رسالة لنواب الشعب، أصحاب رسالة التحرر والتحول الديمقراطي والتنمية والنهوص بالعالم العربي وخاصة في الجزائر..
وهْمٌ كبير عاشته الحركات الإصلاحية الدينية الوطنية، خلال القرن الماضي، وهْم الإصلاح السياسي والمجتمعي من خلال نظام وقوانين وتحت قبة برلمان دولة
الاستبداد.
لعله كانت لدى الإخوان المسلمين رؤية واضحة في بداية الأمر، عند أول محاولة لدخول البرلمان عام 1942، حين كان أول ترشح للشيخ حسن البنا للانتخابات البرلمانية، حيث كان الهدف هو الوصول إلى منصة رسمية مؤسرة لتبليغ الدعوة للتحرر والإصلاح للناس كافة، وخاصة من النواب وأعضاء الحكومة صناع القرار في البلاد، ولم تكن الغاية تحقيق إصلاح سياسي حقيقي.
وأذكر ما حدثني به الأستاذ محمد العدوى رحمه الله ردا على سؤالي عن التزوير المتعمد من النظام في
الانتخابات؛ من أن الإخوان قد حققوا هدفهم من الانتخابات من خلال ما أتيح لهم من حديث مفتوح وموسع مع الشعب المصري، ونيل فرصة طرح فكرتهم ومشروعهم الاصلاحى عبر ما يسمح به من مؤتمرات ومسيرات ودعاية انتخابية.. الخ
أما أمر الحصول على كرسي البرلمان من عدمه فهو هدف تالٍ يسمح بمساحة أكبر وأوسع لطرح الفكرة الإسلامية الإصلاحية داخل البرلمان وأمام عدسات التلفزيون ولمساحة أكبر من الناس، حيث لم يكن الإصلاح السياسي عبر البرلمان مسارا أو مشروعا أو هدفا أساسيا للإخوان.
وكان الهدف والتركيز الأساسي للإخوان المسلمين هو الدعوة والتربية وتحقيق تحولات اجتماعية جذرية في المجتمع نحو الإسلام، تفرز من بين أفراد المجتمع قوى إصلاحية لتحقيق التحرر والتغيير والإصلاح المنشود.
ما أذكره أيضا من حوار وحكمة الأستاذ العدوي؛ أنه أكد لي حينئذ على حرص الإخوان على عدم تحول المنافسة الانتخابية إلى مجال للصراع بين الإخوان وبعض من أفراد المجتمع، عندئذ لا بد أن ينسحب الإخوان بهدف المحافظة على العلاقة الطبيعية الجيدة مع المجتمع، فالإخوان دعاة أصحاب رسالة وليسوا سياسيين منافسين على الحكم.
ما ذكره الأستاذ ممدل العدوي بما يمثله من رمزية دعوية لجيل المؤسسين في دعوة الاخوان، يختلف كثيرا عما حدث بعد ذلك، في أية انتخابات تالية منذ عام 1995 وحتى وصول الإخوان إلى الحكم في 2012م.
وهنا أتوقف لأكشف حقيقة ما جرى من تغير في مفهوم الإخوان حول المشاركة في البرلمان والحكومة بهدف تحقيق تحول ديمقراطي متدرج، يفتح الطريق للإصلاح والتنمية، والذي تأكد تاريخيا أنه مستحيل في ظل نظم سياسية مستبدة، كما أكدته نتائج المشاركة البرلمانية والحكومية للإخوان في الأردن ومصر الجزائر وتونس والمغرب واليمن، حيث لم تفض إلى أية نتائج إصلاحية على مدار ما يقارب الثمانين عاما متتالية؛ منذ 1942م وحى يومنا هذا.
ماذا تعني المشاركة النيابية؟
مشاركة القوى التحررية والإصلاحية في الحياة النيابية تعني عدة تحولات استراتجية في منهج هذه القوى الإصلاحية وعلاقتها بالسلطة، وعلاقتها بالشعب، ومهامها داخل البرلمان.
جوهر التنظيمات الدينية الإصلاحية هو عدم الاعتراف كليا بهذه النظم السياسية القائمة على مستوى الأفكار والأشخاص ومؤسسات وطرق الحكم وإداراتها للبلاد، والعمل على التحرر منها كنظام استبداي غير شعبي، وغير شرعي، وتغييرها بالكلية؛ إما عبر مسار تحقيق تحولات اجتماعية كبرى في ثقافة ووعي المجتمع، وتحقيق الإصلاح التدريجي الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أو عبر تغيير ثورى شامل.
في هذا السياق يمكننا البحث في دلالات مشاركة التنظيمات الدنية في الحياة النيابية:
1- تعني اعترافها بهذ النظام وانضواءها تحت لوائه وقوانينه ونظمه كفصيل سياسي معارض يمثل جزءا من النظام.
