جاء تأييد حكم الإعدام الأخير بشأن 12 من قيادات وقواعد
الإخوان في سجون السيسي ليفتح الجرح الذي لم يلتئم؛ بالسؤال عن ماذا يمكن أن تقدمه الجماعة لتحرير عشرات الآلاف من السجناء داخل سجون
مصر؟ وما هو الجديد لديها في أوراق الضغط وموازين القوى؟ لدرجة مطالبة البعض لها بالاعتراف بالهزيمة والاستسلام، على أمل تحرير السجناء الذين من بينهم عدد كبير من كبار السن والمرضى من أصحاب الحالات الحرجة.
وإذا كان الواقع يشهد بعدم امتلاك الجماعة أوراق الضغط المطلوبة، فهل من الممكن فعلا أن يكون الاستسلام وإعلان الهزيمة أو حتى الاعتراف بشرعية القاتل مخرجا للسجناء وغيرهم من المطاردين والمتابعين والمراقبين؟!
التناول بهذه اللغة وهذا الفكر فيه تجاهل لطبيعة الصراع، وحسن ظن في غير أهله بمن تلطخت أيديهم - وما زالت - بالدماء حتى اللحظة.. نعم كانت هناك منذ سنوات فرص أفضل وكانت تمتلك فيها الجماعة بعض أوراق الضغط، وكان من الممكن التفاهم والتنازل لتقليل التضحيات والخسائر، لكن ذلك لم يتم؛ لاعتبارات سيفتح ذكرها من جديد أبواب الشقاق والخلاف والجرح والألم دون عائد. لذا فعدم ذكرها أسلم لما تبقى لنا من نفوس وقلوب وروابط وعلاقات، فتكرار رش الملح على الجرح وزيادة الألم دون عائد مخالف للعقل والمنطق بل هو عين الحمق.
طبيعة الصراع
- ما نعانيه ليس صراعا سياسيا بين جنرالات
العسكر والإخوان، القائم هو صراع بين المشروع الصهيو-أمريكي الغربي، وريث الاستعمار القديم، والحركة الوطنية العربية الساعية للتحرر الحقيقي والاستقلال الواقعي، ومن مكوناتها الحركة الإسلامية وفي القلب منها الإخوان.
- الصراع ليس محليا ولا إقليميا بل عالميا، والسيسي بعساكره ونخبته الموالية والخليج بغلمانه وملياراته وحتى صهاينة اليهود؛ كلهم أدوات المشروع الاستعماري الغربي في بلادنا ولكل دوره الوظيفي ومصالحه الخاصة.
نعم خاض الإخوان وغالبية الجماعة الوطنية التجربة بسذاجة وسطحية الدعاة والهواة، مع نقص كبير في المعلومات والكفاءات والعلاقات والتحالفات. جاءت التجربة بعد حرمان طال عقودا من الممارسات والحقوق؛ أملا في إنقاذ الوطن وحماية مصالحه، وفي أسوأ الأحوال إذا لم تنجح التجربة فالنتائج سياسية لا أكثر، لكن أن تتحول المنافسات السياسية إلى معارك عسكرية دموية ما كان لأحد أن يظن ذلك؛ لأنه غير كائن أصلا في دنيا الناس وإن كان هو الأصل في دنيا الغاب، ثم كان ما كان.
- موضوع السجناء ليس هو القضية الأساسية، لكنه الطُعم الذي يصطاد به المشروع الغربي الاستعماري وأدواته الهدف الأكبر والأساسي وهو الإسلام، ركيزة الحركة الوطنية العربية. الإسلام كما نفهمه دين ودولة وطن وأمة، شرائع وشعائر ومشاعر.
- هم يريدون إسلاما جديدا لا يعطل مصالحهم لتبقى دول العالم العربي والإسلامي حدائق خلفية لمشروعهم، يريدون العودة بنا لإسلام الصلاة والذكر والموالد والاحتفالات، لا إسلام العقيدة والشريعة والمعاملات والحكم والأخلاق والدعوة والدولة.
- يريدون إسلام الصلاة سلوكا شخصيا وليس عماد دين وقوام دولة.. وأن الحجاب كان يناسب نساء البدو والصحراء دون غيرهن، والشريعة تاريخ ناسب مرحلة مضت ولا تناسب ما نحن فيه اليوم.. نعم الصراع يغلب عليه الطابع الديني والعقدي (راجع تصريحات رؤساء أمريكا من بوش الإبن حتى ترامب).
طبيعة العسكر
ما زال العسكر يفكرون بعقلية محمد علي باشا الذي أقام الدولة من أجل الجيش وليس العكس. كان يرى أن الشعب خادم الجيش في الزراعة والصناعة التجارة والخدمات، وأن الشعب دون المستوى وعليه أن يتبع الجيش دون نقاش. لا يؤمنون إلا بالمعادلات الصفرية (الحصول على كل شيء)، غدروا بقادتهم من الرئيس محمد نجيب إلى الرئيس محمد مرسي (راجع إن شئت كتاب خالد فهمي "كل رجال الباشا"، وكتاب الراحل محمد نجيب "كنت رئيسا لمصر"، وكتاب "كلمتي للتاريخ").
نعم المؤسسات العسكرية هي الوريث الوحيد للاستعمار الغربي الذي رحل وتركها تصنع بنا ما لم يستطع هو صناعته، لذا فالاستسلام للعسكر معناه التنازل عن كل شيء، ومنه التنازل عن حق الحياة، لأنهم لن يسمحوا لأحد بممارسة الدعوة ولا ممارسة الحياة داخل الدولة، وستبقى دوما تحت رحمتهم وسيف بطشهم.
وأخيرا، نعم يعاني مربع المعارضة كاملا العجز وعدم الاستطاعة، لكن لا يكون الاستسلام هو البديل، وإلا تكون الخطيئة بعد الخطأ بحرق وتدمير كل المسارات والطرق تحت أقدام بقايا الأجيال القائمة وكل الأجيال القادمة.
الموضوع يحتاج عقولا وكفاءات وأجيالا بحجم الكارثة لا بحجم ملف
المعتقلين مع أهميته؛ احتياجات إن غابت اليوم ستحضر غدا.. لا للاستسلام، ونعم للصمود والمقاومة قدر الطاقة حفاظا على ما تبقى من الحقوق والأوطان.