هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال موقع "ميدل إيست آي" إن طلب تركيا شراء طائرات مقاتلة من طراز "إف
16" من الولايات المتحدة يأتي في سياق اختبار العلاقة بين أنقرة وواشنطن.
وكانت
تركيا قد أخبرت واشنطن الشهر الماضي بأنها ترغب في شراء أربعين مقاتلة جديدة من طراز
إف 16 وثمانين طقماً من أطقم التحديث لما لديها حالياً من طائرات ضمن أسطولها الجوي.
وفي ما
يأتي نص التقرير:
يقول
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه ينوي سؤال الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل مباشر
عما آل إليه وضع طلب أنقرة شراء طائرات مقاتلة من طراز "إف 16".
وفي
حديث مع الصحفيين على متن الطائرة التي عادت به من زيارة رسمية إلى غرب أفريقيا قال
الزعيم التركي إنه حينما يلتقي مع بايدن في لقاء مجموعة العشرين الذي يعقد في روما
الأسبوع المقبل فلسوف يسأله: "ما الذي نفعله، ما الذي يجري؟". وأضاف:
"لن نسمح بانتهاك حقوق تركيا بأي شكل من الأشكال."
وكانت
تركيا قد أخبرت واشنطن الشهر الماضي بأنها ترغب في شراء أربعين مقاتلة جديدة من طراز
"إف 16" وثمانين طقماً من أطقم التحديث لما لديها حالياً من طائرات ضمن أسطولها
الجوي.
ونشب
خلاف بين البلدين، وهما حليفان ضمن الناتو وإن كانت علاقتهما تشوبها التوترات، حول
من الذي بادر بالإجراءات، حيث يقول أردوغان إن الولايات المتحدة شجعت أنقرة على التقدم
بعرض الشراء كتعويض لها عن مبلغ 1.4 مليار دولار دفعته مقابل الحصول على طائرات مقاتلة
من طراز "إف 35".
وكانت
أنقرة قد طلبت شراء ما يزيد على المائة طائرة من طراز إف 35 من الولايات المتحدة ولكنها
استبعدت من البرنامج في عام 2019 بعد أن حصلت على أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز
"إس 400"، وأعقب ذلك فرض الولايات المتحدة حظراً على التعامل مع قطاع الدفاع
فيها.
وتقول
وزارة الخارجية الأمريكية إنها لم تطرح على تركيا أي عروض لتمويل الصفقة، وما زالت لم
تتقدم من الكونغرس بأي إشعار رسمي أو غير رسمي حول البيع.
في الأسابيع
الأخيرة، سعى الزعيم التركي للتحضير لاجتماع محتمل مع بايدن حيث سيتسنى للزعيمين تذليل
الصعاب التي تعترض البيع بسبب الخلافات بينهما بشأنه. ولكن ما زال البيت الأبيض لم يؤكد
ما إذا كان الاجتماع سيتم.
وفي حديثه
مع الصحفيين، قال أردوغان يوم الأربعاء: "بطريقة أو بأخرى سوف نحصل على هذا الـ
1.4 مليار دولار الذي هو من حقنا." وأضاف: "أعتقد أننا سوف نحقق نجاحاً (في
روما)".
وقال
مارك بيريني، وهو سفير سابق للاتحاد الأوروبي لدى تركيا وأستاذ زائر في معهد كارنيغي
أوروبا، إن الاجتماع مع بايدن مهم لأردوغان، الذي يتعامل مع أزمة اقتصادية حادة في بلده
ويعاني من تراجع في استطلاعات الرأي.
وأضاف:
"يبحث أردوغان عن شيء مهيب، ومقاومة الولايات المتحدة ينظر إليها في أنقرة على
أنها شيء طيب يحسن من صورة الرئيس."
إلا
أن التوصل إلى اتفاق مع إدارة بايدن جزء واحد فقط من العملية، حيث يمكن للبيع أن يوقف
من قبل الكونغرس، والذي ما فتئ في السنوات الأخيرة، وبشكل متزايد، يتخذ مواقف سلبية
تجاه تركيا.