2- اعترافا رسميا بوجود ممارسة انتخابية وفرصة لتداول السلطة، ومن ثم شرعية ديمقراطة لهذا النظام الحاكم.
3- انتقالها من ميادين وشوارع المناداة بالتحرر والإصلاح الشامل مع الشعب وبين حاضنته وحمايته؛ إلى داخل البرلمان تحت سيطرة وضغوط وتوجيه النظام الحاكم.
4- قبولها ورهانها على المسار الإصلاحي الجزئي المتدرج من داخل مؤسسة النظام.
5- تحولها إلى أداء دور وظيفي في أجندة هذا النظام.
6- أحيانا يتم اتهام النواب بأنهم ضعفاء ومن ثم حرقهم سياسيا، حيث لم يتمنكوا من تحقيق الأهداف التي وعدوا بها أثناء حملاتهم الانتخابية، والتي وعدت بأهداف وشعارات وتحولات كبيرة، أو على سبيل الإنجازات المحلية المعهودة من نواب الشعب التقليدين التابعين للنظام.
ومع تكرار التجربة، وغياب تقييم نتائج هذه المشاركات عبر ثماني عقود متتالية، غابت الرؤية وضاعت الأهداف، وتحولت هذه التنظيمات في كل دعوة للانتخابات البرلمانية من النظام، إلى حسابات تفصيلية في تحديد مشاركتها من عدمه؛ بعيدا عن الرؤية الكلية للتحرر والإصلاح والأهداف العليا لوجود هذه التنظيمات من أصله.
وبإصرار التنظيمات الدينية على المشاركة وكسب مقاعد نيابية، يمكننا البحث في سبل تفعيل هذه المشاركة، والمقاعد التي تم الحصول عليها، نحو تحقيق الأهداف الأصلية للتحرر والتغيير والإصلاح المنشود، والذي أعلنته وتعاقدت عليه التنظيمات الدينية مع أعضائها من خيرة شباب البلاد العربية ومع مجتمعاتها.
فصل وتمييز مهام نواب الشعب في الحالات المختلفة:
أولا: مهام نواب الشعب في الدولة
الديمقراطية:
- مهام تشريعية تتعلق بتطوير التشريعات السابقة أو تشريع قوانين جديدة.
- مهام رقابية على الأداء الحكومي.
- حلقة الوصل بين الشعب والحكومة.
ثانيا: مهام نواب الشعب في دولة الاستبداد والفساد:
- ممارسة دور الكومبارس لتمرير أجندة النظام في التشريع والرقابة على الحكومة، والصورة الذهنية الديمقراطية المزيفة.
- تحقيق بعض المصالح لأبناء دائرته الانتخابية لضمان أصواتهم في الانتخابات القادمة.
- توظيف المقعد في المجلس والحصانة في جمع أكبر قدر من الأموال لتعويض نفقاته الانتخابية وتعظيم قدراته السياسية في الصراع الداخلى على السلطة.
مهام نواب الشعب أبناء التنظيمات الدينية الإصلاحية- المصلحون الجدد:
يختلف الأمر مع نواب الشعب الحقيقيين بشكل جذرى وكلي:
- التعرف على كيفية إدارة الدولة، والتعرف على مفاصلها، ومراكز القوة والتأثير فيها، تمهيدا لبناء تصور عملي للتعاطي معها مستقبلا، بهدف التحرر والتغيير والإصلاح.
- التدرب العملي على إدارة الشأن العام وشئون الدولة، كبديل قادم يُعد نفسه لتولي السلطة.
- نقل صوت ومشاكل ومطالب وتطلعات الشعب إلى الحكومة.
- استمرار التواجد بين الشعب في الميادين والشوارع وكافة فاعليته التوعوية والإصلاحية، وتعزيز التواجد بينه والتحدث باسمه، والاحتماء به وله.
- محاولة الضغط على الحكومة وتحقيق مكاسب مستمرة في مجال الحريات العامة والحكم المحلي وتحسين مواد الدستور، بما يقلص من قبض الدولة لحساب الشعب والسير نحو التحرر والتحول الديمقراطي والإصلاح.
- تنسيق التعاون مع الشعب لتحقيق العزف الموحد في الميادين والشواع والموزاي له تحت قبة البرلمان، ليشكل ضغطا حقيقيا على النظام من جهة، ويعزز القيمة والقوة المضافة للنواب، بهدف تحقيق أكبر قدر من مكاسب التحول الديمقراطي، مع الحذر الشديد من الاستهلاك والاستنزاف والحرق في ملفات تفصيلية ضمن أجندة النظام، وليكن شعار نائب الشعب لكم أجندة النظام، ولنا أجندتنا الشعبية.