هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتب الباحث ومدير موقع "ميدل إيست أونلاين"، داوود عبد الله مقالا نشره على موقع المركز بعنوان "هل تريد إسرائيل وقف حربها الأبدية في غزة؟"، أشار فيه إلى أن الاحتلال استفاق في النهاية على الواقع القاتم، وأنه لا يستطيع مواصلة حروبه الدائمة ضد غزة.
وأضاف الكاتب في مقال على الموقع البريطاني، أن هذه الرسالة الرئيسية كانت لوزير الخارجية يائير لابيد في خطابه بجامعة ريخمان في هرزيليا حيث قال: "على دولة إسرائيل واجب إخبار المواطنين أنها لم تترك حجرا إلا وبحثت تحته في محاولة التعاون مع الموضوع الغزي" و"بعد 15 عاما من الحصار المتواصل وأربع حروب مدمرة، لا تزال غزة عصية على القهر".
وشعور لابيد بالعجز ليس جديدا، ففي عام 1992 قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يتسحاق رابين متحسرا: "حاول إرجاعه للمصريين وسيقولون لك أنت عالق به" وأضاف: "أتمنى لو غرقت غزة بالبحر ولكنني لا أستطيع العثور على هذا الحل".
وحل لابيد الذي يريد تقديمه للحكومة هو غريب الأطوار بنفس القدر، فهو يريد مبادلة الاقتصاد بالأمن بطريقة تنهي دوامة العنف والمواجهات على جانبي الحدود.
وحتى لو تبنت الحكومة الإسرائيلية الخطة في شكلها الحالي أو بتعديلات فهي لا تحمل جديدا. ولدى الفلسطينيين الكثير للتحدث عنه بشأن السياسات المعدلة والفاشلة، ويتذكرون آخر الأمثلة بشأن "السلام عبر الازدهار" الذي تقدم به رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. ولم يكن مستغربا عدم شمل غزة في هذا الازدهار. فقد أصبح القطاع تحت سيطرة حماس عندما تولى بلير منصبه كمبعوث للرباعية الدولية إلى فلسطين واقترح أن يتم تخصيص كل العون الدولي إلى السلطة الوطنية في الضفة الغربية. وكانت الخطة تقوم على تحويل الضفة إلى "واحة من الاستقرار والازدهار" وترك غزة تعيش في البؤس والفقر.
اقرأ أيضا: خطة إسرائيلية جديدة حول قطاع غزة.. الاقتصاد مقابل الهدوء
وكان المخططون لهذه السياسة يهدفون لإضعاف حركة حماس وأن يظهروا لأهل غزة ما يمكنهم الحصول عليه لو اختاروا الاعتدال على التطرف. وغادر بلير منصبه في الرباعية بعد عامين، وكشف تقرير أعده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2017 عن تراجع التنمية وقمع الإمكانيات البشرية والحرمان من الحقوق الأساسية للتنمية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأكد التقرير أن نسب البطالة في الضفة الغربية هي من بين أعلى النسب في العالم. وبلغت في عام 2016 18% بالضفة الغربية و42% في غزة. وزادت في نفس العام الواردات الفلسطينية من إسرائيل على الصادرات بـ 206 مليارات دولار مع أن الفلسطينيين كانوا يستطيعون الحصول على واردات أرخص وتنافسية من مصادر أخرى في العالم. ولم يكونوا قادرين على عمل هذا لأنهم كانوا ولا يزالون عالقين في بروتوكول باريس 1994.
وفي الوقت الذي كان يحضر فيه بلير لترك منصبه في 2015 كانت نسبة 26% من الميزانية السنوية للسلطة الوطنية تنفق على الأمن وذهبت نسبة 16% على التعليم و9% على الصحة ونسبة 1% على الزراعة.
ومن المتوقع عدم تحقيق الازدهار والسلام في ظل وضع نسبة 60% من أراضي الضفة الغربية (مناطق جيم) تحت السيطرة الإسرائيلية وحرمان الفلسطينيين منها. ومعظم المناطق التي يمكن أن يستخدمها الفلسطينيون وتعتبر مصدرا للزراعة والسياحة والتعدين هي في "جيم".
وبسبب الاحتلال لا يتم استخدام سوى 21% من أراضي الضفة الغربية الصالحة للزراعة، أما نسبة 91% من الأراضي الصالحة للزراعة بدون مياه ري.
وحتى التقدير المحافظ من صندوق النقد الدولي يرى أنه بدون احتلال، فالناتج المحلي العام للفرد في المناطق المحتلة سيكون حاليا أعلى بنسبة 40% فيما تضع تقديرات أخرى النسبة بـ 83%. والمشكلة في كل هذا هو أن الاحتلال مضاد للتنمية حتى مع وجود النوايا الحسنة.
ولا يستغرب أن تكون دول محور التطبيع على الجبهة الأولى في المصادقة على خطة لابيد القائمة على الأمن مقابل الاقتصاد. وهناك الكثير من الأصوات الحكيمة في غزة رفضت الخطة. فالتنمية بالنسبة لهم هي حق وليس ميزة، والاحتلال ليس حقا، بل هو خيار يقود دائما إلى المعاناة الإنسانية والانحطاط.
ولو أرادت إسرائيل وقف حروبها الأبدية في غزة فعليها اتخاذ القرارات الصائبة وحالا. وبدلا من صيغ معادية وخادعة، فعليها إنهاء الاحتلال والسماح للفلسطينيين بممارسة حقوقهم الوطنية المعترف بها دوليا.