألف دينار أي ما يعادل 200 إلى 400 دولار، بينما هناك فئة عريضة تتقاضى أدنى من ذلك بكثير.


وذكر مسعود بوديبة الناطق الرسمي لدى المجلس الوطني المستقل لأسلاك التربية، أن الدراسات التي أجرتها النقابات تشير اليوم إلى أن الحد الأدنى للعيش في الجزائر يجب ألا يقل عن 80 ألف دينار في الشهر أي حوالي 600 دولار.


وأوضح بوديبة في تصريح لـ"عربي21"، أن العمال اليوم يحتجون، لأنهم لا يتمكنون من تلبية حاجياتهم الأساسية أمام تراجع قدرتهم الشرائية بسبب الرواتب الضعيفة التي يتقاضونها.


وأشار النقابي، إلى أن ثمة خللا في منظومة الأجور، إذ أن هناك من يتقاضى أكثر من 20 مرة الحد الأدنى للأجور المقدر بـ20 ألف دينار، بينما الأغلبية الساحقة من العمال تراوح أجورها مرتين إلى ثلاث مرات الحد الأدنى فقط.

التعليقات (1)
KBAYLI
الجمعة، 07-05-2021 09:19 ص
الحل في بلادنا الجزائر هو ديموقراطية و مدنية الدولة وستبقى الاحتجاجات الى تحقيق هذا الحل. عاشت الجزائر حرة مدنية ديموقراطية.