كتاب عربي 21

أرانب الأخبار وسلاحفها

أحمد عمر
1300x600
1300x600
قديما؛ كان الشاعر هو وكالة الأخبار، وكان يبدأ النشرة الشعرية موزونة على البحور، بأخبار حبيبته المبحرة في لجج فؤاده المعنّى، وأخبار منزلها الأول وفعل الرياح بها. وشاءت الأقدار أن تقع الشعوب في حب الملك والرئيس فتبدأ نشرات الأخبار بذكره وذكر منزله المنيف، وضيوفه واحدا واحدا استقبالا ووداعا، وأخبار فتكه وبطشه بالأشرطة الحريرية بالمقص الذهبي طعناً وضرباً، حتى يثخن في الأرض. ثم تطورت إلى الراوية في القصر الذي يدوّن الأخبار ثم إلى الإذاعة ثم إلى آلة التلفزيون والنشرة الإخبارية التي تبدأ بقطعة موسيقية ملحمية.

ومنذ أن بدأت رحى الحرب الروسية الأوكرانية، ونهر أحمر اللون يجري أسفل الشاشة بعاجل الأنباء. الحرب والحب لونهما أحمر، الخسارة لونها أصفر، أما النصر "فسكوب" بالألوان الخلابة.

ظهر الشريط الأحمر أسفل الشاشة بالأخبار، وكان ذلك بدعة من البدائع الإعلامية، فهي حياة تجري من تحتها أنهار السياسة، ويعود فضل استحداثها ل‍شبكة سي إن إن (CNN) الإخبارية الأمريكية أثناء تغطيتها حرب الخليج عام 1991م، وشاع استخدامه أواخر تسعينيات القرن الماضي. ويعرض الشريط الإخباري أخبارا تتدفق من اليسار إلى اليمين أو بالعكس، حسب مد اللسان يمينا أو شمالا، كما يتم تحديد سرعة الأخبار الثانوية حسب الرغبة، تربيعا أو تسريعا، هرولةً أو تهاديا، خيزلى أو هيذبى كما يقول المتنبي في وصف مشي الغيد الحسان.

وما لبث مهندسو الأخبار المصورة أن زوّجوا صورة الخبر العاجل بنفير سمعي ينبه الساهي والغافل إليه، فأشركوا حاسة السمع بحاسة البصر تنبيهاً وتعظيماً. ويزعم زاعمون من محبّي الأجهزة ثلاثية الأبعاد أنّ الخبر قد يُصحب بصفعة، وأخبار الحروب والغلاء وارتفاع الأسعار أشدّ على المرء من وقع الحسام المهند.

وترفع وكالات الأنباء أخبارها الأثيرة في منازل الشرف والسؤدد تقديماً وتأخيراً، أو تصديراً وتذييلاً، أو إبرازا وتغميضا، فتصنف ما تشاء في الصف الأول، صف العاجل، وتؤخر ما تشاء في الصف الأخير، سطر الخبر الراجل.

وقد ورد خبر تصريح لرئيس روسيا البيضاء المؤبد في الحكم (دوبلير رئيس روسيا بوتين) في صفوف الأخبار الخيالة، يقول: إنّ من حق روسيا ألا تكون أوكرانيا منطلقاً لإلحاق بها من أوكرانيا، أو الخبر الذي ذكر أن رئيسي فرنسا وروسيا تهاتفا وتبادلا القلق على المدنيين في أوكرانيا، وهما من الأخبار الراجلة.

إن الأخبار تتجنب تحليل وصف بوتين القوميين الأوكران بالنازيين، بل إن بوتين نفسه عرّض بالنازية تعريضاً، وهو يريد نقيضها. هناك أخبار تقال بالتورية والكناية خوفاً من تهمة اللا سامية في عالم البيض، وقد سمحوا لنا بها دهراً في "الشرق الأوسط"، لأنهم يدركون أنّ المسلمين ساميون ولا يؤمنون بصلب المسيح، وأنّ المتهم بقتل المسيح بريء من القتل فقد رُفع إلى السماء. فالتهمة السائدة في ربوعنا هي الإرهاب.

