هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال المعلق في صحيفة "واشنطن
بوست" ديفيد إغناتيوس، إن غزو روسيا لأوكرانيا تحول مهم في النظام العالمي
ونهاية لنظام قديم وبداية لآخر مع أن شكله يعتمد على نجاح حملة بوتين أو فشلها.
وقال إن هجوم بوتين أعاد أشباح الحرب
التي طاردت أوروبا على مدى قرن. وراقب العالم الهجوم الكثيف بالصواريخ
والقنابل والدبابات والحرب السبرانية على أوكرانيا من ثلاث جبهات. وشجبت
عدة دول الهجوم، ولكن الحقيقة المرة هي أن أوكرانيا تواجه بوتين وحدها.
والنزاع ليس حالة تشبه المشي مثل
النائمين نحو الحرب، كما حاول بعض المؤرخين وصف الزحف الأعمى نحو الحرب العالمية
الأولى عام 1914. فهي قريبة لهجوم مر وانتقامي قام به الزعيم الألماني على الجارة
تشيكوسلوفاكيا عام 1939. ولم يصل بوتين إلى درجة أدولف هتلر بعد، ولكنه يشترك معه
بهوس تصفية الحسابات عبر القوة العسكرية.
وكان استعداد بوتين للتصعيد بكل الوسائل إلى حرب
شاملة واضحا لإدارة جو بايدن ومنذ زيارة مدير سي آي إيه، ويليام جي بيرنز، لـ موسكو في
بداية تشرين الثاني/ نوفمبر. وسافر بيرنز يحمل رسالة تحذير إلى بوتين.
وأخبر بيرنز زملاءه بأن بوتين البارد في حساباته لديه استعداد للحرب. وبدا وكأن الأمر يتعلق بمصير شخصي، حيث يقترب بوتين من سن السبعين عاما. وكانت حساباته هي أن اللحظة باتت سانحة في وقت تعيش فيه أمريكا وحلفاؤها تشتتا مقارنة مع روسيا القوية نسبيا.
اقرأ أيضا: مواقف الدول العربية من الحرب بين روسيا وأوكرانيا (إنفوغراف)
وفي جوهر حسابات بوتين مشكلته مع أوكرانيا
المتحدية والزاحفة بدون هوادة نحو الغرب رغم تحذيرات الكرملين.
وعبر بوتين عام 2008 عن اهتمامه إلى حد
الهوس بأوكرانيا في حوار مع بيرنز الذي كان سفيرا لواشنطن في موسكو. ووصف بيرنز
اللقاء في مذكراته الصادرة عام 2019 بطريقة تجعل قراءته اليوم مثيرة للخوف:
"ألا تعلم حكومتك أن أوكرانيا غير مستقرة وغير ناضجة ووجود الناتو مثير للانقسام
هناك؟"، ووبخ بوتين بيرنز: "ألا تعرف أن أوكرانيا ليست بلدا حقيقيا؟ جزء
منها في شرق أوروبا وجزء هو في الحقيقة روسي".
وأعاد بوتين هذه الكلمات بالضبط
هذا الأسبوع عندما أعلن الحرب، وأوكرانيا تثير أعصابه. ويعتقد كما هو واضح أن روسيا
لن تكون عظيمة بدون السيطرة على أوكرانيا.
وحذرت إدارة بايدن، بوتين، وحاولت ردعه من خلال
التهديد بعقوبات قاسية فرضتها عليه يوم الخميس بعد الغزو مباشرة. واستخدم البيت
الأبيض وسيلة جديدة لتخريب خططه من خلال الكشف عن خططه العسكرية. وأنه يخطط لعملية
"راية زائفة" لاتخاذها ذريعة للحرب بل إنه حتى يخطط للقيام بعمليات اغتيال.
واعتقد المسؤولون أن وابل المعلومات هذا أوقف عددا من خطط بوتين وحطم أيضا السرد
الذي كان بوتين يريد خلقه. ولأول مرة أصبح لدى الولايات المتحدة المبادرة في حرب
المعلومات التي كان الزعيم الروسي ماهرا فيها.
ويعتقد
المسؤولون الأمريكيون أن المسؤولين في الصفوف الدنيا من الجيش والكرملين عبروا عن
شكوكهم من الحرب، لكن التساؤل عن حيويتها لم يصل إلى أذن بوتين.
والآن وقد دخلت القوات الروسية
أوكرانيا فما هي خطط بوتين لإخراجها من هناك؟ فهو يأمل بالحفاظ على القوات
النظامية خارج كييف والمدن الأخرى وإرسال القوات الخاصة "سبيتسناز" و
عملاء "أف أس بي" من أجل تحييد الأهداف. وربما حاول تنصيب حكومة عميلة
له. وعند هذه النقطة قد يفشل تخطيط بوتين كما يعتقد المسؤولون الأمريكيون.
فما لا يعرفه بوتين بحديثه عن وحدة الروس
والأوكرانيين هو أن تنمره نفر الشعب الأوكراني منه.
وشاهد الكاتب المشاعر المعادية
لبوتين عندما زار كييف في نهاية كانون الثاني/ يناير وزادت الآن بعد دخول الدبابات
الروسية إلى شوارع المدن والبلدات وظهرت المقاتلات في الأجواء.
من خلال هجومه غير المبرر فإنه حطم
القواعد القانونية الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية إلى جانب النظام الأوروبي الذي جاء بعد نهاية
الحرب الباردة.
وبات هذا النظام مهزوزا ومصيره استبدال آخر به. وهجوم أوكرانيا يضع زعيما روسيا مستبدا وقياميا ضد رغبات الدول الكبرى بمن فيها الصين، وسيحدد طبيعة النظام الجديد. فلو خسر بوتين معركته على أوكرانيا فسيكون النظام متينا وواعدا، ولو انتصر فإن العصر القادم سيكون خطيرا بالتأكيد.