ويوم
الجمعة قامت مجموعة من المشرعين من الحزبين، يتزعمها الجمهوري غوس بيليراكيس والديمقراطيان
كريس باباس وكارولين مالوني، بتوزيع خطاب داخل مبنى الكونغرس يحث وزارة الخارجية الأمريكية
على معارضة بيع طائرات "إف 16" لتركيا وكذلك معارضة تزويدها بأطقم التحديث.
وجاء
في الخطاب: "نعتقد أن التغطية الإعلامية الواسعة للطلب التركي، وكذلك التصريحات
التي أدلى بها الرئيس أردوغان بنفسه، توفر لنا المبرر الكافي للتصريح بمعارضتنا لهذا
البيع المحتمل".
ما ورد
في الخطاب يعزز تصريحات صدرت الشهر الماضي عن السيناتور الديمقراطي روبرت مينيندز،
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، الذي قال: "من وجهة نظري، لا أرى بيع
تركيا أي أسلحة (أمريكية) جديدة، إلا أن يطرأ تغير دراماتيكي على التعامل مع قضية منظومة
"إس 400" الروسية".
"حليف
ذو مصداقية؟"
في مواجهة
المعارضة الشديدة داخل الكونغرس لبيعها طائرات مقاتلة من طراز "إف 16"، تبرز
تركيا كرائدة في علاقاتها التي تزداد توتراً مع واشنطن.
حتى
هذه اللحظة، يفسر سلوك إدارة بايدن تجاه تركيا في أحسن أحواله بأنه فاتر. فقد تم تعيين
بريت ماكغيرك، المعروف بمواقفه المتشددة مع تركيا، ممثلاً للولايات المتحدة في الحملة
ضد تنظيم الدولة، هذا بالإضافة إلى أن الإدارة تجاهلت اقتراحات سابقة تقدم بها أردوغان
للقاء بايدن.
وجددت الولايات المتحدة اتفاقية دفاع قديمة بينها وبين اليونان، الخصم اللدود لتركيا
في شرق المتوسط، بما يسمح لها بتمديد تواجدها العسكري هناك في الوقت الذي يقترح فيه
البعض أن اليونان قد تكون بديلاً لتركيا من حيث نشر القواعد الأمريكية.
في تصريح
لموقع "ميدل إيست آي"، تقول راشيل إيليهوس، نائبة مدير برنامج أوروبا وروسيا
ويوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "إذا ما تم رفض طلب تركيا شراء
طائرات مقاتلة من طراز إف 16 فلسوف يثبت ذلك أن العلاقة بين البلدين ليست على ما يرام."
وقالت
إيليهوس: "يبدو أننا {أي الولايات المتحدة} لن نبيع للأتراك ما هو موجود أصلاً
في لائحة موجوداتهم. ما يفعله أردوغان هو جس نبض الحكومة الأمريكية من خلال تقدمه بذلك
الطلب."
يوجد
لدى تركيا ما يقرب من 250 طائرة مقاتلة من طراز "إف 16"، والتي بدأت بشرائها
في ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت حليفاً للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ما
يجعلها ثالث أكبر مستخدم لهذه الطائرة المقاتلة في العالم، لا تتقدمها سوى الولايات
المتحدة وإسرائيل.
وفي خطابهم
يوم الجمعة أشار المشرعون الأمريكيون إلى إخراج تركيا من برنامج الطائرة المقاتلة من
طراز "إف 35" بسبب الخشية من أن تكون تقنياتها عرضة للخطر بعد حصول تركيا
على منظومة "إس 400" الروسية معتبرين أن ذلك يكفي سبباً أيضاً للحيلولة دون
إتمام صفقة مقاتلات "إف 16" معها.
وقالوا
في خطابهم: "يشير الخبراء إلى أن تحديث الطائرات المقاتلة من طراز "إف
16" يشكل مخاطر مشابهة فيما لو استمرت أنقرة في امتلاك منظمة "إس 400"
الروسية. فإذا ما أخذنا بالاعتبار أن تحديث مقاتلات "إف 16" يستمر في لعب
دور مهم بالنسبة لنا ولحلفائنا الثقات، فإن في ذلك مخاطرة لا يمكننا القبول بها."
