هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تراقب إيران عن كثب الجهود الدبلوماسية والتغيرات في السياسة الخارجية التركية بالمنطقة، لا سيما تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية و"إسرائيل" ومصر وغيرها، ما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات التركية الإيرانية في ضوء التطورات الإقليمية.
وخلال الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في شباط/ فبراير، وأصبحت على قمة جدول الأعمال العالمي، تمكنت تركيا بفضل علاقتها مع البلدين، من محاولة التوسط، وأظهرت أهميتها مرة أخرى داخل حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، وسط تحسن ملحوظ في العلاقات التركية الغربية في الأسابيع الأخيرة، ومع ذلك فإن بروز تركيا مؤخرا لا يرجع فقط إلى أهميتها الجيوسياسية في مواجهة روسيا أو قدراتها في صناعات الدفاع.
ورأت مجلة "كريتر" في تقريرها الشهري، أن عملية "التعافي السريع" بين تركيا والإمارات، وذوبان الجليد مع السعودية ومصر، تجذب انتباه العديد من المراقبين، بالإضافة إلى إيران.
كما أن زيارة رئيس دولة الاحتلال هرتسوغ في 9 آذار/ مارس، والعلاقات التي طورها السفير التركي لدى الولايات المتحدة مراد ميركان مع الدوائر القريبة من إسرائيل في واشنطن، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى تل أبيب، تشير إلى أنه سيكون هناك تطور واضح في العلاقات التركية الإسرائيلية.
إيران والتطورات الإقليمية
وبعد وصول إدارة بايدن إلى السلطة، كانت طهران، التي بدأت تشعر بتخفيف الضغط الشديد عليها، متفائلة للغاية بشأن المفاوضات النووية في فيينا حتى وقت قريب، ولكن بالتزامن مع الأزمة الأوكرانية حدث جمود في هذه المفاوضات.
ويرى البعض أن إنسداد الأفق كان سببه روسيا، وذكرت تقارير إعلامية أن عدم رفع الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، قد تسبب في تمدد حبال التوتر بين البلدين، ومن بين الأنباء المسربة أن الولايات المتحدة أبدت موافقة على إزالة الحرس الثوري من القائمة، وإبقاء فقط وحدة العمليات الخارجية "فيلق القدس" كصيغة وسيطة، لكن هذا المقترح لم تقبله إيران.
اقرأ أيضا: الرياض تعتزم شراء مسيّرات.. ما مكسب أنقرة من عودة العلاقات؟
ويبدو أن مبيعات النفط الإيرانية المتزايدة مع تغاضي إدارة بايدن قد وفرت بعض الراحة للأسواق، وفي مجال الغاز الطبيعي فإن حقيقة أن الاتفاق مع إيران لن يكون بديلا عن الموارد الروسية على المدى القصير، إضافة إلى أن تأثير نتائج انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر على المفاوضات، قد يقود الأطراف إلى إبطاء محادثات فيينا.
وتراقب دول في المنطقة المفاوضات النووية الإيرانية عن كثب، لا سيما إسرائيل والسعودية، ويخشى الطرفان اللذان كانت تربطهما علاقات وثيقة مع إدارة دونالد ترامب، والمؤيدان لممارسة "الضغط الأقصى"، من أن تقدم إدارة بايدن تنازلات كبيرة لإيران.
في المقابل، تجادل الإدارة الأمريكية بأن المفاوضات النووية تتم فقط للحد من الأنشطة النووية الإيرانية، ويجب على دول المنطقة المعنية بأنشطة إيران الإقليمية أن تأخذ زمام المبادرة بنفسها.
ولم يتم إحراز تقدم في المحادثات في بغداد والتي بدأتها السعودية مع إيران، فلا يتوقع وجود انتعاش جدي في العلاقات بين البلدين في ظل عدم وجود حل للحرب الأهلية اليمنية.
ورغم التدخل العسكري من الرياض منذ عام 2015 ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، فإنها لم تحقق أي نجاح ملموس على أرض الواقع، كما أن أهم المنشآت الاستراتيجية في البلاد وخاصة أرامكو تتعرض لهجوم متزايد بالصواريخ والطائرات المسيرة من الحوثيين، ومن المرجح أن تتصاعد النزاعات بشكل أكبر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم بعد وقف إطلاق النار لمدة شهرين بداية من نيسان/ أبريل بدعم من الأمم المتحدة.
