قضايا وآراء

فواتير سد النهضة المؤجلة

هاني بشر
1300x600
1300x600
السياسة هي فن بناء التحالفات حتى مع الأعداء، أما إذا وصل الأمر إلى خسارة الأصدقاء فثمة مشكلة هيكلية في إدارة العملية السياسية، وفي ما عدا ذلك فهي تفاصيل تقبل الأخذ والرد.

وينطبق هذا على علاقة بمصر بمحيطها الأفريقي وخاصة دولة إثيوبيا. فبحكم الأمن القومي، ترتبط هذه الأخيرة بمنابع النيل، وما من حاكم لمصر منذ عهد الفراعنة وحتى العصر الحديث لم يضع عينه على منابع النيل هناك. وبحكم الدين فالكنيسة الإثيوبية الأرثوذوكسية كانت تابعة لبابا الإسكندرية حتى سنوات قليلة مضت، وهي أرض الهجرة الأولى للمسلمين وموطن الملك العادل النجاشي، وبحكم السياسة فهي عمق استراتيجي هام لمصر، وليس هناك منطق لإهمال العلاقة معها خلال العقود الماضية.
أزمة سد النهضة الحالية ما هي إلا إحدى فواتير الأمن القومي المؤجلة والمعروف سلفا قيمتها الباهظة، لكن الاستخفاف والتباطؤ وصل بنا إلى هذه النقطة الحرجة

أزمة سد النهضة الحالية ما هي إلا إحدى فواتير الأمن القومي المؤجلة والمعروف سلفا قيمتها الباهظة، لكن الاستخفاف والتباطؤ وصل بنا إلى هذه النقطة الحرجة. كثيرون تحدثوا منذ سنوات عن أهمية العمق الأفريقي لمصر، إن لم يكن بمنطق التاريخ المشترك والرصيد المعنوي الكبير لمصر عن الأفارقة ومساعدتهم في حروب الاستقلال، فبمنطق الاستثمار والاستفادة من الموارد وحماية الأمن القومي. وللأسف دفعت مصر ثمنا باهظا لمحاولة اغتيال مبارك في العاصمة أديس أبابا، وهو كان يعلم أن إثيوبيا لم يكن لها ناقة ولا جمل في هذه المحاولة، لكن الحادثة عززت من تبديد الرصيد المصري التاريخي في أفريقيا.

إذا خاضت مصر حربا للحفاظ على حقوقها المشروعة فهناك مشكلة كبيرة تنتظرها، وإن لم تخض الحرب فالمشكلة أكبر. هي تلك اللحظات الحاسمة التي تصبح فيها كل الخيارات مؤلمة، فكيف لجبهة غير موحدة في بلد أن تخوض حربا؟ فلم تنتصر مصر أو غيرها في أي حرب من دون تماسك جبهتها الداخلية. وهي في مصر ممزقة متعبة من أثر استقطاب شديد واعتقالات وأحكام بالإعدام، وأصبح الانتظار مضيعة للوقت وتكريسا للوضع القائم بشكل يهدد الحاضر والمستقبل.
إذا خاضت مصر حربا للحفاظ على حقوقها المشروعة فهناك مشكلة كبيرة تنتظرها، وإن لم تخض الحرب فالمشكلة أكبر. هي تلك اللحظات الحاسمة التي تصبح فيها كل الخيارات مؤلمة، فكيف لجبهة غير موحدة في بلد أن تخوض حربا؟

الأمر يحتاج لحلول مبدعة، وهي حلول تحتاج لأفكار خارج الصندوق، وهي طريقة لا يقوم بها سوى المجتمع السياسي والمدني الحر.

يتشابه الواقع الحالي مع سنوات ما قبل حرب أكتوبر 1973 التي كان خيار حرب مصر فيها مستبعدا. كان العبور الأول هو حصيلة تجميع جهود متفرقة عسكرية وغير عسكرية وظهير شعبي قوي، ويمكن القول بأنه عكس كل ما هو قائم في مصر الآن. وبغض النظر عن مآلات المعركة النهائية، إلا أنها أثبتت أن المستحيل النظري يمكن أن يكون ممكنا بشكل عملي، فقط إذا نجح الزعيم في أن يكون قائدا يطلق العنان لجهود وخيال من حوله.
أولها طرح اتفاقية 2015 على البرلمان وعدم التصديق عليها، وثانيها إحداث تغيير هيكلي في طريقة الحكم والإدارة في مصر بأية صيغة كانت، وثالثها هي إشراك الشعب في هذه القرارات المصيرية

ليس هناك دليل كاف على أن مصر لن تموت من العطش. نلاحظ أننا شعب يزيد سكانيا بالملايين باستمرار، لكن العطش ليس أسوأ ما يمكن أن يحدث. السيطرة الجنوبية على شريان الحياة المصري، وبالتالي التحكم في قرارته هو أسوأ كابوس، وهو حلم أوروبي قديم للسيطرة على مصر كما هو معروف. والأسوأ من هذا وذاك أن السلطة الحالية في مصر تحتكر الحديث والتحرك في هذا الملف، على خلاف الجانب الإثيوبي الذي أطلق العنان لمواطنيه في الداخل والخارج، وعلى الصعيدين الشعبي والإعلامي للترويج لوجهة النظر الإثيوبية الرسمية، فلم تستفد مصر من جالياتها في المهجر وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا لتشرح الموقف المصري من القضية وتوضحه للرأي العام في العالم، فما حك جلدك مثل ظفرك.

كثيرة هي الخطوات التي يمكن لمصر أن تقوم بها ما قبل الحرب، ولا تقوم بها لأسباب غير مفهومة؛ أولها طرح اتفاقية 2015 على البرلمان وعدم التصديق عليها، وثانيها إحداث تغيير هيكلي في طريقة الحكم والإدارة في مصر بأية صيغة كانت، وثالثها هي إشراك الشعب في هذه القرارات المصيرية.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)