كثيرون
في أنقرة يزعجهم مثل هذا الكلام، ويبدون حرصاً على تبيان أن تركيا تشارك في تمارين
الناتو بطائرات مقاتلة من طراز "إف 16".
وكانت
تركيا قد أرسلت في شهر أيلول/ سبتمبر أربع طائرات من طراز "إف 16" للمشاركة
في مهمات رقابية ينفذها الناتو في بولندا. وشارك طياروها خلال الصيف في تدريبات
مع شركاء التحالف في منطقة البحر الأسود، تلك المنطقة التي غدت نقطة ساخنة في التنافس
مع روسيا، وحيث طالبت تركيا بتواجد أقوى للناتو.
في تصريح
لموقع "ميدل إيست آي"، قال مراد أصلان، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية،
والذي تولى أدواراً متعددة في وزارة الدفاع التركية: "لا يوجد سبب لرفض طلب الحصول
على طائرات "إف 16"".
وأضاف:
"لدينا الآن طائرات "إف 16" من مختلف الموديلات في سلاح الجو التابع
لنا، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع منظومة صواريخ "إس 400". فإذا ما رفضوا هذا
الطلب فسيبدو الأمر سياسياً بحتاً".
"البقاء
في الخلف"
ينظر
إلى قرار تركيا شراء منظومة صواريخ "إس 400" على نطاق واسع باعتباره يمنح
موسكو نصراً ضد الناتو في خواصره الجنوبية. إلا أن التوتر في العلاقات الأمريكية التركية
يذهب إلى أبعد من ذلك.
وذلك
أن تركيا أكثر من مستعدة للقيام بشكل مستقل باستخدام القوة العسكرية في صراعات إقليمية
مثل ليبيا وناغورنو كاراباخ وسوريا، مسببة بذلك الإزعاج للكثيرين في واشنطن.
كما
أن ثمة قلق من دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين، ومن علاقاتها المتوترة مع إسرائيل،
وكذلك من أفعالها في شرق المتوسط.
أما
من وجهة النظر التركية، فأكبر شكاواها ناجمة عن الاعتقاد بأن ثمة عدم التزام من قبل
حلفاء الناتو تجاه الحرب التي تخوضها ضد المسلحين الأكراد، وبالذات ضد حزب العمال الكردستاني.
بينما
تعتبر أنقرة والولايات المتحدة كلاهما تنظيم حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية إلا
أن الولايات المتحدة تساند نظيره السوري المسمى وحدات حماية الشعب كجزء من حملتها ضد
تنظيم الدولة، وهو أمر طالما استاءت منه تركيا.
ولم يلبث
أن زاد أردوغان الأمور تعقيداً حينما تعهد مؤخراً بتصعيد الحملة التي تشنها البلاد
على وحدات حماية الشعب، وذلك بعد مقتل جنديين تركيين في هجوم نفذته الجماعة شمال سوريا.
تقول
إيليهوس: "لم يعد أحد في الكونغرس، وعبر الطيف السياسي بأسره، يؤيد تركيا، وهذا
ما يزيد من صعوبة شراء مقاتلات "إف 16"".
إلا
أن أرضه مولود أوغلو، الشخصية البارزة في قطاع الدفاع التركي، يقول إنه بغض النظر عن
الحديث عن سعي تركيا لاستعادة ما دفعته مقابل المقاتلات من طراز "إف 35"،
فلم يكن أمام أنقرة من خيار سوى التقدم بهذا الطلب.
وقال
في تصريح لموقع "ميدل إيست آي": "لا ينبغي أن يفاجئ ذلك أحداً. وبالنسبة
للتحديث، فهو ماض منذ فترة، وذلك أن مقاتلات "إف 16" تشكل العمود الفقري
لسلاح الجو التركي".
