بدت جريمة نابلس التي قتلت فيها
إسرائيل وبدم بارد
ثلاثة أعضاء من كتائب شهداء الأقصى، التي تتبع نظرياً لحركة فتح، وكأنها تختصر المشهد الراهن في
فلسطين، حيث استمرار جرائم
الاحتلال البشعة، كما التنسيق الأمني مع السلطة المفترض أنها فتحاوية أيضاً، وانفصام هذه الأخيرة عن الشارع الفلسطيني بشكل عام بما في ذلك الجمهور الفتحاوي نفسه. وقبل ذلك وبعده وربما على عكس ما تبدو عليه، فالجريمة البشعة لا ترمم أو تعيد قدرة الرد الإسرائيلية، وإنما تؤكد في الحقيقة مـأزق الاحتلال الاستراتيجي في مواجهة الشعب الفلسطيني العصي على الانكسار والاستسلام.
بداية، قتل جيش الاحتلال بمدينة نابلس، الثلاثاء، وبدم بارد ثلاثة أعضاء من كتائب شهداء الأقصى، جريمة إعدام موصوفة خارج المحكمة، مع الانتباه إلى أن الشعب الفلسطيني يملك حق مقاومة الاحتلال وبكل الوسائل المتاحة، بينما ممارسات هذا الأخير غير شرعية وتمثل جرائم بحد ذاتها حسب المواثيق والشرائع والقرارات الدولية وفتوى محكمة العدل الدولية 2004، وفق القاعدة القانونية الشهيرة إن ما بني على باطل فهو باطل.
جريمة إعدام موصوفة خارج المحكمة، مع الانتباه إلى أن الشعب الفلسطيني يملك حق مقاومة الاحتلال وبكل الوسائل المتاحة، بينما ممارسات هذا الأخير غير شرعية وتمثل جرائم بحد ذاتها حسب المواثيق والشرائع والقرارات الدولية
الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبت بدم بارد وفي وضح النهار تؤكد من جهة أخرى ما ذهب إليه تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي" الأسبوع الماضي، حيت لا تتوقف إسرائيل عن ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده المختلفة، بما في ذلك القتل العمد والتشريد ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت والتضييق على الحريات بكافة أشكالها ومسمياتها وأبعادها، بما في ذلك حقه الطبيعي في السيادة والاستقلال وتقرير المصير؛ الحق الذي يزيل الاحتلال وينتفي بعده بالضرورة، حق
المقاومة المكفول حتى تحقيق تلك الأهداف الوطنية المشروعة.
في سياق ذي صلة، تؤكد ردود فعل وتعليقات قادة جيش الاحتلال من سياسيين وعسكريين، واحتفالهم وافتخارهم بل وتبجحهم بجريمة القتل البشعة وإعلانهم الصريح عن مواصلة نفس الطريق؛ ليس فقط اتباع التمييز والتنكيل ضد الفلسطينيين بشكل منهجي وبما يتناقض مع المواثيق الدولية، وإنما فضح الذهنية العنصرية للمؤسسة الحاكمة في الدولة العبرية حسب ما جاء في جوهر تقرير "أمنستي" السالف الذكر.
بالتأكيد لا يمكن فصل الجريمة عن التنسيق الأمني بين الاحتلال وقيادة السلطة الفلسطينية، وسواء تم التنسيق عينياً أو موضعياً في هذه الحالة أم لا، فإن التنسيق مستمر بمعناه الشامل، ما يعني بالضرورة أن السلطة شريكة عن قصد أو غير قصد بكل جرائم وممارسات الاحتلال، بما في ذلك مساعدته على رسم الصورة الشاملة عن الوضع الفلسطيني بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية طبعاً.
