هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم مرور قرابة ثلاثة عقود على توقيع اتفاق أوسلو بين حكومة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمصافحة التاريخية بين إسحاق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض في أيلول/ سبتمبر 1993، وما قيل حينها عن بداية مسار إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وصناعة ما سمي بـ"السلام بين الشعبين"، لكن هذا المسار وصل إلى طريق مسدود، في ظل السياسات الإسرائيلية الساعية إلى فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين.
في الوقت ذاته، يتواصل التخوف الإسرائيلي مما يسمونه "القنبلة الديموغرافية" الفلسطينية، والتحدي الذي تشكله فرضية الدولة ثنائية القومية، مما دفع كثيرا من الأوساط للكشف أن رابين في حينه لم يكن يسعى للسلام مع الفلسطينيين، بقدر ما كان يهدف لتحقيق تطلع إسرائيلي بعيد المدى لم يكن واضحا آنذاك، ومفاده الحفاظ على الأغلبية اليهودية في إسرائيل، وتجنب نظام الفصل العنصري.
أوري ويرتمان الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والأكاديمي بجامعة جنوب ويلز بالمملكة المتحدة، ذكر في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت، ترجمته "عربي21" أنه "بينما اعتقد الكثيرون في التسعينيات أن اتفاقية أوسلو شكلت اختراقًا تاريخيًا على طريق حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها بالنسبة لرئيس الوزراء إسحق رابين، الذي دافع عن أجندة إسرائيل العسكرية والسياسية، فقد شكلت اتفاقيات أوسلو عملاً أمنيًا، وليس سياسياً، بهدف الحد من تهديد دولة ثنائية القومية".
وأضاف أن "العديد من الإسرائيليين يزعمون بأن توقيع الاتفاقيات مع منظمة التحرير الفلسطينية تجاهل هذه الحقيقة المزعجة، لكن ذلك يعتبر خطأً استراتيجيًا نابعًا من وهم السلام، أما رابين فقد اتبع نهج الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، وجاء تصوره لحل الدولة الثنائية القومية نابعا من فرضية أن عدم وجود أغلبية يهودية بين الأردن والبحر، يعني تهديدا وجوديا".
اقرأ أيضا: بيلين: الإسرائيليون الكارهون لأوسلو يعيشون بأمان تحت ظلها
وبالعودة للأرضية التاريخية التي سبقت اتفاق أوسلو، وقبله مؤتمر مدريد، فإنه حتى اندلاع انتفاضة الحجارة، أعلن رابين تأييده لما عرف في حينه بـ"الخيار الأردني"، لكن الانتفاضة التي اندلعت في ديسمبر 1987 أدت به إلى استنتاج جديد مفاده أن استمرار احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة يقوض الأمن القومي لإسرائيل، لذلك قرر رابين دفع اتفاقيات أوسلو من أجل منح الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتشير الوقائع التاريخية إلى أن توجه رابين هدف لإيجاد انفصال كامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولذلك شكلت عملية أوسلو شاهدا أمنيا متدرجا، وتم بموجبها توقيع ثلاث اتفاقيات رئيسية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الأعوام 1993-1995، واليوم بعد 28 عامًا على توقيع إعلان المبادئ وانطلاق عملية أوسلو، وعلى عكس رؤية رئيس الوزراء الأسبق، شمعون بيريز الرومانسية في شكل شرق أوسط جديد، يبدو أن رؤية رابين الأمنية لخلق فصل سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين صمدت أمام اختبار الواقع.
وفي الوقت ذاته، ومن الناحية العملية، فقد أدت الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال لإنشاء السلطة الفلسطينية، وخلق فصل سياسي شبه كامل بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو وضع يحد بشكل كبير من خطر قيام دولة ثنائية القومية.
وفيما يتعلق برؤية رابين الأمنية، كما عبر عنها في خطابه في الكنيست في أكتوبر 1995، فقد منح الفلسطينيين كيانا أقل من دولة، بينما تحتفظ إسرائيل بجميع الأصول الأمنية مثل غور الأردن، المستوطنات، والقدس المحتلة، مما يجعل من اتفاقيات أوسلو مجرد أداة إسرائيلية لخلق الانفصال سياسياً مع الفلسطينيين، وإن كان جزئياً، وقد كان هذا الهدف الاستراتيجي الأعلى لرابين، وليس السلام كما يزعم أنصار التسوية مع الاحتلال.