اقتصاد دولي

مؤشرات سلبية تنذر بتداعيات خطيرة على الاقتصاد المصري

مصر   أسواق   جيتي
مصر أسواق جيتي

مُنيت مصر ببعض الظواهر الاقتصادية السلبية خلال الفترة الماضية؛ نتيجة الاضطرابات السياسية العالمية وارتفاع الأسعار من جهة، واستمرار تداعيات جائحة كورونا وتضرر العديد من القطاعات من جهة أخرى، والتي انعكست بدورها بالسلب على أداء الاقتصاد المصري في ظل تزايد مخاوف المستثمرين الأجانب.

وكشفت بيانات للبنك المركزي المصري عن تراجع صافي الأصول الأجنبية للشهر الرابع على التوالي، وهبطت خلال كانون الثاني/ يناير الماضي إلى نحو 11.8 مليار جنيه (نحو 749.4 مليون دولار) مقابل نحو 37.8 مليار جنيه (نحو 2.4 مليار دولار) في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر، مسجلا أدنى مستوى له على مدار عام؛ نتيجة زيادة الواردات، والتزامات حانت آجالها وسدادها على البنوك المصرية.

وشهدت مصر خروج مئات الملايين من الدولارات من أسواق النقد الأجنبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا الأسبوع الماضي مع إقبال المستثمرين على الفرار من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر أمانا، وفقا لوكالة رويترز.

وانطلقت موجة بيع متوسطة لأوراق الدين المصرية وقفز العائد على الأوراق المقومة بالجنيه المصري بنسب تتراوح بين 30 و40 في المئة في المتوسط، بحسب الوكالة، حيث سحب المستثمرون الأجانب ثلاثة مليارات دولار في بضعة أيام.

في غضون ذلك، أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات تدهور أوضاع الاقتصاد المصري غير النفطي بقوة خلال شهر شباط/ فبراير، وانخفضت ثقة الشركات إلى أدنى معدل لها منذ شهر نيسان/ أبريل 2012، نتيجة المخاوف المحيطة بالتوقعات الاقتصادية.

وانخفض المؤشر إلى 48.1 نقطة مقابل 47.9 نقطة، ليظل بذلك المؤشر في نطاق الانكماش للشهر الخامس عشر على التوالي، صاحبه انخفاض مستويات الإنتاج بقوة في القطاع الخاص غير النفطي، في حين استمر انخفاض شراء مستلزمات الإنتاج والتوظيف، إذ أثرت ضغوط الأسعار في ثقة الشركات وإنفاق المستهلكين.

وما زاد الأزمة ارتفاع عجز الميزان التجاري غير البترولي بمعدل 26.1% ليسجل نحو 11 مليار دولار خلال الفترة من تموز/ يوليو إلى أيلول/ سبتمبر 2021، مقارنة مع 8.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020، وفقا للبنك المركزي المصري.

ظواهر سلبية وتحذيرات

ورصد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور هاني توفيق بعض الظواهر الاقتصادية السلبية؛ مثل: استمرار انكماش القطاع الخاص المصري للشهر الـ 15 على التوالي، وارتفاع أسعار العديد من السلع مؤخراً، وبنسبة مبالغ فيها نتيجة إما التضخم العالمي أو تكلفة الشحن وجشع التجار.

فضلا عن انسحاب نسبة ضخمة من الاستثمارات الأجنبية من الأسواق الناشئة، ومنها مصر، وعودتها إلى ملاذاتها الآمنة ما أدى ذلك إلى انخفاض حاد ومستمر في صافي الأصول الدولارية بالبنوك المحلية.

إلى جانب تدهور قيمة كافة العملات أمام الدولار، ما سيؤدى بلا شك إلى تحرك سعر الدولار وخلق سوق موازية فى مصر إذا لم يتم تحريك سعر الدولار تدريجياً بالبنوك ومنحه المرونة اللازمة للاستجابة لقوى العرض والطلب تحت الظروف السلبية المحلية والعالمية الحالية.

ووصف توفيق الوضع بالخطير وعواقبه وخيمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي إن لم يتم التحرك لاحتواء هذه المتغيرات، وبأسرع وقت ممكن، لا سيما أن الأمور في العالم كله، تتدهور بسرعة رهيبة.


مآلات خطيرة على الاقتصاد

ورأى الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال، الدكتور محمد رزق، أن "مصر تمر بمنعطف اقتصادي حاد يدفعها إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية"، مشيرا إلى أنها "إن لم تحرك سعر صرف الجنيه مقابل الدولار فسوف يتم إجبارها على فعل ذلك بسبب الضغط على الجنيه والحاجة إلى النقد الأجنبي لتلبية احتياجاتها وسداد التزاماتها".

وأوضح لـ"عربي21": "لذا من الأفضل أن تقدم الحكومة المصرية على تلك الخطوة الآن (تحريك سعر صرف الجنيه)، ومن ثم يمكنها التحكم في سعر الصرف كما حاصل منذ عملية التعويم، وهذا يسمى اقتصاديا التعويم المدار، وفي حال تركت الحكومة الأمر لآليات السوق فقد تفقد السيطرة على سعر الصرف وخسارة المستثمرين في الأموال الساخنة".

وبشأن أسباب انسحاب جزء من رؤوس الأموال الساخنة في أدوات الدين المصرية، أكد رزق أن "هناك عدة أسباب من أهمها أن السوق لم يعد آمنا، والمقصود بذلك استمرار استحواذ الجيش على مفاصل الاقتصاد، وارتفاع تكلفة اقتراض المال الساخن، وبالتالي البحث عن أماكن أكثر استقرارا و أرباحا أعلى".

وحذر الخبير الاقتصادي من تداعيات استمرار انخفاض الأصول الأجنبية في مصر للشهر الرابع، وانخفاض مؤشر القطاع الخاص للشهر الـ 15، قائلا: "من شأن ذلك انكشاف مراكز البنوك المالية وربما إفلاسها إن لم تتدارك الأمر بشكل صحيح".

وصفة صندوق النقد الدولي

بدوره شجب أستاذ الاقتصاد بالجامعات المصرية، الدكتور عبد النبي عبد المطلب، "سياسة الهرولة وراء صندوق النقد الدولي لتطبيق برنامج غير مدروس، قائم على جذب الأموال الساخنة، وهذا النهج من البداية كان خطأ".

وتعليقا على تلك المؤشرات الاقتصادية أكد أن "عدم السعي لتعبئة المدخرات المحلية، وتشجيع الإنتاج المحلي وتذليل العقبات أمام الاستثمار المحلي كان وما زال خطأ، والمطلوب حاليا إصلاح ما أفسده صندوق النقد الدولي في مصر".

وطالب عبد المطلب بأن "يكون لدى الحكومة المصرية رؤية التنمية الذاتية، تقوم على التوازن بين تشجيع القطاع الخاص المصري، ودعم الطبقات الأكثر احتياجا في المجتمع المصري، وهذا لن يحدث إلا إذا تجاوزنا حالة عدم اليقين الموجودة حاليا بين رجال المال، ورجال السلطة، والشعب، فإذا كان الشعب ينظر للدولة باعتبارها خصما، فإن رأس المال المصري ينظر للدولة على أنها عدو".

التعليقات (0)