صحافة دولية

WP: رئيس بيلاروسيا حاول استخدام المهاجرين كسلاح فانقلب ضده

نظام لوكاشينكو يكافح الآن بشأن ما يجب فعله مع الآلاف من الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل- جيتي
نظام لوكاشينكو يكافح الآن بشأن ما يجب فعله مع الآلاف من الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل- جيتي

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أشارت فيه إلى أنه بعد شهور من إطلاق الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو العنان لأزمة المهاجرين ضد الاتحاد الأوروبي، استدارت المناورة دورة كاملة.

وذكرت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أن نظام لوكاشينكو يكافح الآن بشأن ما يجب فعله مع الآلاف من الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل الذين استدرجهم من الشرق الأوسط وما وراءه - والرجل الذي يطلق عليه غالبا آخر دكتاتور في أوروبا يحاول حفظ ماء الوجه بعد محاولته معاقبة جيرانه بسبب العقوبات.

حدث أول صدع محتمل في تحدي لوكاشينكو يوم الأربعاء، عندما نقلت حافلات مهاجرين من مخيم على الحدود البولندية. جاء ذلك بعد أن تحدث لوكاشينكو عبر الهاتف يوم الإثنين مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أول زعيمة بلد عضو في الاتحاد الأوروبي تقوم باتصال مباشر مع لوكاشينكو منذ العام الماضي.

وعرضت وكالة الأنباء الحكومية البيلاروسية "بيلتا" مهاجرين على أرضيات خرسانية في مستودع وخيام قريبة في "مركز لوجستي" في بروزجي. وذكرت الوكالة أن السلطات قررت الأربعاء "نقل بعض اللاجئين إلى مواقع أخرى".

يدعي لوكاشينكو أنه "حل" الأزمة في حديثه مع ميركل - دون أن يوضح كيف. لكن الآلاف من المهاجرين تُركوا داخل حدوده. يضع هذا لوكاشينكو في موقف صعب للتعامل مع مشكلة من صنعه بينما يحاول أيضا حماية الصورة التي صنعها لنفسه على أنه الضامن الوحيد لاستقرار وأمان البلاد.

 

اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي: عقوبات جديدة بحق مسؤولين في بيلاروسيا

قد يكون أحد الخيارات، هو إعادة المهاجرين، وهو التراجع بعد شهور من بناء الأزمة بعناية.

يوم الثلاثاء، رشق مهاجرون حرس الحدود البولنديين بالحجارة والأحذية وأشياء أخرى، فيما رد حرس الحدود البولنديون بخراطيم المياه. وبث التلفزيون الحكومي البيلاروسي تغطية حية مع لافتة تقول "الفاشيون البولنديون".

قال أرتيوم شريبمان، مؤسس "Sense Analytics" ومحلل بيلاروسيا في مركز أبحاث كارنيغي في موسكو: "هذا ليس طبيعيا بالطبع، هذا وضع متقلب للغاية وقابل للاشتعال للغاية".

شجب قادة الاتحاد الأوروبي وحلفاؤهم لوكاشينكو –  الذي يتولى السلطة منذ 1994 لكنه حُرم الاعتراف به في العواصم الأوروبية بعد الاشتباه بحدوث تزوير في الانتخابات العام الماضي –  لشنه "هجوما مختلطا"، باستخدام الأشخاص الضعفاء مستغلا أحلامهم في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.

قام هدفاه الرئيسيان، بولندا وليتوانيا، بإيواء شخصيات معارضة بيلاروسية وناشطين وصحفيين فروا من حملات لوكاشينكو القمعية ضد المتظاهرين بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

فرض الاتحاد الأوروبي أربع جولات من العقوبات منذ تشرين الأول / أكتوبر 2020 بسبب الاضطرابات الانتخابية وانتهاكات أخرى، بما في ذلك الهبوط القسري لطائرة ريان إير في أيار/ مايو لاعتقال صحفي.

وافق الاتحاد الأوروبي، يوم الاثنين، على فرض جولة خامسة من العقوبات تستهدف الأفراد والوكالات وشركات الطيران المتورطين في جذب المهاجرين إلى بيلاروسيا.

وقال شريبمان: "في النهاية، إذا قارنت هذا الوضع بما كنا عليه قبل الأزمة، فإن بيلاروسيا تعاني كنظام ودولة. فُرض على نظام لوكاشينكو عقوبات جديدة. كما أن سمعته تضررت". 

وقال البيان الألماني حول مكالمة ميركل مع لوكاشينكو إنها أعربت عن قلقها بشأن الوضع الإنساني للمهاجرين. وأشارت إلى أنها اتصلت بـ "السيد لوكاشينكو"، حيث حذفت عمدا لقب الرئيس.

لكن هذا لم يمنع لوكاشينكو ومناصروه من إعلان النصر يوم الثلاثاء في عالمهم الموازي الغريب.

لكن وفقا لتصريحات وزيرة الخارجية الإستونية إيفا ماريا ليميتس، لم يحصل لوكاشينكو على ما يريد في محادثته التي استمرت 50 دقيقة مع ميركل. وصرحت ليميتس للتلفزيون الإستوني يوم الثلاثاء أن لوكاشينكو طالب أوروبا بالاعتراف به كرئيس ورفع العقوبات.

