هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا، أشارت فيه إلى الإهمال الطبي الذي يتعرض له المعارضون السياسيون في سجون النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي.
وفي المقال الذي ترجمته "عربي21"، للكاتب عمرو مجدي، عرض قصص وشهادات تشير إلى الإهمال المتعمد للعديد من المرضى في سجون مصر، بما يخالف القانون الدولي وقواعد الأمم المتحدة بشأن معاملة السجناء.
وفي 25 تموز/ يوليو، صرّحت عائلة عبد المنعم أبو الفتوح، الزعيم المعتقل لحزب مصر القوية، البالغ من العمر 69 سنة، بأنه عانى من أعراض تشبه نوبة قلبية في الليلة السابقة أثناء وجوده في الحبس الانفرادي في سجن طرة سيئة السمعة بالقاهرة. وبحسب الأسرة، طرق أبو الفتوح، الذي كان يعمل طبيبا في السابق، باب زنزانته طوال الليل ملتمسا المساعدة من حراس السجن، لكن دون جدوى.
ويحظى الرجل السياسي أبو الفتوح، المحتجز ظلما دون محاكمة منذ سنة 2018، باحترام واسع في مصر، حيث احتل المركز الرابع في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الحرة والنزيهة الأولى والأخيرة في مصر التي أجريت سنة 2012، بحصوله على أكثر من أربعة ملايين صوت.
في الإطار ذاته، أعرب أقارب أبو الفتوح، في حوار مع منظمة هيومن رايتس ووتش، أنه "يعاني من عدة أمراض خطيرة ومزمنة قبل الاحتجاز، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والسكري، حيث رفضت السلطات طلبه بالخضوع لجراحة البروستاتا المقررة قبل اعتقاله بقليل. علاوة على ذلك، أصيب أبو الفتوح بانزلاق غضروفي في السجن".
اقرأ أيضا: FA: على أمريكا التوقف عن توفير الغطاء لنظام السيسي "الغاشم"
تمثل قضية أبو الفتوح رمزًا لعمليات الانتقام التي يتعرض لها أولئك الذين يجرؤون على التحدث علنًا ضد الحكومة المصرية الاستبدادية، التي تشمل الحرمان الانتقامي وغير القانوني من حقوق المعتقلين في الحصول على رعاية طبية مناسبة.
خلال شهر شباط/ فبراير، اعتقلت القوات الأمنية أبو الفتوح بعد أن أدلى بتعليقات تنتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعا إلى مقاطعة انتخابات 2018 الرئاسية بسبب "غياب المنافسة". منذ ذلك الحين، أبقته السلطات رهن الاعتقال دون محاكمة، حتى تجاوزت الحد الأقصى للاحتجاز على ذمة المحاكمة بموجب القانون المصري الذي يبلغ سنتين.
انتهاكات جسيمة للحقوق الإنسانية
منذ أن قام السيسي بتدبير انقلاب عسكري خلال شهر تموز/ يوليو 2013، عندما كان وزيرا للدفاع، غصّت السجون المصرية بالمعارضين السياسيين من جميع الأطياف، حيث عانى الكثير منهم ما من شأنه أن يرقى إلى عقوبة الإعدام البطيئة بسبب عدم توفير الرعاية الطبية اللازمة بشكل متعمّد.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2019، أي عقب وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي حينما كان في الاحتجاز التعسفي، كتب خبراء الأمم المتحدة أنه بسبب ظروف الاحتجاز في مصر، "من المحتمل أن آلاف المحتجزين الآخرين في جميع أنحاء مصر يعانون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم الإنسانية، وقد يكون العديد منهم معرضين لخطر الوفاة".
وخلص تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في يناير/ كانون الثاني بعنوان "ما الذي يهمني إذا ماتت؟"، ووثق تجارب اعتقال 67 شخصًا في 16 سجنًا، أن "مسؤولي السجن يظهرون استهتارًا تامًا بحياة ورفاهية السجناء"، وأن السلطات تتعمد حرمان المعتقلين السياسيين من "الرعاية الصحية والطعام الكافي والزيارات العائلية".
أُجريت مقابلات مع عشرات المعتقلين وأهاليهم في مصر. وعلى الرغم من ذلك، شعرت بالذهول مما رواه خالد داوود، الصحفي والرئيس السابق لحزب الدستور العلماني المصري (والمراسل المخضرم في واشنطن)، في مذكراته المقلقة حول 19 شهرًا التي قضاها في سجن طرة. وكتب داوود أن السلطات وضعته في زنزانة عرضها ستة أقدام وطولها تسعة أقدام مع اثنين من أساتذة العلوم السياسية البارزين، حسن نافع وحازم حسني، اللذين اعتُقلا في الوقت نفسه تقريبًا.
في شأن ذي صلة، كتب داوود أنه لم يُسمح لكل منهم سوى "بارتداء بدلة سجن قذرة" تسببت لهما في تهيّج بشرتهم، وأجبروا على المشي حافيي القدمين حول السجن وحضور جلسة استماع النيابة. وصف داوود كيف كان عليهم أن يأكلوا من الأكياس البلاستيكية، في غياب الملاعق أو الأواني والسكاكين المصنوعة من أغطية علب التونة. وكانت الزنازين تفتقر للصابون، والماء الساخن شبه معدوم، ناهيك عن أنها سيئة التهوية، وخالية من أشعة الشمس.
