رغم الشهرة العالمية لقناة السويس كممر مائي عالمي، فإن كثيرين لا يعرفون أن هناك ثماني
شركات خدمات بحرية تتبع هيئة
قناة السويس، رغم أن عمر تلك الشركات يزيد على الـ55 عاما، بل إن إحداها يمتد عمرها لأكثر من مائة عام، بسبب ضعف التسويق وتفادي المسؤولين الحديث عنها بسبب
الخسائر المزمنة لبعضها.
وتعود نشأة غالبية تلك الشركات إلى إجراءات تأميم العديد من شركات الخدمات البحرية في إقليم قناة السويس خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، ونقل تبعتها إلى هيئة قناة السويس ثم السماح للهيئة بإنشاء شركات مساهمة بعد ذلك ضمت الشركات المؤممة.
فشركة الأعمال الهندسية البورسعيدية تعود نشأتها إلى عام 1919 بمشاركة أوروبية، لكنه تم تأميمها وتحويلها لشركة تابعة لهيئة قناة السويس عام 1964، كذلك شركة القناة للرباط وأنوار السفن تستند إلى ثلاث شركات كانت تعمل بمجال الرباط تم تأميمها، ثم دمجها في شركة واحدة عام 1962 بمسمى شركة القناة لرباط السفن.
وهكذا نجد أن الشركات الثماني التي استندت معظمها إلى شركات تم تأميمها، تعمل ست شركات منها بمجال بناء وإصلاح السفن، وشركة واحدة لرباط وأنوار السفن وشركة لتصنيع الحبال. وتوزعت مقار الشركات ما بين محافظات القناة الثلاث، بواقع أربع شركات في بورسعيد وشركة في الإسماعيلية وأخرى في السويس.
وكان الهدف من تأسيس تلك الشركات تقديم خدمات الإصلاح والصيانة للسفن العابرة لقناة السويس، وهو ما نجحت فيه شركة الرباط وأنوار السفن التي تقوم بتأجير كشافات الإضاءة للسفن العابرة للقناة، بينما تسبب تقادم المعدات تكنولوجيا بشركات بناء وصيانة السفن في تخلفها عن اللحاق بالتقدم الذي حدث بصناعة السفن دوليا، مما جعلها تقدم خدماتها إلى السوق المحلية وتضيف مجالات أخرى للنشاط، مثل إقامة الكباري المعدنية، والمعديات وسفن الصيد، والحفر الأفقي، وتأجير الوحدات البحرية، وحماية الشواطئ، وإنشاء صهاريج تخزين الوقود.
5 عمال بمجلس إدارة الشركة
وساهمت تبعية الشركات للقطاع العام بما به من بيروقراطية ومركزية في اتخاذ القرار؛ في ضعف عملية التطوير، إلى جانب تمثيل العمال بمجالس إدارات الشركات بما لا يقل عن خمسة عمال، مما أدى للتركيز على زيادة الأجور على حساب التوازن المالي للشركات، والابتعاد عن الأعمال الفنية، مما ضخم من نصيب الأجور من المصروفات حتى وصلت نسبة الأجور والتأمينات التي تلتزم الشركات بدفعها؛ إلى 71 في المئة من المصروفات بشركة ترسانة السويس البحرية.
ورغم إسناد جهات حكومية أعمالا بالأمر المباشر لتلك الشركات، إلا أن ضعف الإيرادات وتزايد المصروفات أدى لخسارة أدى لخسارة معظمها، حتى تطلب الأمر إصدار قرارات من مجلس الوزراء للسماح باستمرارها بالنشاط، بعد تآكل حقوق الملكية بها بسبب كبر حجم الخسائر، كما اتجهت إلى الاقتراض حتى زادت نسب القروض عن حقوق الملكية في معظمها.
وامتنعت هيئة قناة السويس عن إصدار أية مؤشرات مالية عن أداء تلك الشركات، كما تخلو مواقعها الإلكتروينة من أية مؤشرات مالية، واضطرت وزارة المالية في ضوء استجابتها لمطلب صندوق النقد الدولي بالإفصاح عن البيانات المالية للشركات المملوكة للحكومة، إلى نشر الموازانات التقديرية للشركات منذ العام المالي 2010/ 2011، دون نشر البيانات النهائية عن أداء تلك الشركات.
ومع الاتفاق الأخير بين
مصر وصندوق النقد الدولي أواخر عام 2016، واستجابة لمطلب الصندوق بالمزيد من الإفصاح عن أداء الشركات المملوكة للحكومة، كأحد شروط صرف أقساط قرض الصندوق لمصر، قامت وزارة المالية بنشر البيانات المالية لسبع شركات من الثماني لأداء أربع سنوات، ما بين العام المالي 2015/ 2016 وحتى عام 2018/ 2019.
وظلت شركة القناة للترسانة النيلية التي أقيمت بمحافظة الأقصر بجنوب مصر، لخدمة البواخر النيلية والسياحية، غير معروفة أية بيانات مالية عنها وهل تربح أم تخسر، رغم بدء التشغيل بها منذ عام 2003، سوى أنها بدأت برأسمال 150 مليون جنيه.
