كتاب عربي 21

"أرأيت الذي ينهى.. عبداً إذا صلى"؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
قال المفسرون إنها نزلت في أبي جهل؛ "أرأيت الذي ينهى، عبداً إذا صلى.."، ليصبح هذا السلوك مرتبطاً بكل "أبي جهل" على مر التاريخ، وإن اختلفت الأسماء، فأبو جهل صفة وليس اسماً، والمذكور اسمه "عمرو بن هشام".. انظر إلى روعة الاسم وقبح الوصف!

وبالإجراءات التي اتخذها وزير الأوقاف مؤخراً في التضييق على ممارسة الشعائر الدينية، تكون مصر في ظل الحكم العسكري قد انتقلت من محاولة احتكار الدين إلى العداء له، ومن تأميم المساجد إلى تخريبها. وقد ربط القرآن الكريم بين منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها، كما جعل هذا المنع من الظلم الصريح، "فمن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه.."!

وإذا وضعنا الأمور في نصابها الطبيعي، فإن وزير الأوقاف مسير لا مخير، وقد يجتهد في هذا الإجراء أو ذاك، لكنه في النهاية هو "عبد المأمور"، الذي يجتهد في فهم النص السلطوي في التعامل مع المساجد والاجتماع فيها، وقد اجتهد من قبل فكانت الخطبة الموحدة، وإذ اعترض عليها شيخ الأزهر، وكان خيط من الود لا يزال ممدوداً بين الرئاسة والأزهر، فقد ألغيت الخطبة الموحدة بقرار رئاسي، الأمر الذي يعني أنه إذا كان ولي أمر وزير الأوقاف ليس راضياً عن قراراته الأخيرة، فقد كان بإمكانه أن يلغيها كما ألغى قرار الخطبة الموحدة، مع صدور حكم قضائي بعد ذلك برفض الدعوى والتأكيد على أن فرضها اختصاص أصيل للوزير!
بالإجراءات التي اتخذها وزير الأوقاف مؤخراً في التضييق على ممارسة الشعائر الدينية، تكون مصر في ظل الحكم العسكري قد انتقلت من محاولة احتكار الدين إلى العداء له، ومن تأميم المساجد إلى تخريبها. وقد ربط القرآن الكريم بين منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها

لقد أصدر الوزير قراراً بمنع الاعتكاف في المساجد، ومنع صلاة التهجد، ومنع صلاة العيد في الميادين، ومنع اصطحاب الأطفال، على أن تكون صلاة العشاء والتراويح في فترة زمنية قصيرة، وليس مسموحاً بفتح المسجد قبل صلاة العيد بأكثر من عشر دقائق.

وهي قرارات تتسق مع الاتجاه العام للسلطة الحالية، بدءا بمنع صلاة الجمعة في الزوايا، وقصرها على المساجد الكبرى، وهو أمر لا يمكن قبوله في بلد لا تتسع فيه المساجد للمصلين، مع وجود هذه الزوايا، فيضطرون للصلاة في الشوارع. كما أن هذه المساجد الكبرى ليست قريبة من عموم الناس في معظم المناطق لا سيما حديثة الإنشاء نسبياً. وتزامن هذا مع قرار من السلطة بأن تكون المساجد كلها في قبضة الوزارة، بما فيها المساجد التابعة لجمعيات مثل الجمعية الشرعية وجمعية أنصار السنة، وبدا الوزير الحالي كما لو كان يصفي حسابات مع الجمعية الشرعية التي قامت بفصله من عضويتها بعد ثورة يناير، لأنه رجل المباحث فيها، وقد استغل اتجاه الحكم العسكري في التأميم والسيطرة، ليروي غريزة الانتقام لديه، شأن كل ضعيف متهافت، تقرب للحكم الإخواني بالنوافل، وتذلل لطلاب منهم في جامعة الأزهر، تلاميذ له وفي عمر أبنائه، لعلهم يقربونه زلفى من الرئيس محمد مرسي!

"دين المصريين":

ومبكراً ومنذ الاستيلاء العسكري على الحكم، بدا الدين هاجساً لـ"الحاكم الأوحد"، الذي اعتبر نفسه مسؤولاً عن "دين المصريين"، واندفع يطالب بتجديد الخطاب الديني، ويريد أن يفرض رؤاه غير المكتوبة وفي بطن القائل على المصريين، وعندما فشل في هذا كان الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي التضييق على ممارسة العبادات، وقد ساعده وباء كورونا على هذا، لكن العالم كله أوقف هذه الإجراءات الاحترازية، التي لم يتم الإلزام بها في مصر، في وقت كان فيه الوباء يضرب الكرة الأرضية بقوة!
اعتبر نفسه مسؤولاً عن "دين المصريين"، واندفع يطالب بتجديد الخطاب الديني، ويريد أن يفرض رؤاه غير المكتوبة وفي بطن القائل على المصريين، وعندما فشل في هذا كان الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي التضييق على ممارسة العبادات

ومع هذا، وإذ وجد النظام العسكري نفسه مضطراً لفتح المساجد، فقد عمد إلى التضييق على ممارسي العبادات بها، وإذ أهلّ شهر رمضان، فقد بدا الاتجاه للتقييد واضحاً للعيان!