بالإضافة إلى ذلك، لم تكن هناك مغسلة، حيث كان النزلاء يغسلون ملابسهم بطرق بدائية، ويعلّقونها داخل زنازينهم، الأمر الذي ساهم في زيادة الرطوبة في السجن. وفي الغالب، كان النشاط الذي يمكنهم ممارسته يتمثل في المشي في ساحة السجن لمدة 30 دقيقة في اليوم. في المقابل، يمكن لحراس السجن منعهم من ذلك. وتعتبر مذكراته بمثابة تذكير واقعي، حيث قال فيها إنه إذا كانت هذه هي الطريقة التي تعامل بها سلطات السجن منتقدين بارزين ومعروفين في الاحتجاز، فمن المحتمل أن تكون ظروف المعتقلين المجهولين أسوأ بكثير.
اقرأ أيضا: شهادات وأرقام صادمة عن الإخفاء القسري في مصر
في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، توفّي أحمد عبد النبي محمود، البالغ من العمر 64 سنة، في السجن، بعد احتجازه لمدة عامين دون محاكمة، على الرغم من مناشدات عائلته، التي تعيش من الولايات المتحدة، المتعددة للحكومة لإطلاق سراحه أو تحسين ظروف سجنه. وكان أحمد من بين أربعة سجناء لقوا حتفهم في غضون 72 ساعة بين شهر آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر سنة 2020.
توفّي مخرج الأفلام الشاب الذي يبلغ من العمر 24 سنة، شادي حبش، في السجن في شهر أيار/ مايو سنة 2020؛ جرّاء تسممه بالكحول. لقد ظل يعاني لمدة يوم أو يومين، ولم يتلقّ سوى رعاية سطحية من طبيب السجن، على الرغم من أنه كان بالإمكان علاجه بسهولة في المستشفى.
القانون الدولي يقول إن صحة السجناء مسؤولية الحكومات
يوضّح القانون الدولي أن صحة السجناء تُعدّ مسؤولية الحكومات. وتتطلب قواعد الأمم المتحدة بشأن معاملة السجناء (التي سميت على اسم نيلسون مانديلا، الذي أمضى 27 سنة في سجن بجنوب إفريقيا) من الحكومات السماح للسجناء بالحصول على الرعاية الصحية اللازمة، وضمان استمرارية العلاج للأمراض المزمنة. في المقابل، تبدو حتى أدنى المعايير سرابا في مصر، حيث يعود ذلك إلى العديد من الأسباب.
أولا، تعتبر السجون غير صحية، بالإضافة إلى عدم توفر رعاية صحية كافية، ناهيك عن طبيعة البيئة في السجن التي تقوض رفاهية أي شخص، وذلك على حد تعبير داوود.
ثانيا، يبدو أنه لا يوجد نظام أو إجراءات رعاية طارئة عندما يعاني المحتجز من حالة صحية طارئة. وبحسب ما أوضح لي الكثيرون، يهرع السجناء إلى الصراخ وقرع أبواب زنازينهم حتى يتمكن أحد الحراس من التواصل مع الضابط الذي يملك المفاتيح. وعادة ما يستغرق ذلك ساعات، نظرا لأن الضابط الذي يمتلك المفاتيح لا ينام في السجن، أو لأن الضباط يستغرقون ساعات ليستوعبوا أخيرا أن هناك مشكلة خطيرة وليس مجرد شخص يدعي أنه مريض.
ثالثا، على الرغم من أن ضباط السجون يشرفون على السجون، إلا أنهم غالبا ما يطيعون أوامر الضابط في وكالة الأمن القومي المصرية سيئة السمعة التي تشرف على سجن معين. والجدير بالذكر أن وكالة الأمن القومي تعدّ الوكالة التي تحشد وتُخفي وتعذب الناس، كما تم توثيق حالات تفيد بأن ضباط الأمن الوطني يستخدمون الحرمان من الرعاية الطبية كعقوبة، حتى وإن كان بإمكان مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم التسبب في مقتل شخص ما في حال تُرك دون علاج.
بالنسبة للسجناء المحظوظين الذين يُنقلون إلى عيادة خارجية، لا يحترم الضباط المكلفون بمرافقة السجين في الكثير من الأحيان مواعيدهم، ما يؤدي إلى وصول السجين إلى موعده متأخرا، بالتالي، يفوّت موعد مقابلة الأخصائي. في الواقع، سمعت هذه القصة عدة مرات من عائلات المعتقلين، وعايشتها مباشرة عندما كنت أعمل كطبيبة في مستشفى جامعة القاهرة، الذي يأتي إليه معظم سجناء المدينة عندما يحصلون أخيرا على إذن بالتدخل الطبي الخارجي.
موقف الحكومات الغربية
لكن أولا وقبل كل شيء، يعود الافتقار إلى الرعاية الصحية في السجون المصرية إلى حقيقة معاملة السلطات الأشخاص المحتجزين بطريقة لا تليق بالبشر. وتعدّ مشاكل الرعاية الصحية بعيدة كل البعد عن كونها مسألة موارد أو إدارة، وإنما مجرد ببساطة مسألة إرادة إنسانية وسياسية.
تدرك الولايات المتحدة وشركاء مصر الدوليون الآخرون أن العديد من المصريين ما زالوا يقاتلون من أجل الكرامة والديمقراطية، وأن حكومة السيسي تعاملهم بوحشية. وبدلا من التعبير عن آرائهم أحيانا مع التركيز على الحفاظ على استقرار علاقاتهم الاستراتيجية مع مصر، يتعيّن عليهم الاستمرار في دعم المبادئ التي يزعمون أنهم يتبنونها بقوة، والتي تتمثل في حقوق الإنسان والديمقراطية.
عموما، لا تستطيع الحكومات الغربية غرس قيم الديمقراطية في مصر، ولكن استمرارها في تقديم المساعدات الأمنية غير المشروطة تقريبا، وعلاقات تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الأجهزة المصرية المسيئة، أضحت تشكّل عائقا إضافيا أمام الجهود المؤيدة للديمقراطية للمصريين الشجعان الذين يدفعون حياتهم ثمنا لذلك.