قضايا وآراء

المنصف المرزوقي.. بعض الوفاء

قطب العربي
1300x600
1300x600
فارق بين الرؤساء الذين يتولون السلطة باختيار شعبي وبين أولئك الذين يغتصبونها بقوة السلاح، وفارق بين رئيس حكم فعدل فأمن، ورئيس ظلم واستبد وتجبر فكانت نهايته إلى السجن أو إلى القبر.. من الفريق الأول رئيس تونس الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي، الابن البكر لثورة الياسمين بل للربيع العربي كله، والأمين عليه حتى الآن، الذي بذل كل جهده لإسعاد شعبه، وتنفيذ مطالب ثورته. ويكفيه شرفا أن توقيعه يزين الدستور التونسي الذي استغرق إعداده ثلاث سنوات، والذي يعد باكورة دساتير الربيع العربي، والذي انقلب عليه قيس سعيد مؤخرا لأنه لا يلبي نهمه إلى السلطة المطلقة.

من حقي وحقك أن نختلف سياسيا مع توجهات الدكتور المنصف المرزوقي، لكن هذا الاختلاف لا يسمح لنا بإنكار دوره، داخل السلطة وخارجها، ولا ينسينا مواقفه المبدئية قبل الثورة وبعدها، وقبل الحكم وبعده، ولا يمنعنا من الوفاء له.

من حق التونسيين أن يقيموا قادتهم وفقا لقناعاتهم، ولكنني - وأنا المصري المحب لتونس وثورتها التي كان لها فضل علينا - لا يمكنني أن أتجاهل مواقف الرجل الداعمة للحرية والديمقراطية؛ ليس في تونس فقط ولكن في عموم المنطقة العربية، كيف لا وهو الذي حمل على عاتقه هذه المهمة قبل الثورة وفي ظل عنفوان حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حيث تم حبسه في العام 1994 لمعارضته السياسات القمعية، وهو ما تكرر لاحقا، وحين ضاقت به السبل في المعارضة من داخل تونس توجه إلى فرنسا ليكمل مسيرته من هناك، ولم يعد إلا بعد انتصار الثورة التونسية وهروب ابن علي.
للرئيس المنصف المرزوقي دَين في رقاب كل أنصار الحرية والتغيير في المنطقة العربية، فالرجل لم يقصر معهم يوما، بل كان دوما في طليعة الصفوف، سواء قبل ثورة الياسمين حين ترأس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، أو بعد توليه الرئاسة التونسية، أو بعد خروجه منها

لسنا بحاجة إلى المزيد عن تاريخ الرجل ونضاله من قبل، ولكن الوفاء يلزمنا بتقديم كل دعم معنوي ممكن للرجل الذي يتعرض الآن لهجمة "قيسية قذافية" بغرض الانتقام منه وتشويه صورته، وقد وصل الجنون بساكن قصر قرطاج مبلغا عظيما حين قرر دفع القضاء التونسي لإصدار مذكرة توقيف دولية بحق الدكتور المرزوقي، وذلك على خلفية تصريحات مبتورة للرجل؛ بزعم أنها تحريض على البلاد، ودعوة للتدخل الأجنبي في شؤونها!! ورغم أن تلك التصريحات غير صحيحة من خلال الاستماع لها بالكامل قبل اجتزائها، إلا أن نظام قيس تعامل معه بطريقة تعامل الذئب مع الحمل في القصة المشهورة. هو إذن قرار سياسي انتقامي بامتياز، وإن أخذ شكل مذكرة توقيف قضائية.

للرئيس المنصف المرزوقي دَين في رقاب كل أنصار الحرية والتغيير في المنطقة العربية، فالرجل لم يقصر معهم يوما، بل كان دوما في طليعة الصفوف، سواء قبل ثورة الياسمين حين ترأس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، أو بعد توليه الرئاسة التونسية، أو بعد خروجه منها حين أسس وترأس المجلس العربي للدفاع عن ثورات الربيع.

وللرجل دَين في رقاب المصريين رافضي الانقلاب العسكري من أمثالي، لأنه وقف ضد ذلك الانقلاب منذ أول يوم، بينما كان لا يزال بعد في موقعه الرئاسي، ولم يهتم بعواقب موقفه، والذي دفع ثمنه لاحقا وبشكل سريع في انتخابات 2014 التي تكالبت فيها قوى الثورة المضادة لإسقاطه. والرجل ظل وفيا للرئيس الشهيد محمد مرسي خلال محبسه حيث قاد حملة دولية للدفاع عنه والمطالبة بإطلاق سراحه، أو بعد وفاته حين ترأس مؤسسة مرسي للديمقراطية وحرص على المشاركة في كل فعالياتها.

كان بوسع الرئيس المرزوقي أن يخلد إلى الراحة وقد بلغ من العمر 76 عاما، ولكنه يتحرك كما لو كان شابا ثلاثينيا، لا يترك وقفة أو مظاهرة ضد الانقلاب إلا وشارك فيها من منفاه الجديد في فرنسا، ولا يترك محفلا دوليا إلا خاطبه حول جريمة الانقلاب، وما يتعرض له المعارضون السياسيون في تونس، وهذا هو السبب الحقيقي لصدور مذكرة التوقيف بحقه.
جنى المرزوقي ثمار نضاله مع كل المناضلين عام 2011 بانتصار الثورة التونسية، ووصوله إلى الحكم، وها هو اليوم يخوض معركة نضالية جديدة في أواخر عمره لينقذ بلاده وشعبه من هذا الانقلاب البغيض

جنى المرزوقي ثمار نضاله مع كل المناضلين عام 2011 بانتصار الثورة التونسية، ووصوله إلى الحكم، وها هو اليوم يخوض معركة نضالية جديدة في أواخر عمره لينقذ بلاده وشعبه من هذا الانقلاب البغيض، وسيسعد كثيرا أن ينهي تاريخه بإسقاط هذا الانقلاب مع كل أحرار تونس.

هذا انقلاب محكوم بالفشل وإن طال لبضع شهور، فهو ضد طبيعة الأمور، وضد أحلام التونسيين في الحرية والرخاء، وها هم أحرار تونس يواجهونه بكل قوة، ولا تخيفهم حملات الاعتقال والتوقيف والمطاردة، بل إن الكثيرين ممن أيدوا الانقلاب أو صمتوا عنه من قبل؛ يُغيّرون مواقفهم تباعا بعد جلاء الصورة أمامهم. وأمام هذه المقاومة المتواصلة والمتصاعدة لن يجد قيس سعيد أمامه إلا الرضوخ للشعب الذي هتف شاعره وهتفنا معه:

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ    فَـلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْــــلِ أنْ يَنْجَلِــي     وَلا بُدَّ للقَيْـــدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (3)
Chebbi bahri
الإثنين، 08-11-2021 02:54 م
للاسف جاء الدكتور المنصف المرزوقي في الوقت الخطأ . شعب عاش تحت حكم الديكتاتورية اكثر من نصف قرن لا يمكن في سنتين انت تغير عقله وتقنعه بالحرية والديموقراطية . كما كان للاعلام الفاسد دورا كبيرا في محاربة الثورة وتشويه الدكتور وكل من امن بثورة الحرية والكرامة بتمويل اماراتي سعودي للقضاء على التجربة الوحيدة الناجحة في الثورات العربية
محمد السعيد
الإثنين، 08-11-2021 12:18 م
أشرف رئيس عربي بعد دكتور مرسي
جمال
الإثنين، 08-11-2021 07:01 ص
لا تراجع.