خسائر مزمنة ببعض الشركات
تكشف البيانات التي نشرتها وزارة المالية وجود خسائر مزمنة في أربع شركات من الشركات السبعة، وهي: ترسانة السويس البحرية، والقناة للموانئ والمشروعات الكبرى، والأعمال الهندسية البورسعيدية، والقناة للحبال ومنتجات الألياف الطبيعية والصناعية، بينما حققت ثلاث شركات أرباحا وهي: القناة لرباط وأنوار السفن والقناة للإنشاءات البحرية والتمساح لبناء السفن.
وفي العام المالي 2018/ 2019 خرجت شركة القناة للموانئ والمشروعات الكبرى من الخسائر لتحقيق ربح، كما عادت شركة التمساح لبناء السفن للربح بعد تحقيقها خسارة في العام المالي السابق، لتصبح هناك ثلاث شركات خاسرة وافق مجلس الوزراء مؤخرا على استمرارها في النشاط رغم زيادة خسائرها عن حقوق الملكية بها.
ونظرا لأنه لا توجد أية بيانات مالية تفصيلية عن أداء الشركات، سوى البيانات الجزئية التي نشرتها وزارة المالية عن أداء أربع سنوات مالية فقط، فقد بلغت خسائر شركة ترسانة السويس البحرية خلالها 331 مليون جنيه مقابل 217 مليون جنيه لحقوق الملكية بها، إضافة لبلوغ قروضها 296 مليون جنيه بنسبة 113 في المائة من حقوق الملكية.
ووصلت خسائر شركة الأعمال الهندسية البورسعيدية في السنوات الأربع 227 مليون جنيه، مقابل 164 مليون لحقوق الملكية بها، كما بلغت خسائر شركة القناة للحبال في السنوات الأربع 213 مليون جنيه، مقابل 93 مليون جنيه لحقوق الملكية بها مع بلوغ قروضها حوالي 100 مليون جنيه.
تركز الربح بشركة واحدة
وتشير البيانات المجمعة للشركات السبعة خلال عام 2018/ 2019 لبلوغ أصولها ثمانية مليارات جنيه، نصفها في شركة القناة للموانئ، وروؤس أموالها مليار جنيه، وحقوق الملكية بها 1.9 مليار جنيه، كما بلغت الإيرادات 5.7 مليار جنيه، نسبة 61 في المائة منها بشركة القناة للموانئ، والمصروفات 5.3 مليار جنيه، نسبة 64 في المائة منها بشركة القناة للموانئ.
وصافي الربح في الشركات السبع بلغ 361 مليون جنيه، حققته شركة القناة لرباط وأنوار السفن التي بلغت أرباحها وحدها 528 مليون جنيه، حيث تتعامل مع السفن العابرة لقناة السويس بالعملات الأجنبية واستفادت من تعويم الجنيه المصري، بينما بلغت أرباح شركة التمساح لبناء السفن 24 مليون جنيه، وأرباح شركة القناة للإنشاءات البحرية 310 آلاف جنيه أي أقل من نصف مليون جنيه.
وبلغ عدد العاملين في الشركات السبع حوالي ثمانية آلاف عامل في حزيران/ يونيو 2019 مقابل أكثر من تسعة آلاف عام 2015، حيث انخفض العدد بكل الشركات نتيجة عدم استقدام عمالة جديدة لأكثر من 16 عاما، وهو ما أثر على تواجد الكفاءات المهنية.
إلا أنه عند احتساب البيانات المجمعة للشركات السبعة بالدولار، حسب سعر الصرف السائد في حزيران/ يونيو 2019، نجد إجمالي أصولها 483 مليون دولار، ورأسمالها 62 مليون دولار وحقوق ملكيتها 115 مليون جنيه، وإيراداتها 340 مليون دولار، وأرباحها أقل من 22 مليون دولار، وبما يشير إلى صعوبة تقديم الخدمات البحرية المتقدمة المطلوبة للسفن العابرة لقناة السويس، مع صعوبة استقدام التكنولوجيات الحديثة لقلة الموارد وتصريح رئيس الوزراء بأنه لن تتم مساندة شركات القناة الخاسرة.
وطرح بعض المتخصصين لإعاقة الشركات من عثرتها ضم بعض الشركات ذات النشاط الواحد، وإجراء تعديلات على قوانين القطاع العام التي تتبعها والتي حالت دون تنفيذ مقترحات تطويرها خلال السنوات المالية، وإلغاء اللجان النقابية في الشركات والاكتفاء بالنقابة العامة أسوة بالنقابات المهنية، وخروج إدارات الشركات من الدائرة الجمركية، مثلما يحدث مع شركة الحبال مما يصعب مهمة المستثمرين للتعامل معها بسبب الإجراءات الأمنية، والسماح القطاع الخاص بالشراكة في تلك الشركات، خاصة وأنها لم توضع على قوائم الشركات المرشحة للخصخصة منذ بداية برنامج الخصخصة عام 1991 وحتى الآن.
twitter.com/mamdouh_alwaly