هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سلطت صحيفة "واشنطن بوست" الضوء على حصد حركة "حماس" الكثير من التأييد الإضافي، مقابل انتكاسة لدى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي بدأ رصيده بالنزيف، حتى قبل ظهور أدائه الضعيف خلال عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على القدس وقطاع غزة.
واستعرضت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، المشهد في مخيم الأمعري برام الله، الزاخر بصور الرئيس الراحل ياسر عرفات على جدرانه، وبأعلام حركة فتح الصفراء.
وكان المخيم لعقود من الزمان معقلا لفتح، لكن موقف عباس وسلطته جعلت العديد من أبنائه يعبرون عن موقف مختلف اليوم.
وتظهر الصحيفة في تقريرها تحيزا واضحا لصالح رواية الاحتلال بأنه كان يدمّر أهدافا للمقاومة في قطاع غزة، مشيرة في المقابل إلى أن قدرة تلك الفصائل وعلى رأسها كتائب "القسام"، الجناح المسلح لحركة حماس، على إطلاق أكثر من أربعة آلاف صاروخ على الاحتلال، أثار إعجابا متجددا في أوساط الفلسطينيين، تعدى حدود قطاع غزة ليشمل الضفة الغربية وعموم الأراضي الفلسطينية ومخيمات اللجوء.
وتؤكد الصحيفة أن ذلك حدث رغم العمل الدؤوب من قبل السلطة والاحتلال والولايات المتحدة على تحجيم حضور حماس في الضفة الغربية، لتخرج أخيرا مظاهرات تلوح بالأعلام الخضراء، في مشهد غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة.
وتقول الصحيفة: "الارتفاع في شعبية حماس يقابله تراجع حاد في حظوظ السلطة الفلسطينية، التي تعرض رئيسها، محمود عباس، لانتقادات واسعة - حتى بين زملائه من أعضاء فتح - لرده الضعيف على الهجمات الإسرائيلية".
واعتبرت الصحيفة أن ما حدث يعقد محاولات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة السلطة الفلسطينية إلى المشهد، بعد أربع سنوات من تجاهلها، إبان سلفه دونالد ترامب.
وزار وزير الخارجية أنطوني بلينكن مقر السلطة الفلسطينية في رام الله الشهر الماضي والتزم بتعزيز سلطة عباس من خلال تقديم أموال المساعدات وإعادة فتح قنصلية في القدس بشكل كبير للتعامل مع الشؤون الفلسطينية. وقالت الولايات المتحدة أيضًا إنها تعتزم الالتفاف على حماس في جهود إعادة إعمار غزة.
اقرأ أيضا: MEE: حكومة إسرائيل الجديدة ستعمق التصدعات ولن تنهيها
واعتُبرت زيارة بلينكن، وفق الصحيفة، "إشارة تبعث على الأمل من قبل المفاوضين الفلسطينيين المحاصرين بأن إدارة بايدن تعتزم القيام بدفعة جادة من أجل إحراز تقدم دبلوماسي في الشرق الأوسط".
ومع ذلك، تستدرك الصحيفة، فإن هنالك شكوكا عميقة حول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تستطيع تمثيل القضية الفلسطينية حقا وما إذا كان يمكن لحركة حماس الصاعدة الاستمرار في تهميشها.
واستعرضت الصحيفة سردية أن اليمين المتطرف في "إسرائيل" عمل على إبراز قوة حماس على حساب الطرف المفاوض، الذي قدم في الواقع تنازلات متتالية وقمع الفعل المقاوم على مدار العقود الماضية حتى استشرى الاستيطان في الضفة الغربية وأحكم الاحتلال قبضته على القدس، وشدد الحصار على غزة.
وتنقل الصحيفة عن "عاموس يادلين"، مدير معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، قوله إن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد أنه "إذا مثلت حماس الفلسطينيين، فسيكون من الأسهل على إسرائيل أن تقول: نحن لا نتعامل مع الإرهاب".
ولم تشر الصحيفة إلى أن الاحتلال وواشنطن تحدثا مرارا مع حماس بشكل غير مباشر في ملفات الأسرى ووقف إطلاق النار ووضع قطاع غزة، وهو ما أكده بلينكن نفسه.
وبالعودة إلى الحديث عن عباس، فقد اعتبرت "واشنطن بوست" أنه كان "يتأرجح" حتى قبل المواجهة الأخيرة.
