قضايا وآراء

البحث عن شرعية الأمم المتحدة في الحرب الأوكرانية

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

هل لاحظتم الحيص بيص القانوني (بمعنى القانون الدولي) في كل محطات الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا؟ وما تبعها من "حيرة منظمة الأمم المتحدة" أمام هول المفاجأة وسرعة خطى الغزو وأمام ردود فعل كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وحكومة كييف والإدارة الأمريكية: ردود الفعل المتتالية والمترددة والمرتعشة؟ 

نعم لأنه ليس من اليسير على الأمانة العامة للمنظمة الأممية ولا على مؤسساتها (مجلس الأمن والجمعية العامة والمنظمة الأممية لحقوق الإنسان والمفوضية الأممية لقضايا اللاجئين) أن يقع البت في تحديد مدى إحترام هذا الطرف أو ذاك للقانون الدولي وميثاق المنظمة أو حتى أعراف الدبلوماسية التي جاءت بها معاهدة فيينا لسنة 1961، أو مجرد تذكير الأطراف المتحاربة بميثاق أممي قديم (من سنة 1947) يتعلق بما سمي أنذاك بقوانين الحرب وعدم الإعتداء على المدنييين و لمنشأت المدنية! 

كل ما صيغ من قوانين وما صدر من قرارات عن الأمم المتحدة تحول إلى امبراطورية ورق لم تعد تعني شيئا أمام بوتين والرئيس الأوكراني والأطراف الأخرى على كثرتها المورطة بإرادتها أو رغما عنها في هذه الحرب التي بلغت الشهر، أمثال حكومة بيلاروسيا وحكومات منطقة (الدمباس) وقادة دول حلف الناتو ورؤساء الـ 27 دولة أعضاء الإتحاد الأوروبي.. 

ولعل الرأي العام العالمي هو الوحيد المناشد للأمم المتحدة بأن تحدد من المعتدي ومن المعتدى عليه في نظر القانون الدولي، طبعا خشية أن تتسع الحرب لا قدر الله ويمس القصف مفاعلات نووية بما يصدر عنها من إشعاعات خطيرة جدا وطويلة التأثير الصحي على الإنسان والإنتاج الزراعي كما وقع في تشيرنوبيل! 

 

كل ما صيغ من قوانين وما صدر من قرارات عن الأمم المتحدة تحول إلى امبراطورية ورق لم تعد تعني شيئا أمام بوتين والرئيس الأوكراني والأطراف الأخرى على كثرتها المورطة بإرادتها أو رغما عنها في هذه الحرب التي بلغت الشهر، أمثال حكومة بيلاروسيا وحكومات منطقة (الدمباس) وقادة دول حلف الناتو ورؤساء الـ 27 دولة أعضاء الإتحاد الأوروبي..

 



وفي هذا الصدد سوف نحاول فك طلاسم المواقف الأممية منذ أن اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام الجمعية العامة للمنظمة الدولية أنّ العالم يواجه "لحظة خطر" بسبب الأزمة الراهنة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا التي طالبت خلال الاجتماع بانسحاب القوات الروسية من أراضيها وحذّرت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة (ليندا توماس ـ غرينفيلد) من أنّ النزاع بين روسيا وأوكرانيا قد يؤدّي إلى "أزمة لاجئين جديدة" مع "ما يصل إلى خمسة ملايين شخص إضافي ورأى غوتيريش أنّ "قرار روسيا الاعتراف بما يسمّى (استقلال منطقتَي دونيتسك ولوغانسك ـ وما تبعه) ـ هو انتهاك لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها ويتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

واعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من جهته باستقلال منطقتيَ دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين المواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا وأمر بإرسال قوات روسية إليهما.. ويتّهم الغرب موسكو بحشد 150 ألف جندي إضافي عند حدود أوكرانيا استعدادا لشنّ هجوم أخر محتمل ونهائي على جارتها بقصد تحويل الغزو إلى احتلال كامل ونهائي وشامل.. وتخشى الدول الغربية من أن يشكل تصاعد حدّة المعارك على خطّ الجبهة ذريعة لروسيا لإنهاء الحرب باحتلال دائم! 