ويعلم المرء أن الأخبار قد كثرت حتى أنّ فضائية لها عدة جداول إخبارية تجري من تحت منازل الصور في ثلاثة جداول، جدولان أسفل الشاشة، وجدول فوقها، ونجد في غرف الفضائيات شاشة فيها عشرات الشاشات، يتابع فيها المذيعون والمحررون أخبار العالم كأنها بورصة أخبار. ومن يدري قد نجد يوماً من يلوّن الأخبار العاجلة بحسب خطورتها، أحمر للعاجل السابق الخطير، والفضي للخبر المصلّي، والبرتقالي للخبر الراجل على عكاز. اللون الأحمر هو لون جداول الأخبار الأشهر.

اختارت فضائية سكاي نيوز العربية الإماراتية اللون الأصفر الفاقع لأخبارها العاجلة، ونجد أخباراً عاجلة وأخرى موؤودة. نُقل عن جمال عبد الناصر قوله: ما لا يظهر في الإعلام في حكم العدم.

تقول وصيةٌ إعلامية قديمة إن كلباً عض رجلاً ليس بالخبر، فالكلاب تعضُّ أحيانا، وإنّ الخبر هو أن يعضّ الرجل الكلب. وفي هذه الأيام نكاد نسمع أخبارا عجيبة تشبه خبر عضّ الرجل فخذ النملة! ألا يشبه خبر مهرجان موسم الرياض في بلاد الحرمين الذي لم يرد في الأخبار الراجلة ولا الأخبار العاجلة؛ خبر عضّ الرجل لفخذ النملة؟

أما الأخبار وتحليلاتها في شبكة يوتيوب المستباحة مثل سوق الخميس، فهي كثيرة الأكاذيب، وقد أودت بالسادة والأشراف بسبب حب الناس للمال وضرورات الحضور والكسب السريع والطمع في كنوز الإعجاب. وقرأت في التحليلات أن ابن سلمان تحدى الغرب بإعدام 81 رجلاً مستغلاً غبار غزوة أوكرانيا، وأرى أن الغرب سعيد بالخبر، وأن ابن سلمان ملك نجيب يعرف واجباته، وأن الملوك العرب بارعون في الحنكة الحربية، واستغلوا انشغال العالم بأخبار غزو أوكرانيا فرفعوا أسعار الخبز في دولتين عربيتين أو ثلاث وحاصروا شعوبهم، وسيشرعون في تحرير القدس من أوكرانيا بعضهم مع بوتين وبعضهم مع بايدن. وإنّ الخبر الأعجب من خبر إعدام المذكورين الواحد والثمانين، أضاحي مهرجان الرياض وآلهة الرعب، هو خبر مشاركة نحو مليون سعودي فيه بالرقص وارتداء أزياء الوحوش الأمريكية، وكان بينهم من يرتدي زي روّاد الفضاء!

