قضايا وآراء

تنحي مبارك "اللي كلف مماتش"

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
في مثل هذا اليوم منذ 11 عاما، كنت أصرخ وأغني وأهتف وسط ملايين المصريين: "الشعب خلاص أسقط النظام".

فعلناها، نعم لقد أجبرنا حسني مبارك على التنحي، انتصرنا وانتصرت الثورة، لا زلت أذكر ذلك الهتاف الشهير الذي كان يدوي داخل ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة: "الحرية الحرية مصر هتفضل غالية عليا".

أحد عشر عاما من الأمل الذي يأبى الانكسار، من الحلم الذي يأبى الضياع، من الحرية التي تأبى القيد، انتصر الشعب المصري يومها على ظلم مبارك وبطش حبيب العادلي، وحلم جمال بالتوريث، وفساد علاء في السيطرة على الاقتصاد وأكاذيب ونفاق الإعلام المصري.
يظل هذا اليوم في كل عام يحمل نفس المشاعر والأحاسيس، فقد كان إيذانا بميلاد جديد للشعب المصري بكافة طوائفه، إلا أن مبارك نفسه كان له رأي آخر

يوم تنحي مبارك بالنسبة لمن حضر هذا اليوم في ميدان التحرير هو بمثابة يوم ميلاد طفلك الأول، لحظة صلاة المغرب مساء الحادي عشر من شباط/ فبراير عام 2011، صوت عمر سليمان وهو يعلنها للعالم: قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، والله الموفق والمستعان.. يظل هذا اليوم في كل عام يحمل نفس المشاعر والأحاسيس، فقد كان إيذانا بميلاد جديد للشعب المصري بكافة طوائفه، إلا أن مبارك نفسه كان له رأي آخر.

"اللي خلف مماتش وفي رواية أخرى "اللي كلف مماتش"، كانت هذه العبارة حاضرة بقوة بعد تنحي مبارك، رسمها شباب الثورة في جرافيتي شهير على جدران شارع محمد محمود المؤدي لوزارة الداخلية المصرية، وضعوا فيها نصف وجه مبارك جنبا الى جنب مع نصف وجه المشير الراحل حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في إشارة إلى أن مبارك هو من عين طنطاوي، وهو من رباه وجاء به على رأس السلطة لإجهاض الثورة والقضاء عليها.
السيسي هو التجسيد الحقيقي لعبارة "اللي كلف مماتش"، الرجل يسير بخطى ثابتة على طريق حسني مبارك، تحدث مبارك عن مشروع توشكى وأنفق عليها ملايين بل مليارات الجنيهات، فجاء السيسي ليغرق البلاد بمشاريع مشابهة لا يعلم فائدتها أو جداوها إلا هو، وربما لا يعلم وتلك مصيبة أخرى

خلال العقد الماضي تبين أن مبارك قد كلف وجها آخر غير طنطاوي، ربما متعمدا أو بغير قصد، ولكنه قبل تنحيه بشهور قليلة كلف ضابطا صغيرا بقيادة المخابرات الحربية في مصر، ليصبح بعد ذلك الامتداد القبيح لعصر مبارك ويطيح بالجميع من داخل الجيش وخارجه، حتى يصل إلى رأس السلطة مفتحرا بأنه ابن من أبناء مبارك وبأن معلمه الأول هو المشير الراحل حسين طنطاوي.

السيسي هو التجسيد الحقيقي لعبارة "اللي كلف مماتش"، الرجل يسير بخطى ثابتة على طريق حسني مبارك، تحدث مبارك عن مشروع توشكى وأنفق عليها ملايين بل مليارات الجنيهات، فجاء السيسي ليغرق البلاد بمشاريع مشابهة لا يعلم فائدتها أو جداوها إلا هو، وربما لا يعلم وتلك مصيبة أخرى.. جاء السيسي ليسير على نهج مبارك، فقدم لنا العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين وغيرها من المشروعات العملاقة التي استنزفت الاقتصاد المصري.

كان مبارك ديكتاتورا قمعيا، أطلق العنان لوزير داخليته حبيب العادلي في سنوات حكمه الأخيرة كي يبطش بالمواطنين قتلا واعتقالا وتعذيبا داخل مراكز الشرطة حتى بات أمين الشرطة في عهد مبارك بمثابة رئيس جمهورية يبطش ويأمر وينهى ولا أحد يحاسبه. جاء السيسي ليكمل طريق سيده وولي نعمته الأول، فأطلق يد الشرطة وزاد عليها بالجيش والمخابرات والبلطجية، ثم قرر حماية الشرطة والجيش فقالها صريحة أنه لا أحد سيحاسب إن قتل مدنيا وقد انتهى هذا الزمان إلى غير رجعة.
جاء السيسي ليتعلم الدرس ويكمل طريق مبارك بنفس السياسة ولكن بطرق أكثر صرامة، فأعطى جميع الامتيازات الاقتصادية للجيش وضباطه وقادته، منحهم حق احتكار قطاعات بعينها، سمح لهم بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري

مبارك كان يحب رجال الأعمال ويغدق عليهم الأموال والصفقات والامتيازات حتى أغضب الجيش في أواخر حكمه، فجاء السيسي ليتعلم الدرس ويكمل طريق مبارك بنفس السياسة ولكن بطرق أكثر صرامة، فأعطى جميع الامتيازات الاقتصادية للجيش وضباطه وقادته، منحهم حق احتكار قطاعات بعينها، سمح لهم بالسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، ومن أراد من رجال الأعمال اللحاق بهم فليعمل صاغرا تحت إمرتهم ولا يفتح فمه بكلمة اعتراض واحدة.

