التحدي الأصعب أمام عمليات التحولات الكبرى والتغييرات الجذرية داخل المجتمعات العربية خاصة مصر؛ هو فساد مؤسسات الدولة بتبعيتها لأنظمة الحكم المستبدة الفاسدة حين تختزل في كيان النظام أو شخص الحاكم، فتتحول من مؤسسات داعمة لكيان الدولة وضامنة لحقوق الشعب؛ إلى مؤسسات تقنن وتشرعن كل ما هو مخالف للدستور والقانون، بل تصبح سيفا مسلطا على رقاب البلاد والعباد.
هنا تفقد مؤسسات البناء والتكوين بصفة خاصة رسالتها الكبرى في تربية وإعداد الأجيال والكفاءات، وتصبح مهددا ونذير شؤم على
القيم والأفكار والممارسات.
في هذه الأجواء لا يراهَن على بقايا مؤسسات شبه الدولة في إعداد إنسان
التغيير المنشود؛ لأنها تفرز نسخ باهتة من القطعان التابعة، وهو ما يعزز نظم الاستبداد والفساد ويقاوم الإصلاح والتغيير. وهنا يكون الرهان على البناء الذاتي لإنسان التغيير حين يعتمد الذاتية والفردية في مراحله الأولى ثم المؤسسية المحدودة في مراحل لاحقة، حتى يتكون التيار العام للتغيير فتخرج منه منصات القيادة والإدارة معا.
تكمن صعوبة التحدي في مظنة كل من يسعى للتغيير أنه وحده لا يستطيع أو على الأقل لا يكفي أمام حجم العقبات في مربع الشعب والنخبة، وحجم التهديدات والمخاطر في مربع الحكم والسلطة. من هنا كانت حتمية البناء الذاتي لإنسان التغيير المنشود كل على حدة، لامتلاك المقومات الأساسية من المعارف والمعلومات والقيم والاتجاهات والقدرات والمهارات، تمهيدا لإنتاج التيار الوطني العام الذي يملك كفاية الكفاءات ووفرة المعلومات وتمدد العلاقات وتماسك التحالفات.
صفات ومواصفات
أولا: مخزون المعارف والمعلومات الذي يعتمد الحقائق لا الأكاذيب التي تملء الفضاء العام في الإعلام ومناهج الدراسة ومصادر الثقافة والتي تروج وتسوق للحاكم على حساب حقائق التاريخ وشواهد الواقع، تروج للحاكم المنقذ والمخلص ضد المعارضة التي تتهم غالبا بالخيانة أو العمالة أو ربما الكفر والردة باستدعاء شيوخ السلطان التي تجعل من النصوص الدينية أدوات لخدمة الحكم والسياسة، مخزون من المعارف يعتمد نشر الوعي وتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات وكشف الغطاء عن كل صور الاستبداد والفساد أينما كانت في السلطة أو المعارضة، ليكون الانحياز للحقيقة والعدالة بعيدا عن الأشخاص والهيئات والأحزاب والجماعات.
ثانيا: منظومات القيم والاتجاهات، حين يتبنى إنسان التغيير منظومة القيم الإنسانية الحضارية المستمدة من مصادرها التاريخية والإنسانية والثقافية والدينية وغير ذلك؛ من منظومات الهرم القيمي الذي يبدأ بقبول الذات وقبول الآخر وتكافؤ الفرص والعدالة، وانتهاء بكافة الحقوق الإنسانية اللازمة لحياة تليق بالإنسان لكونه إنسانا، بعيدا عن الخلفيات الفكرية والأيديولوجية التي أرهقت سكان هذه المنطقة من العالم وما زالت.
وأهم ما في البناء القيمي هو بذل الجهد لتقليل الفجوات بين القيم والإجراءات حتى لا يعلن الإنسان عن قيم نبيلة؛ لكن ليس لها واقع في حياته العملية وربما يكون في اتجاه معاكس لها.
ثالثا: خرائط القدرات والمهارات، ويكون التركيز فيها على نوعين من المهارات؛ أولها، مهارات التفكير العلمي، بعيدا عن التفكير العشوائي أو التفكير عن طريق الآخر، خاصة التفكير عن طريق السلطة سياسية كانت أو دينية، والتي يتبنى فيها الإنسان حزمة من الأفكار والقواعد والأقوال والانطباعات والممارسات بل والعقائد بالتبعية والتقليد، دون بذل الجهد في النظر والتمحيص والنقد والتدقيق لتكون لديه القناعات الفكرية والممارسات العملية التي تؤهله للتفاعل المجتمعي المثمر.. وثانيهما، مهارات التواصل الاجتماعي، من لغة خطاب مستقر ومضمون معلن وواضح يتناسب مع المرحلة بتحدياتها وطموحاتها، يساعد الإنسان على التفاهم والتناغم مع من حوله ليعيش عالم الواقع ويدعم في تغييره وتطويره؛ لا في العالم الماضي والتاريخ ولا العالم الافتراضي.