لقد بدأت عاصفة الحزم الحقيقية يا صاحبي الذي رأى الدرب دونه.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
الثلاثاء، 22-03-2022 11:19 ص
دور الإعلام التقليدي " الصحافة ، المجلات ، التلفزيونات ، الإذاعات " كان هاماً قبل وصول الانترنت إلى عالمنا العربي قبيل بداية القرن الحادي و العشرين بقليل ثم أخذ دوره ينحسر . كان بعض أبناء جيلي من كبار السن يقرأ الصحيفة "مثل الأهرام المصرية أو الحياة اللبنانية " أو المجلة " مثل الحوادث اللبنانية أو آخر ساعة المصرية " من أولها لآخرها من دون كلل أو ملل و أحياناً مع تكرار القراءة ، و عند متابعة الإذاعات "كان الواحد منا يضيع وقتاً ثميناً مثلاً و هو يستمع لتحليلات محمد حسنين هيكل " أما التلفزيونات فكانت التمثيليات فيها أجدى من الأحاديث السياسية حتى ظهرت قناة الجزيرة القطرية فجذبتنا إلى مشاهدة برامجها السياسية . أحدثت بعض مواقع الانترنت و وسائل الاتصالات و التواصل تغييراً هائلاً في دور الإعلام و على الأخص لدى الجيل الشاب من أبناء أمتنا . صار شبابنا يقرأ أخباراً و مقالات و تعليقات قصيرة و امتنع عن الطويل من هذه الأمور بشكل عام ، و بالتالي حلَت السطحية مكان التعمق . أضحينا نسمع "أعطني القصة من الآخر أو خلاصة الكلام" . هذا التغيير بين الأجيال كان يعني أن جيل "الأمل" لديه معلومات كثيرة متناثرة لكنها خداعة في إيهامها للشباب بأنهم واسعي الثقافة و قد تغري بعضهم بالتطاول على ذوي الشيبة و ربما عدم توقيرهم . من الضروري ، و من دون إثارة حساسية ، أن نجعل شبابنا يدركون ضحالة مخزونهم و أن عليهم أن يكدَوا و يتعبوا لرفع مستواهم الفكري و الثقافي و للتمييز بين الغث و السمين - في عالم يسيطر عليه دجالون مضللون - و لمعرفة ما يؤخذ و ما لا يؤخذ . شبابنا بحاجة إلى تعليم يقوم بتقوية الملكات الذهنية و لا يحتاج إلى كمية معلومات كبيرة لا تنفع و يطويها النسيان . ما يعجبني في مقالات الأستاذ أحمد عمر – حفظه الله – أن مقالاته تحفز على التفكير و التحليل و في ثنايا مقالاته توجد عبارات بعيدة المرمى و حسنة المغزى .
الكاتب المقدام
الإثنين، 21-03-2022 09:50 م
*** خلعنا عليك يا احمد عمر تاج الجزيرة (السلطانية)، وخلعنا عليك هنا لمن يجهل معناها بمعنى "ألبسه ثوبًا أو أعطاه منحةً"، وليس كما يظن بعض الجهال المحدَثين بمعنى "خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأتَهُ (خُلْعاً): أي طَلَّقَهَا بِمَالٍ تَبْذُلُهُ لَهُ، كما يفتي بذلك مفتي المصريين"، أي انعمنا عليك يا احمد عمر بإلباسك عمة الشعر الكبرى، بعد أن أمرنا بمصادرتها وخلعِها من على رأس هذا المتنبي الدعي، الذي يتقعر ويتعالى علينا، ويهرف بكلمات لا نفهمها، وعقاباً له على قوله لنا ما قد يكون إنقاصاُ من شأننا وتقليلاُ من أمرنا وسخرية منا: "خيزلى أو هيذبى"، وما شأننا نحن بما "يقول المتنبي في وصف مشي الغيد الحسان."، فمن هو هذا التافه الأفاق المدعو (الغيد بن حسان)، وكيف يجرؤ المتنبي هذا على إضاعة وقتنا معه بوصفه لكيفية مشيه؟ ألا يعلم هذا المتنبي أن ورائنا ما هو أهم وأخطر من شئون البرية، وألا يعلم بأننا منشغلون الآن بمتابعة أنباء العركة الناشبة في بلد يسمونها اوكرانيا، وما زلنا في حيرة من أمرنا، من نؤيده في تلك العركة ومن نقف ضده، ومن سنهجوه ومن سنمدحه، ومن منهما يحمل صرة المال الأكبر ليجود علينا بكرمه، أهو بوتين المصارع الكهل القديم، أم هو هذا الشاب الأرعن المشخصاتي (الأراجوز) فولوديمير زيلينسكي؟ فاتركنا أيها المتنبي في حالنا وحيرتنا وانشغال بالنا، واهجرنا هجراُ جميلاُ، حتى نعلم الخبر اليقين، فيمن سيكون له النصرة، فنسير في ركابه، ونطبل له ونزمر، ونقول له ألم نكن معكم، وننصركم على من يعاديكم؟.