في نفس
الوقت لم يفتأ جيران تركيا يستزيدون لترسانتهم. فها هي اليونان قد أبرمت اتفاقاً لشراء
طائرات مقاتلة فرنسية من طراز "رفائيل" وتقوم أيضاً بتحديث ما لديها من طائرات
"إف 16"، بينما تدعم إسرائيل أسطولها الجوي بالمزيد من طائرات "إف
35"، وتمضي الإمارات العربية المتحدة قدماً في خططها لشراء الجيل الخامس من الطائرات
النفاثة المقاتلة.
وعن
ذلك يقول مولود أوغلو: "تستثمر القوى الإقليمية بكثافة في قواتها الجوية، ولذلك
فإن تركيا تواجه خطر البقاء في الخلف، ما يزيد من أهمية هذا الطلب".
الطائرات
الروسية، هل هي تهديد فارغ؟
يقول
أردوغان إن تركيا على استعداد للبحث عن خيارات أخرى إذا ما تم قطع الطريق على الصفقة
مع واشنطن، بينما يقول رئيس قطاع الدفاع في تركيا إن البلد منفتح على شراء طائرات روسية.
ومع
ذلك يقول كثير من المراقبين إن أنقرة ستكون على الأغلب مترددة في المضي قدماً في مثل
هذا الشراء.
ووصف
بيريني ذلك بأنه "أفضل خيار أخير" لتركيا، وقال إن أردوغان يتعرض للضغط من
بوتين لزيادة المشتريات العسكرية من موسكو بينما يسعى للتعامل مع الهواجس الأمنية على
امتداد حدود بلاده مع سوريا.
أما
مولود أوغلو فيقول إن الحصول على الطائرات الروسية، أو حتى على طائرات من بلد آخر
من بلدان الناتو مثل بريطانيا، سوف يكون خطوة مهولة من قبل تركيا وتتطلب بذل جهود بالغة
التعقيد.
ويضيف:
"سوف يعني ذلك إعادة تشكيل سلاح الجو التركي من ألفه إلى يائه. لا يقتصر الأمر
فقط على شراء طائرات مقاتلة، فكل شيء سوف يحتاج إلى التبديل، من القضايا اللوجستية
إلى التدريب، بل وحتى الذخيرة".
إلا
أن أصلان يقول إنه إذا ما تم رفض طلب تركيا فقد يكون ذلك ثمناً على البلاد أن تكون على استعداد
لتكبده. ويضيف: "سوف تكون روسيا قادرة على فرض إرادتها السياسية أكثر فأكثر، ولهذا
السبب فإن تركيا تفضل شراء مقاتلات "إف 16"، ولكن يبقى خيار شراء طائرات
مقاتلة أخرى قائماً".
وخرج
البعض بفكرة تفيد بأن حصول تركيا على أطقم تحديث لطائراتها القديمة بدلاً من شراء مقاتلات
نفاثة جديدة قد يكون خياراً أكثر استساغة لدى الكونغرس.
تقول
إيليهوس إن ذلك "خيار تنازل" وارد، وتضيف: "بعض المقاتلات النفاثة تحتاج
إلى تحديث وبعضها لا يحتاج، ولكن فيما لو أخرجوا من برنامج طائرات "إف 16"
بشكل تام فإن ذلك سيضر بهم فعلياً".
ويقول
أرضه إن إحدى النتائج التي تمخضت عن حالة الغموض المحيطة بالصفقة هي تعزيز هدف تركيا
بالتوجه نحو إنتاج مقاتلة نفاثة خاصة بها محلياً.
ويضيف:
"يعتبر الإنتاج الوطني العسكري أولوية لدى جميع الفئات السياسية في تركيا، وقد
تعزز ذلك بفعل قضية مقاتلات "إف 16"".
واصطدم
برنامج الطائرة المقاتلة التركية من طراز "TF/X" بعقبات، منها الحصول
على بعض القطع وعلى محركات، إلا أنقرة تزعم أن النموذج الأولي سيكون جاهزاً في عام
2023، وهي الذكرى المئوية الأولى لتأسيس تركيا الحديثة. وتقضي خطتها بنشر الطائرات
في الميدان في مطلع عقد 2030.
وختم
أصلان بقوله: "لا ترغب تركيا في البقاء معتمدة على المساعدة الخارجية في توفير
الأمن".