لا يمكن فصل الجريمة عن التنسيق الأمني بين الاحتلال وقيادة السلطة الفلسطينية، وسواء تم التنسيق عينياً أو موضعياً في هذه الحالة أم لا، فإن التنسيق مستمر بمعناه الشامل، ما يعني بالضرورة أن السلطة شريكة عن قصد أو غير قصد بكل جرائم وممارسات الاحتلال
جريمة نابلس جسدت تماماً حقيقة تلك القيادة وانفصامها عن الشارع الفلسطيني بما فيه الفتحاوي، وهي بالتأكيد لا تعبر عن المزاج المقاوم الذي استشهد ثلاثة من مقاتلي كتائب الأقصى فداء له ودفاعاً عنه. ورأينا أصلاً كيف انقسمت بل تشظت الحركة إلى ثلاث قوائم أثناء الاستعداد للانتخابات قبل إلغائها، وتيار السلطة المتنفذ لم يكن يملك فرصة للفوز لا تشريعياً ولا رئاسياً، ولا حتى في أي استحقاق انتخابي فتحاوي صرف.
وبناء عليه وبدون أدنى شك، لا تملك قيادة السلطة الشرعية لتمثيل الشعب الفلسطيني بعد رفض غالبية القوى السياسية الحية المشاركة في الاجتماع الأخير للمجلس المركزي، وإثر تجاوزها كافة ما أنتجته جولات الحوار السابقة، بما في ذلك التوافق الوطني على إجراء الانتخابات لتجاوز الانقسام، وترتيب البيت الداخلي ولو وفق الشروط والقواعد والجداول الزمنية التي وضعتها قيادة السلطة نفسها.
من هذه الزاوية وجهت الجريمة الإسرائيلية البشعة صفعة لاجتماع المجلس المركزي الأخير وأفرغته من محتواه وجدواه، هذا إذا كان قد امتلك أصلاً أشياء من هذا القبيل، كما أظهرت قيادة السلطة على حقيقتها؛ غير ذات صلة وضعيفة وعاجزة عن حماية الشعب الفلسطيني، ناهيك عن قيادته نحو تحقيق آماله الوطنية المشروعة.
أما في تداعيات الجريمة البشعة فهي بالتأكيد لن ترمم أو تعيد قدرة الردع الإسرائيلية المتآكلة في مواجهة الشعب الفلسطيني، بل على العكس تؤكد العجز البنيوي والاستراتيجي للاحتلال، ورغم قتل واعتقال وتشريد مئات الآلاف بل ملايين من أبناء الشعب الفلسطيني عبر مائة عام، إلا أنه لم يستسلم والمقاومة لم ولن تنتهي، والجريمة الأخيرة كما الجرائم السابقة؛ تمثل هروبا منهجيا إجراميا إلى الأمام وتعمّق مأزق الاحتلال ولا تحلّه بأي حال من الأحوال.
كرست الجريمة مرة جديدة وحدة الشعب الفلسطيني والتفافه حول خيار المقاومة، كما رأينا في تشييع الشهداء ومقاربة القوى السياسية المختلفة للجريمة، وكيفية الردّ الوطني الموحد والناجع عليها
وفي التداعيات أيضاً، فقد كرست الجريمة مرة جديدة
وحدة الشعب الفلسطيني والتفافه حول خيار المقاومة، كما رأينا في تشييع الشهداء ومقاربة القوى السياسية المختلفة للجريمة، وكيفية الردّ الوطني الموحد والناجع عليها.
وكما يقول الإعلام العبري عن حق - حتى لو أريد به باطل - فالجريمة ستؤجج المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها، وتصب الزيت على نارها المشتعلة أصلاً في الضفة الغربية وغزة ومن القدس إلى بيتا وبرقة والأغوار.
أخيرا وباختصار، قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن حق أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من قتل واستيطان وتهجير ومصادرة للأراضي تزيد من احتمالات الانفجار الكبير في فلسطين، غير أن أفضل تقييم للسياسة الإسرائيلية بما في ذلك جريمة نابلس الأخيرة كان قد قدمه مسبقاً أحد كبار جنرالات جيش الاحتلال منذ عقدين تقريباً، في ذروة الانتفاضة الثانية، حيث علّق بعد اعتقال خلية مركزية للمقاومة شمال الضفة الغربية أي في المنطقة التي تضم نابلس نفسها قائلاً: "لقد قضينا على خلية أخرى للمقاومة الفلسطينية، وتبقى فقط خلية واحدة عددها ثلاثة ملايين مواطن فلسطيني في الضفة الغربية وغزة"، والآن صاروا خمسة ملايين ولا يزالون على العهد، لا ينكسرون ولا يستسلمون حتى النصر المبين.