هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زال موضوع إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس يثير خلافا لدى دولة الاحتلال، التي تزعم أن الولايات المتحدة تهدد بإجبارها، من جانب واحد، على فتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في القدس، وسط تحذيرات إسرائيلية من تسلسل مثل هذه الخطوات، حيث إن عددا من الدول ستتبع خطى الولايات المتحدة في هذا الموضوع، ما ينذر بما يعتبرونه "تقسيم القدس"، بدل أن تكون تحت سيطرة الاحتلال الحصرية.
وقد زاد الإلحاح الأمريكي في هذا الموضوع من فرص تحقق ما يصفه الدبلوماسيون الإسرائيليون بـ"السيناريو المتشائم" حول قصة القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس في غضون أسابيع قليلة، مع العلم أن توماس موبيلس، السفير الأمريكي المعين لدى إسرائيل بدلا من ديفيد فريدمان، سيصل إلى المبنى الشهير في شارع أغرون - المقر الرسمي للسفير الأمريكي حاليًا، وحتى ما يقرب من عامين، ضم المبنى القنصلية الأمريكية في القدس، وأغلقه الرئيس السابق ترامب.
تجدر الإشارة إلى أن مبنى القنصلية الأمريكية عمل لسنوات عديدة لإدارة المصالح الأمريكية في شرقي القدس وأراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتابعا لوزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، وليس للسفارة الأمريكية في تل أبيب.
ويؤكد الإسرائيليون أن خطورة هذه الخطوة، المدعومة من الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، ستكون نقضا للقرار الأمريكي خلال فترة ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
نداف شرغاي الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم، ذكر أن "خطوة الإدارة الأمريكية الجديدة تعني أن القدس ليست مدينة إسرائيلية موحدة، وأنها لا تعترف بضم القدس العربية من الجانب الإسرائيلي، وقد تضع الأساس للسفارة الأمريكية المستقبلية في الدولة الفلسطينية، خاصة أن القنصلية في سنوات مضت ساعدت بإنشاء الهيئات الإدارية والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، تمهيدا للقرار الثاني بإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن".
اقرأ أيضا: محاولة إسرائيلية-أمريكية لتطويق الخلاف حول "قنصلية بالقدس"
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "مجموعة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين من الجناح التقدمي للحزب تقوم بإعداد الأرضية لهذه الخطوة، ومن الواضح أن المسألة تتعلق بالتوقيت، ليس أكثر، لذلك وافق الأمريكيون على تأجيل افتتاح القنصلية لما بعد المصادقة على ميزانية الدولة في الكنيست، وللسماح للحكومة بالاستقرار السياسي".
يرتبط الإسرائيليون بإرث تاريخي سلبي مع القنصلية الأمريكية في شرقي القدس، لأنها بالعادة تبنت الرواية الفلسطينية، وباللغتين العربية والإنجليزية فقط، وحريصة على منع الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، حتى حاولت إدارة بايدن في أيامها الأولى قلب العجلة إلى الوراء، لذلك ففي وقت مبكر من يناير، تم تغيير تعريف السفير الأمريكي لدى إسرائيل على صفحة تويتر من "السفير الأمريكي في إسرائيل" إلى "السفير في إسرائيل وغزة والضفة الغربية".
أكثر من ذلك، فإن بعض الأوساط الإسرائيلية لا تتردد في اعتبار خطوة واشنطن المرتقبة بشأن القنصلية فضيحة، بزعم أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقبل تهديد سيادتها على القدس، رغم الشكوك الكبيرة بالقدرة الإسرائيلية على منع هذه الخطوة على الإطلاق، لأن واشنطن تعلن أن القنصلية موجودة منذ عقود، حتى قبل قيام السلطة الفلسطينية.
في الوقت ذاته، ترى الأوساط الإسرائيلية أن التنسيق مع الولايات المتحدة أمر حيوي ومهم، رغم أن قصة القنصلية أمر بالغ الأهمية، ولا مجال للتسوية فيها، بزعم أنه يخص ما يعتبرونه "روح الدولة"، وأي تنازل عن رفض إقامة القنصلية يعني مساومة على حق إسرائيلي مزعوم في القدس بأكملها، وهو ما شرحه العديد من المبعوثين الإسرائيليين أمام لجان من مجلس النواب الأمريكي، ممن ادعوا أن افتتاح قنصلية في لن يقوض السيادة الإسرائيلية في القدس فحسب، بل سيشكل ضربة قاسية للمكانة التي كانت لإسرائيل في غربي القدس الغربية قبل 1967.
كلما ازداد الانفعال الإسرائيلي، فهذا يعني أن واشنطن بصدد اتخاذ خطوة أحادية الجانب، وتعيد فتح القنصلية، ما سيدفع إسرائيل لأن تستمر بمحاربة هذه الخطوة، رغم أنها تبدو مطالبة بدراسة إن كان بإمكانها تحمل ثمن مواجهة إدارة بايدن، لأننا أمام سؤال استراتيجي، لكنه صراع ترى إسرائيل أنها مطالبة بالاستمرار في خوضه، في ضوء وجود أغلبية كبيرة من الجمهور اليهودي تعارض هذه الخطوة من الولايات المتحدة، وسيكون له تأثير سلبي جدًا على العلاقات مع الأمريكيين.
من الخيارات الإسرائيلية الجاري تدارسها إن أصرت واشنطن على فتح القنصلية في شرقي القدس، اتفاق المعارضة والائتلاف على مشروع قانون يحظر على الدولة فتح أو إنشاء بعثة دبلوماسية في القدس تخدم كياناً سياسياً أجنبياً، بزعم أن مثل هذه الخطوة ليست هناك من كلمات لوصف حجم "الكارثة"، لأنه بمجرد أن تفتح الولايات المتحدة من جانب واحد قنصلية للفلسطينيين هنا، فقد تتخذ المزيد من الدول خطوة مماثلة، ثم تفقد إسرائيل القدرة على وقف العملية في المستقبل.
على الصعيد الداخلي، فإن الإصرار الأمريكي على فتح القنصلية، سيقوض حكومة بينيت-لابيد، ويخدم نتنياهو، لأن هناك وزراء في الحكومة لن يتعايشوا مع هذا القرار، وقد ينقلون دعمهم للمعارضة، مع التقدير بأن الأمريكيين يأخذون ذلك في الحسبان أيضا.