هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اندلعت الاحتجاجات في عاصمة كازاخستان “ألماتي” يوم 2 جانفي 2022. كان الفتيل الذي أشعل النار هو زيادة أسعار الوقود. لم ينفع تصريح الرئيس “قاسم توكاييف” بالتراجع عن زيادة الأسعار لوقف الاحتجاجات، بل ازدادت حدة بعد إعلان وزيره للطاقة عدم التراجع عن ذلك، في تعبير واضح عن وجود صراعات في أعلى السلطة وخارجها لا يعرف الشارع كافة تفاصيلها بالضرورة…
تكاد تكون الصورة ذاتها قبل أكثر من 12 سنة في تونس، حادث يبدو معزولا يتمثل في وفاة محمد البوعزيزي يوم 4 جانفي 2011 (أضرم النار في نفسه يوم 17 ديسمبر 2010)، يُخرِج الجماهير إلى الشارع في هذا البلد، وتكون لهذا الخروج تسمية ستُعرَف ببداية الربيع العربي.
تتسارع الأحداث اليوم بكازاخستان، وتتسارع أيضا بتونس بفارق عقد من الزمن؟
هل من علاقة بين الحالتين؟ هل نحن بصدد انتفاضة شعوب أم كواليس لعبة دولية تَدفع الشعوب ثَمنها؟
لا شك الآن أن الشروط الموضوعية للانتفاضة في البلدين كانت متوفرة، ولكن الذي لا شك فيه أيضا أن اللعبة الدولية التي لا نرى المُتحِكَّم فيها كانت خلف السِّتار. وقد تجلى الأمر بوضوح في كازاخستان أكثر من تونس لوجود رهانات قوة دولية كبرى في آسيا الوسطى معادية للغرب لم تكن موجودة في تونس أو في كافة منطقة الربيع العربي، هي روسيا.
بمجرد أن اندلعت الاضطرابات حتى تدخلت منظمة معاهدة الأمن الجماعي CSTO، وهي حلف عسكري (ناتو مصغر) بقيادة روسيا ويضم بيلاروسيا، أرمينيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، بقوات عسكرية داعمة للرئيس “قاسم توكاييف”. وتم في أقل من أسبوع استعادة السيطرة على الوضع وتقرر منذ يومين انسحاب القوات الحليفة المُتدَخِّلة. وانتهى ربيع آسيا الوسطى في كازاخستان.
ليس معنى أن تمت استعادة حقوق الشعب المنتفض، ولا أن تَمَّتْ معاقبة المُتَسببين في ما آلت إليه الأوضاع، أو تم وضع حد للصراعات الداخلية حول السلطة أو حول الثروة، ناهيك عن سعر الوقود… إنما يعني أن اللعبة الدولية مُنِعت من التغلغل داخل البلد. كانت الرسالة الروسية واضحة: لن أقبل بتغيير على الطريقة الغربية في محيط روسيا. يُمنَع الاقتراب من هذه المنطقة تحت أي ذريعة كانت، (ديمقراطية، حقوق إنسان، ربيع الشعوب…)، المسألة لها علاقة بالأمن القومي والمصالح الجيواستراتيجة.
لم يحدث مثل هذا الحسم بتونس على مستوى اللعبة الدولية لذلك استمرت الأوضاع غير مستقرة. وفي ذلك دليل آخر على أن معادلة التغيير أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى لا تُحسَب فقط بالمتغيرات الداخلية، خاصة بالنسبة للدول الصغرى والدول الهَشَّة.. دون حلف متين وقوي ستتلاعب بك القوى الدولية المتصارعة، هذا إن لم تقم بتخريبك تماما أو تَركك تُراوح مكانك عندما لا تتفق. (نموذج اليمن، ليبيا).
ولعل هذا ما يجعلنا نقول أن على الشعوب المتطلعة لتغيير واقعها نحو ما هو أحسن أن ترفع من قيمة تأثير المتغير الدولي في معادلة الصراع إلى أقصى ما يمكن، وأن تتعامل مع الواقع على هذا الأساس. لو كانت تونس مثل كازاخستان أول منتج عالمي لليورانيوم لحُلَّت مشكلتها بين يوم وليلة كما فعلتها روسيا وأيدتها الصين. ولو كانت مثل ليبيا غنية بالنفط لتدخل “الناتو” وحدث ما حدث، ولكنها لا هذه ولا تلك… ومادامت تونس حلقة مُهمة في توازن المنطقة المغاربية، بل هي مؤشر ميزان المنطقة، فينبغي ألا تستقر على حال لكي يستمر نهب ثروات كل الشمال الإفريقي والهيمنة عليه.. ولا نجاة لنا جميعا من هذا الوضع سوى بإعادة فهم معادلة الصراع الدولي لعلنا نستعيد الأمل في النجاة…
عن صحيفة "الشروق الجزائرية"