"اللي كلف مماتش"، عبارة تلخص حال مصر في 11 سنة من التقلبات والانقسامات وسيطرة الجيش وانقلابه على أول تجربة حكم مدني ديمقراطي، ولكنها أيضا ربما تنطبق على جيل ثورة يناير الذي عايش لحظة تنحي مبارك منذ 11 سنة.

توريث لحظة الانتصار وما عايشناه بعدها من تحول إيجابي في المشهد السياسي والمجتمعي داخل مصر هو واجب وطني على جيل يناير تجاه أبنائه ممن كانوا أطفالا صغارا يوم تنحي مبارك، يجب علينا تربية هذا الجيل على حب الثورة والتمسك بالأمل، فلم يكن منا احد يتوقع تنحي مبارك قبلها بأيام قليل، وكذلك هذا الجيل الجديد، يجب علينا غرس روح الثورة وحب الانتصار في نفوسهم علنا نقرا يوما ما من يكتب عنهم يوم انتصارهم على النظام الحالي قائلا: اللي خلف مماتش.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
السبت، 12-02-2022 09:01 ص
*** بعيداُ عن التجارب الشخصية لكاتب المقال ولغيره، التي هي بالضرورة محدودة، ومتلونة برؤيته للأمور من زاوية واحدة، ومتأثرة بميوله وخبراته الحياتية الضيقة وانحيازاته المتعصبة، ونظرته القاصرة تلك هو وغيره ومن سار على نهجهم، هي التي أدت إلى تأييدهم الأعمى لجبهة الخراب الذين اطلقوا على انفسهم اسم "جبهة الإنقاذ"، وخروجهم وهتافهم لتأييد الانقلاب العسكري مع من ساقوهم كالأنعام السائمة يوم 30 يونيو، وانقلابهم على إرادة الشعب، وعدوانهم السافر على الحكومة الشرعية المنتخبة ودستورها ومؤسساتها التشريعية ورئاستها، التي اختارها الشعب في أول انتخابات ديمقراطية حرة في تاريخ مصر، وهي أهم إنجازات الثورة الحقيقية، وبغض النظر عن من صرخ ومن غنى مع الكاتب ومن هتف معه "الشعب خلاص اسقط النظام" في يناير، فقد هتفوا بذات الهتاف يوم 30 يونيو، وعودة لأحداث يناير، فإن هناك أيضاُ ملايين من الشعب من الجبهة المناؤة الأخرى من صرخ خوفاُ وهلعاُ أن الشعب خلص وليس خلاص، والبلد ضاعت، وسقطت الدولة ووقعت في الفوضى واضطربت احوالها، وتقهقرت عشرات السنوات إلى الوراء، وخسرت كل إنجازاتها، وفي مقدمة من سعى لتجييش هؤلاء، قوى الثورة المضادة الذين سعوا لإسقاط الثوار والقضاء عليهم، والسيطرة على فلولهم من امثال كاتب المقال، وقد استعدوا لتلك المواجهة قبل وقوع أي من أحداثها، حيث لم يكونوا غافلين بعد اندلاع الثورة التونسية أن ثورة شعبية يتوقعونها قادمة لا محالة، ولذلك فقد بادروا باعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين، التي كانوا يدركون بأنها كانت وما زالت هي القوة الشعبية السياسية الأولى المعبرة عن هوية غالبية جماهير الشعب المصري، وفي الصف الأول في المواجهة مع العصبة الفاسدة الحاكمة، وذلك قبل اندلاع أحداث الثورة الأساسية يوم الجمعة 28 يناير، وخروج الجماهير من المساجد بعد صلاة الجمعة في كافة أرجاء مصر، مع عدم المبالغة أو التقليل من دور الوقفة الاحتجاجية المحدودة يوم 25 يناير، وإسقاط مبارك لم يكن في حد ذاته بالإنجاز الكبير، فمبارك بشخصه كان قد انتهى فعلياُ بعد ما يزيد عن خمسة وثلاثون عاماُ منذ أتى به السادات من المجهول ونصبه على كرسي نائب الرئيس، وقد خارت قواه الجسدية ودبت الشيخوخة في قدراته الذهنية والنفسية، وكان قاب قوسين أو أدنى من عتبة القبر، ولكن العبرة هي في الفئات المستغلة لنظام الحكم الاستبدادي الفاسد العميل، والتي تجمعت تحت رايات حزب السادات ومبارك الذي سموه "الحزب الوطني الديمقراطي" تدليساً على الناس وإخفاء لهويتهم الديكتاتورية وعمالتهم، وهذا الحزب رغم تفككه وانحلاله وتشرزم قياداته، فقد أعادوا تنظيم أنفسهم مرة أخرى للانضواء بين قوى الثورة المضادة، وجماهير الشعب الغافل المضلل الذين ساقوهم يوم 30 يونيو، هم الذين سيدفعون ثمناُ غالياُ لقاء هتافهم للانقلاب، ورفعهم لمسخ جديد ليطوفوا حوله وينبطحون تحت أقدامه، وليتربع الجنرال الانقلابي الدجال على كرسي عرش مصر، ليرهنه ويقدمه قرباناُ لقوى المحور الصليبي الصهيوني الجديد، ثمناُ لبقاءه على كرسي الحكم، وليقف على جثث آلاف ممن قتلهم من أبناء شعبه بيد فرق قناصة الموت المتسربلة بالزي الوطني الرسمي، التي دربت وتم غسل عقولها لضمان ولائهم وطاعتهم المطلقة لدجالهم، والأيام سجال، ولينصرن الله من ينصره، والله أعلم بعباده.