من جانبه، أكد وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا الذي ألقى كلمة أيضاً أنّ أوكرانيا لا تشكّل تهديداً لروسيا. وقال إن "أوكرانيا لم تخطط ولا تخطط لأي عملية عسكرية في دونباس"، الإقليم الواقع في شرق أوكرانيا وحذّر كوليبا من أنّ "بداية حرب واسعة النطاق في أوكرانيا ستشكّل نهاية النظام العالمي كما نعرفه"، مطالبًا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف باستقلال منطقتَي دونيتسك ولوغانسك الواقعتين في دونباس.

وأضاف: "ينبغي على روسيا أن تعود إلى مسار الدبلوماسية" وأن "تسحب قواتها وتكفّ عن زعزعة استقرار المنطقة".

وقال الوزير في نهاية خطابه الذي قوبل بتصفيق حار، "نريد السلام" وانتقد معظم المتحدثين الذين يمثلون دولًا في القارات كافة بشكل علني أو شبه علني قرارات موسكو وخطواتها الأخيرة وحذّرت توماس ـ غرينفيلد من أنّه "إذا استمرّت روسيا في هذا الطريق فقد تتسبّب، وفقاً لتقديراتها بأزمة لاجئين جديدة، ستكون من بين الأكبر التي يواجهها العالم اليوم، مع ما يصل إلى خمسة ملايين شخص إضافي مهجّر بسبب الحرب التي اختارتها روسيا والضغط الذي تمارسه على جيران أوكرانيا".

 

الخلاصة أننا إزاء وضع عسكري وسياسي ودبلوماسي لا يخضع للمقاييس المعتادة المعتمدة في تحديد موقف منظمة الأمم المتحدة وبيان الحق والباطل قانونيا! أما اعتقادي أنا فهو أن الهيئة الأممية التي ستحدد القانون الدولي ستكون فقط محكمة العدل الدولية.. بعد سنوات!

 



وأضافت الدبلوماسية الأمريكية: "لأنّ أوكرانيا هي من أكبر مصدّري القمح في العالم، وخصوصًا للعالم النامي، فإنّ روسيا يمكن أن تتسبّب بارتفاع أسعار المواد الغذائية وبجوع أكثر شدّة في أماكن مثل شمال إفريقيا واليمن ولبنان". وبعد يومين من الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الأمن الدولي، دعت توماس ـ غرينفيلد مرة جديدة روسيا إلى التراجع عن قراراتها. ونعلم أن روسيا هي عضو دائم في مجلس الأمن وتتمتع بحق النقض ما يتيح لها إحباط أي محاولة من جانب المجلس لإدانة أعمالها.

وقالت توماس ـ غرينفيلد "نحن في العام 2022" و"لن نعود إلى حقبة الامبراطوريات والمستعمرات أو إلى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية أو الاتحاد السوفييتي". وتابعت "لقد تقدّمنا وعلينا الحرص كما قالت مندوبة كينيا في مجلس الأمن الإثنين الماضي على ألا يُشعل لهيب الإمبراطوريات الميتة أشكالاً جديدة من القمع والعنف ويوقد ما تحت رماد السنين. 

وقبل السفيرة الأمريكية، تحدث نظيرها الروسي (فاسيلي نيبينزيا) أمام الجمعية العامة، فأكّد أنّ الوضع اليوم هو نتيجة "انقلاب 2014" أدّى إلى تغيير الحكم في أوكرانيا. واعتبر أنّه مذّاك التاريخ تمارس كييف "قمعاً" حيال الأقليّة الناطقة باللغة الروسية في أوكرانيا وذهب إلى حدّ التحدث عن "إبادة جماعية"، في سابقة في الأمم المتحدة، وهو مصطلح استخدمه مؤخرًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورأى نيبينزيا أنّ عدم تحرّك كييف لإنهاء النزاع في شرق أوكرانيا دفع "عشرات آلاف الأشخاص" للفرار إلى روسيا من جانبه رفض غوتيريش بشكل قاطع استخدام كلمة "إبادة جماعية" لوصف ما يحصل في دونباس. 

والخلاصة أننا إزاء وضع عسكري وسياسي ودبلوماسي لا يخضع للمقاييس المعتادة المعتمدة في تحديد موقف منظمة الأمم المتحدة وبيان الحق والباطل قانونيا! أما اعتقادي أنا فهو أن الهيئة الأممية التي ستحدد القانون الدولي ستكون فقط محكمة العدل الدولية.. بعد سنوات!


التعليقات (0)