فقد كان وريث عرفات البالغ من العمر 85 عاما قد تعهد بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية هذا العام لأول مرة منذ عام 2006، لكنها تأجلت إلى أجل غير مسمى في نيسان/ أبريل.
وبينما ألقى الرئيس باللوم على عدم اليقين بشأن ما إذا كان الاحتلال سيسمح بالاقتراع في القدس المحتلة، يعتقد القليلون ذلك التفسير، وفق الصحيفة.
وتنقل الصحيفة عن ناصر القدوة، أحد كبار مسؤولي فتح لفترة طويلة والذي انفصل عن عباس هذا العام وكان يتحداه في الانتخابات: "بكل بساطة، كانت الانتخابات تعني الخسارة".
وقال القدوة، وهو ابن شقيق عرفات، إنه كرس حياته المهنية لفتح وقضية دولة فلسطينية ديمقراطية. لكنه وصف الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية بأنها "نظام استبدادي لا يوجد فيه سوى القليل من الضوابط على سلطة عباس داخليا، حتى مع بقاء الرئيس مدينا لإسرائيل بسلطته النهائية".
ووصف القدوة المنظمة التي مثلها منذ فترة طويلة في الأمم المتحدة، بأنها "فاسدة، وغير فعالة، وغير كفؤة".
وأضاف أنه، خاصة بعد صراع الشهر الماضي، يفهم لماذا يبحث الفلسطينيون في أماكن أخرى - خاصة لحماس - عن حلول.
اقرأ أيضا: ماذا وراء زيادة الدور المصري في فلسطين؟.. محللون يجيبون
وتابع بأنها كانت مواجهة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، فيما كانت فتح غائبة، "ولذا، نحن نستحق ذلك".
واعترف أسامة قواسمة، المتحدث باسم فتح ومستشار عباس، بأن الفلسطينيين أرادوا ردا أكثر صرامة مما شعر الرئيس أنه يستطيع تقديمه؛ مضيفا: "الناس غاضبون جدا تجاه إسرائيل. يريدون المزيد من المقاومة".
وتستدرك الصحيفة: "لكن عباس ملزم بالاتفاقات الدولية التي لا تلتزم بها حماس، مع التزام بالامتناع عن العنف وإدارة أجزاء من الضفة الغربية تحت سيطرته حتى وسط احتلال إسرائيلي امتد لأكثر من نصف قرن".
ويضيف قواسمة: "يمكن أن تأتي الانتفاضة في أي وقت.. الضفة الغربية في وضع خطير للغاية".
ويركز الاحتلال على الدور الذي يمكن أن تلعبه حماس في "إثارة الاضطرابات"، كما وصفتها "واشنطن بوست"، في الضفة الغربية، مبررة بذلك موجة واسعة من الاعتقالات.
ولكن، تقول الأعداد المتزايدة من منتقدي عباس إنه هو نفسه مسؤول عن عدم الاستقرار في الضفة الغربية من خلال تأجيج إحباط ما يقرب من 2.5 مليون فلسطيني يعيشون هناك، وفق الصحيفة.
ويقول أيمن ضراغمة، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، المعطّل: "هناك غضب متراكم.. الانتخابات الملغاة. القبضة الحديدية. الفساد. الأمر أشبه بانفجار قدر الضغط"، مشددا على ارتفاع رصيد حماس في الضفة الغربية المحتلة.
لكن الصحيفة اعتبرت أنه من غير الواضح تماما ما إذا كان الارتفاع في رصيد حماس بالضفة سيستمر، مشككة بأن الفلسطينيين هناك "قد اعتنقوا فجأة أيديولوجية الجماعة، التي لا تزال متشددة حتى بعد أن خففت بعض خطابها، بما في ذلك من خلال تقديم اعتراف ضمني، إن لم يكن علنيا، بوجود إسرائيل، من خلال القبول بفكرة الدولة الفلسطينية على طول خطوط ما قبل عام 1967".
إلا أن ما عكسه حديثها مع عدة أشخاص في "الأمعري" هو اتفاقهم على مواجهة الاحتلال، بغض النظر عن انتماءاتهم، وثناؤهم على أداء المقاومة المسلحة، وإيفائها بوعودها للشعب الفلسطيني.