 

اقرأ أيضا: اتهامات غربية لبيلاروسيا بتأجيج أزمة الهجرة.. ونذر توتر عسكري

قال شريبمان: "أين النصر في هذا؟ .. فأنت لم يُعترف بك كرئيس شرعي. ولكن تم الاعتراف بك كقائد قادر على خلق المشاكل ثم إصلاحها".

وأضاف: "لهذا السبب لا أرى أن هذا اختراق دبلوماسي.. إنها مجرد مسألة إغاثة للرهائن بطريقة ما: أنت تناقشها مع كل من يسيطر على الرهائن، ويتحكم لوكاشينكو بالتأكيد في مصائر هؤلاء الأشخاص".

يأتي كل ذلك وسط خلفية إقليمية متقلبة مع روسيا، الحليف الرئيسي لبيلاروسيا، مما يثير القلق في الغرب.

عززت القوات الروسية وجودها في جنوب روسيا بالقرب من أوكرانيا وبيلاروسيا. حذر وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، روسيا الأسبوع الماضي من "الخطأ الجسيم" المتمثل في الانتقال إلى أوكرانيا، حيث تقاتل القوات الحكومية الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ عام 2014، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

ورد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على بلينكين قائلا: "روسيا لا تشكل تهديدا لأحد".

أصدر لوكاشينكو تحذيرات مثيرة للقلق مؤخرا من احتمال اندلاع الحرب العالمية الثالثة، وقال إنه يريد "عدة فرق" من صواريخ إسكندر الروسية للحماية مما يسميه عدوان الناتو.

ادعى وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس في حزيران/ يونيو أن السلطات البيلاروسية متورطة بشكل مباشر في هندسة الأزمة - مدعيا أن وكالة السفر البيلاروسية المملوكة للدولة داخل الإدارة الرئاسية، تسنتركورورت، نظمت حمولات طائرات من المهاجرين للسفر إلى مينسك والسفر إلى الحدود.

في آب/ أغسطس، نشر المنفذ الإعلامي الاستقصائي Dossier Center، المرتبط برجل الأعمال الروسي المنفي ميخائيل خودوركوفسكي، اتفاقا منذ أيار/ مايو يُظهر أن تسنتركورورت ووكالة سفر بيلاروسية أخرى، أوسكارتور، يوافقان على جلب "سياح" من الدول العربية إلى مينسك. أفاد المركز أيضا أن تسنتركورورت أصدرت مئات التأشيرات للعراقيين، بدعوى "رحلات الصيد"، نقلا عن موظف سابق في  تسنتركورورت لم يذكر اسمه.

وقال شريبمان إن هدف لوكاشينكو من تأجيج أزمة المهاجرين هو إرسال رسالة إلى الزعماء الأوروبيين بشأن العقوبات ورفضهم الاعتراف بزعامته. لكنه أخطأ في التقدير، وقلل من تقدير وحدة الاتحاد الأوروبي في وجه الأزمة.

وأضاف: "كانت الفكرة هي العثور على موضوع حساس يقسم الاتحاد الأوروبي.. ولكن حدث العكس وتضاعفت العقوبات المفروضة على النظام بدلا من تخفيفها".

قال المحلل البيلاروسي المستقل ديمتري بولكونيتس، الذي يدير قناة شهيرة على يوتيوب، إن الموعد النهائي 8 كانون الأول/ ديسمبر لفرض عقوبات أمريكية على شركة بيلاروسكالي العملاقة للبوتاس المملوكة للدولة من شأنه أن يعمق المشاكل المالية للنظام. وتشكل صادرات البوتاس، وهو مكون رئيسي للأسمدة، مساهما رئيسيا في ميزانية الدولة.

تم تصميم فترة الدخول التدريجي لإتاحة الوقت للشركات للعثور على مصادر أخرى للبوتاس وإنهاء التجارة مع بيلاروسكالي.

وقال إن لوكاشينكو ربما استوحى من أزمة المهاجرين عام 2015، عندما عرض الاتحاد الأوروبي تمويلا سخيا لتركيا مقابل اتخاذ إجراءات للمساعدة في وقف تدفق اللاجئين من سوريا وأماكن أخرى. في الأسبوع الماضي، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أوروبا إلى دفع أموال إلى بيلاروسيا للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين.

 

اقرأ أيضا: كيف يصل المهاجرون من الشرق الأوسط إلى بيلاروسيا؟

وقال بولكونيتس: "لكن لوكاشينكو أخطأ في الحسابات ولا يوجد مخرج الآن".

يقول المحللون إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمتع بنفوذ كبير على لوكاشينكو، وقد سمح للأزمة أن تستمر حتى الآن.

لكن بوتين قال يوم السبت إن لوكاشينكو لم يتشاور معه قبل تهديده الأسبوع الماضي بقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا عبر خط أنابيب يمر عبر بيلاروسيا. ثم طمأن بوتين أوروبا بأن الوقود سيستمر في التدفق. ولم يُعد لوكاشينكو التهديد منذ ذلك الحين.

قال بن جودا، الزميل البارز في المجلس الأطلسي المقيم في نيويورك، إن لوكاشينكو نجح في وضع نفسه في قلب نقاش الاتحاد الأوروبي.

وقال جودا: "لقد أوضح للقادة الأوروبيين أنه لن يذهب إلى أي مكان. إنه قوي، ولا ينبغي أن يتوقعوا أن يقوم الثوار بإزاحته في أي وقت قريب".


التعليقات (0)