حدث هذا في بلد فتحت فيه المقاهي والمطاعم للمرتادين وعابري السبيل، وفتحت الملاعب للمشجعين، وبدون إجراءات احترازية، وإن اشترطوا لحضور مباراة مصر والسنغال ستين ألف مشجع فقط، فإن هذا لدواع أمنية وليس لأمر مرتبط بالفيروس وانتشاره!

ثم إن البرلمان يعقد جلساته بدون أي إجراءات احترازية، والذي زاد وغطى أن الرأي العام شاهد عبر الشاشة الصغيرة نقل قداس عيد القيامة، ليبدو التضييق كما لو كان قاصراً على المساجد وحدها. ولم يكن الوزير مقنعاً وهو يرجع هذا إلى كورونا؛ لأنه لا يجوز استثناء المساجد من ساحات الاجتماع. ثم إن الفيروس لا يحتاج إلى فترة زمنية بعينها للانتشار، ليتم الانتهاء من الصلاة سريعاً، ويتم تضييق الفترة الزمنية التي تفتح فيها المساجد للصلاة، وإن زادت عنها أمكن للوباء أن ينتشر ويتوغل، فلم يعد سراً أنه ينتقل في لمح بالبصر، في حال إصابة أحد الناس به!

وعندما تمنع صلاة العيد في الساحات، وهي أماكن مفتوحة، يقل فيها احتمال الإصابة، فإن الأمر لا شأن له بكورونا، الذي لم يعد يتذكره سوى وزير الأوقاف، ولم يعد يستخدم ذريعة إلا للتضييق على رواد المساجد!

القرار الأرعن:

رسمياً، فإنه لم يصدر قرار من قبل الوزير، والأصل أن القرارات الوزارية تنشر في الجريدة الرسمية، أو جريدة الوقائع، والأصل أن القرار ينشر مسبباً لعدم الوقوع تحت طائلة نظرية التعسف في استعمال السلطة، أو ما عُرف بالانحراف بالسلطة، فالقرار الأرعن صدر في تصريحات للوزير في مداخلة تلفزيونية، وعندما فتشت عنه في موقع الوزارة لم أجده، وإن كان قرار منع صلاة التهجد نشر على موقع الحكومة المصرية، مفتقداً أركان وشكل القرار الإداري، فكان مقالاً مطولاً عن أهمية صلاة النوافل في المنازل!
التنفيذ كان على الأرض بشكل لم تعرفه مصر من قبل، ليس في عهد الاستبداد بعد حركة ضباط الجيش في سنة 1952، بل وفي عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد

بيد أن التنفيذ كان على الأرض بشكل لم تعرفه مصر من قبل، ليس في عهد الاستبداد بعد حركة ضباط الجيش في سنة 1952، بل وفي عهد الاحتلال الأجنبي للبلاد، إذ وجدنا مسؤولين محليين في الأوقاف يشرفون بأنفسهم على إغلاق المساجد، وبدوا مكلفين برفع صورهم وخلفهم الأبواب المغلقة على مجموعات خاصة بالوزارة، لتنتشر على منصات التواصل، وتمثل فضيحة مكتملة الأركان للنظام العسكري الحاكم. وشاهدنا مسؤولاً في الأوقاف، يدخل في مشاجرة مع المصلين الذين صلوا ست ركعات من التراويح ويرفض أن يتموها ثماني ركعات، لأن الوقت قد انتهى، وكأننا في لجنة امتحانات، انتهت مدتها ولا بد من الإسراع في جمع أوراق الإجابات من الطلاب!

لقد منحوا مسؤولي الوزارة الضبطية القضائية لمواجهة أي مخالفة للقانون، ولا تسأل عن القانون الذي نزل هؤلاء ليطبقوه فيذكروننا بالضبطية القضائية الممنوحة لمجلس نقابة المهن الموسيقية، بما يمكن مسؤوليها من ارتياد الملاهي الليلية لمنع الغناء أو الرقص بدون ترخيص من النقابة ومن جهات الاختصاص، وإن كانوا يمارسون عملهم بدون ضجة، لأنهم يكتفون بتحرير محضر بالواقعة ورفعها للبوليس المختص، وليس كما يفعل مسؤولو وزارة الأوقاف من منع المخالفة بأيديهم. وإذا قدمنا حسن النية، واعتبرنا أنفسنا في دولة قانون، فلا أعرف العقوبة التي ستوقع على المخالف لإجراءات وزير الأوقاف المعلنة عبر قناة "إم بي سي مصر"، بيد أن القانون في إجازة، ومن ثم فالعقوبة ليست قاصرة على مخالفة القانون، وإنما قد يحال المخالف للمحاكمة بتهمة قتل الرئيس السادات!

