المشهد مرتبك ومشتبك ونحن أيضا كذلك، قلوبنا ترتجف خوفا على
تونس الثورة والأمل، التي ظننا أنها قد نجت من مكائد المربع الصهيو-خليحي- مصري، ومع ذلك أملنا في الله ثم في شعب تونس كبير وعظيم.
نعم في تونس انقلاب مكتمل الأركان على المسار الديمقراطي ومؤسسات الشعب المنتخبة، لكنه ما زال إلى اللحظة انقلاب هش لا يعدو كونه جملة من التصريحات والقرارات فاقدة المشروعية، ومن الممكن أن تكون فاقدة القيمة والتأثير، طالما ظلت غالبية الأحزاب والقوى السياسية بعيدة عن المكايدة السياسية والانحيازات التنظيمية والأيديولوجيات الفكرية، وتقدمت مصلحة تونس الثورة والأمل على المصالح الشخصية.
التجارب القريبة والقائمة، تؤكد أن أي إنقلاب على إرادة الشعب، وحكم العسكر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هو خسارة كل شيء؛ بداية من لقمة العيش وانتهاء بحرية التعبير، وبينهما كل الجراح والآلام والندم على التفريط في ما منحه الله لنا من نعم.
ما يحدث الآن في تونس صورة كربونية متكررة، فهل تعي القوى السياسية والقطاعات الفاعلة والشعبية أن إظهار ثنائية الصراع بين السلطة والإسلاميين، هو تمكين الانقلاب ودعم الاستبداد وتضييع فرص الحريات والديمقراطية، ثم يفيق الغافل بعد فوات الأوان وقد خسر الحرية ومعها الغذاء والدواء والكساء والإيواء (مصر نموذجا)؟
ما زال البعض يضرب على وتر ثنائية السلطة والنهضة، على غرار العسكر والإخوان، والواقع أكبر بكثير ومصر نموذج حي، فحتى الذين يتكلمون بهذه اللغة من غير الإخوان طالهم الجرح والملح. وعليه، فكتابات النخبة الفكرية الآن حول الخلافات والاختلافات ومن صواب ومن خطأ؛ هو إسهام فاعل لإنجاح الانقلاب.
بعض الشواهد تجعلني أتوهم أحيانا أن الغرب الاستعماري الذي اختار أدواته في المنطقة من الحكام الوكلاء والنخبة الشركاء، قد اختار أيضا المعارضة التعيسة، لندخل في النفق الذي لا خروج منه.
لحظات ودقائق وساعات الاختبار الصعب، تحتاج وحدة صف الأحزاب والنقابات والائتلافات والجماهير وحماية الثورة والمسار الديمقراطي والشرعية، وإلا خسارة كل شيء، نعم كل شيء، وتصبح تونس كمصر دويلة تابعة لصهاينة العرب وصهاينة اليهود.
وكما كان متوقعا؛ هجمة إعلامية وأمنية في تونس، اقتحام وإغلاق مكتب الجزيرة، ومن أمام البرلمان مصادرة هاتف مراسلة "عربي21"؛ لأن اللصوص يخشون ضوء الكاميرا وجلال الكلمة.
وإلى النخبة التي تراهن على الغرب في حقوق الإنسان العربي، ألمانيا تجيب: ما يحدث في تونس ليس انقلابا، أمريكا وأوروبا وروسيا هي وريثة الاستعمار القديم، وحكام العرب وكلاء يعملون لحسابها.. الغرب لن يسمح بدول عربية ديمقراطية؛ لأنها ستأتي بحكومات وطنية منحازة للشعوب.
ولمثل هذه الأحداث والحوادث، يكون التيار الوطني المنشود الذي ينحاز للديمقراطية والقانون والوطن، بعيدا عن حسابات الأحزاب والجماعات والتنظيم والنظام، فالديمقراطية أولا.
ما زالت الأحداث تؤكد أن الولاء للمسار الديمقراطي أعلى وأعظم من الولاء للأشخاص والأحزاب والجماعات والسلطة والمعارضة، فالمسار الديمقراطي هو الطريق الوحيد عالميا ليعيش الإنسان حياة كريمة تليق به.
الساعات التي نحياها الدقيقة فيها بعمر، فهل يقدّر الفرقاء والشركاء أنهم جميعا في مركب واحد، يكفيه خرق واحد ليغرق الجميع؟ اللهم نسألك لتونس وأخواتها النجاة والنجاح.