فالقانون في "الراس" وليس شرطاً أن يكون مدوناً في "الكراس"، وهذه سلطة حكم يسري عليها مقطع في مسرحية، عندما جاءت فاتورة التلفون لـ"سرحان عبد البصير"، تهدد بالدفع أو بالرفع، ومع أنه لا يملك تلفوناً، فقد خشي من أن يصادروا "العدة"!

وفي الواقع المعاصر مساخر كثيرة مثل ما جرى لـ"سرحان"، أو "عادل إمام"، وإذ كانت النيابة العامة في عهد مبارك وقبل عشرين عاماً، وجهت لي تهمة إصدار جريدة بدون ترخيص، فقد سألت المحقق عن العقوبة المنصوص عليها في القانون والتي تجرم إصدار صحيفة بدون ترخيص، فأخذ يقلب في القانون لفترة طويلة، فلم يجد على النار هدى.

وليس هناك مسخرة أكثر من توجيه الاتهام لأحد الأشخاص بنشر أخبار كاذبة عبر منصات التواصل الاجتماعي، دون أن يملك هذا المتهم صفحة على أي منصة. وقد وجهت النيابة الاتهام للمحامي زياد العليمي، فسأل المحقق عن "الأخبار الكاذبة" التي نشرها، فكانت الإجابة حبسه خمسة عشر يوماً، ولا يزال في السجن منذ أكثر من عامين، بتهمة نشر أخبار كاذبة، دون مواجهته بهذه الأخبار! ومن ثم فإن "سرحان عبد البصير" كان محقاً عندما يبادر بدفع قيمة فاتورة التلفون، خوفاً على العدة!

فلن يعفى المصلي من العقاب إذا لم تكن هناك مخالفة ارتكبها منصوصا عليها في القانون، أو لم تكن هناك عقوبة تجعله واقعاً تحت طائلته.. فالقانون في إجازة!
إن أزمة الحاكم العسكري بهذه الإجراءات الجريمة، والتنفيذ الفضيحة لها، أنه أعطى المتشددين من خصومه دليلاً على أنها الحرب على الإسلام، وكانوا من قبل يفتعلون الأدلة على ذلك، فإذا بالدليل يقدمه النظام بنفسه في هذه الصورة المزرية التي شاهدها الناس فأدهشتهم، لا سيما طريقة التنفيذ التي لها ما بعدها!

إن أزمة الحاكم العسكري بهذه الإجراءات الجريمة، والتنفيذ الفضيحة لها، أنه أعطى المتشددين من خصومه دليلاً على أنها الحرب على الإسلام، وكانوا من قبل يفتعلون الأدلة على ذلك، فإذا بالدليل يقدمه النظام بنفسه في هذه الصورة المزرية التي شاهدها الناس فأدهشتهم، لا سيما طريقة التنفيذ التي لها ما بعدها!

ومنذ وقوع الانقلاب العسكري، وهناك من مهمتهم ترويج صور لمصلين للعيد في اختلاط، وفي عدم الاهتمام بتحري القبلة، للتأكيد على أن الناس خسروا كثيراً بغياب الإخوان، وأن المصريين انقلبوا من بعدهم لا يعرفون أصول الدين، وما يلزم لممارسة الشعائر. وقد استنكرت كثيراً هذه الدعاية، فالإخوان ليسوا سيدنا موسى، والمصريون ليسوا بني إسرائيل الذين أضلهم السامري بمجرد أن أعطى الإخوان ظهورهم لهم، في انتظار أن يلقي عليهم عجلا جسداً له خوار لعبادته من دون الله!

غير أن الدليل جاء هذه المرة بقرار وزير الأوقاف، والتنفيذ الذي جرى على الأرض من قبل شيوخ معممين، وبشكل لم يحدث ولو في بلاد الفرنجة، والصور تأتي من هناك لمسلمين يصلون القيام والتهجد في عدد من العواصم الغربية، لكن التضييق لم يكن سوى في مصر في ظل الحاكم العسكري الفرد، الأمر الذي يتجاوز فكرة التنظيم إلى التخريب، والاحتكار إلى العداء.

"كلا لا تطعه واسجد واقترب".

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (1)
المستضعفين في الأرض؟!
الإثنين، 25-04-2022 06:28 م
عندما يعتنق البعض السلمية الغاندية كدين ستمنع عنه الصلاة حتى في المنزل.