وتشعر أطراف بالقلق من اتخاذ إيران موقفا أكثر عدوانية في سياساتها الإقليمية بعد اتفاق نووي محتمل، ولا يقتصر القلق على إسرائيل، فقد تعرضت الإمارات للعديد من الهجمات من قبل الجماعات المدعومة من إيران عبر العراق واليمن، ولم تتلق أبوظبي التي طلبت فتح صفحة جديدة بتخفيف التوترات مع إيران، الإجابة التي تريدها بسبب رد الفعل الإيراني على اتفاق التطبيع الذي أبرمته مع "إسرائيل".
ومن ناحية أخرى، بعد وصول طالبان طالبان إلى السلطة، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الأفغان الذين تحولوا إلى إيران بسبب تأثير الظروف الاقتصادية في أفغانستان، وفي نيسان/ أبريل أدى انتشار السلوك السيئ تجاه الأفغان على الحدود، على مواقع التواصل الاجتماعي إلى استدعاء طالبان للسفير الإيراني في كابل وإدانة الأحداث.
وبينما هدد بعض قادة طالبان بمهاجمة إيران، فقد وقعت هجمات على مكاتب تمثيلية إيرانية في كابل وهرات، ولن يكون من المستغرب أن المشاكل بين البلدين سوف تزيد في المستقبل القريب، وأن بعض الأفغان في إيران قد يتوجهون إلى تركيا.
العلاقات التركية الإيرانية
ويسود الخلاف بين أنقرة وطهران في المنطقة حول قضايا، لا سيما سوريا والعراق وأذربيجان، وفي سوريا فإن تركيا التي تعرضت لضغوط شديدة من الولايات المتحدة والدول الغربية على مدى السنوات العشر الماضية، اتبعت استراتيجية تخفيف الصراعات مع روسيا وإيران وتجميد الأزمة، خاصة بطريقة تجسدها عملية أستانا.
اقرأ أيضا: تل أبيب ترصد تبعات تقارب تركيا والخليج على العلاقات معها
ومع ذلك، فإنه مع الحرب الروسية الأوكرانية، لن يكون من المستغرب أن يتضاءل النفوذ العسكري الروسي على سوريا تدريجيا بسبب عدم قدرتها على استخدام المضائق بموجب اتفاقية "مونترو".
وهناك تقارير تفيد بأن موسكو تركت بعض المناطق في سوريا لمليشيات مقربة من إيران، كما أن تقليص الوجود الروسي في سوريا وحلول إيران محلها قد يؤدي إلى راحة وزيادة في العمليات الإسرائيلية في سوريا.
ويبرز هنا أيضا تأثير تضاؤل النفوذ الروسي في سوريا بالنسبة للعمليات التركية في سوريا. وستزيد أنقرة من ضغوطها من أجل الانتقال إلى معادلة تكون فيها روسيا أكثر تنازلا في سوريا، دون المخاطرة بعلاقاتها الحساسة مع موسكو.
وقد تؤدي زيادة الأنشطة العسكرية التركية في شمال سوريا، إلى مواجهة بين تركيا وجماعات مرتبطة بإيران.
وتراقب إيران عن كثب النشاط الدبلوماسي الأخير لتركيا.. لا سيما منذ حرب قره باغ تواصل الصحافة الإيرانية خطابها المعادي لتركيا، حول قضايا مثل التقارب التركي مع "إسرائيل" ونقل ملف قضية خاشقجي إلى السعودية.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة للجمهورية الإيرانية، بعض الادعاءات بأن الهجوم الصاروخي الإيراني على هدف في أربيل على أساس أنه قاعدة للموساد، كان أيضا رسالة إلى تركيا، وأن مسؤولين أتراك كانوا أيضا موجودين في الفيلا المستهدفة.
وتجري مناقشة زيارة الرئيس أردوغان المؤجلة إلى طهران بشكل عام في إطار نظريات المؤامرة الإقليمية المناهضة لإيران.
وترى المجلة التركية، أن إيران المنزعجة من دبلوماسية تركيا الإقليمية والمكثفة في الأشهر الأخيرة، تواصل جهودها في إثارة بعض القضايا غير ذات الصلة ضد تركيا.
من وجهة نظر تركيا، فإنه تم الدفاع عن مصالح إيران النووية أو الإقليمية حتى في مواجهة أشد الضغوط الداخلية والخارجية خلال الفترة المضطربة من العقد الماضي، ومع ذلك فإن موقف طهران المتطرف والمتشدد في العراق وسوريا وبعد تحرير قره باغ من أرمينيا، وكذلك الاتصالات مع منظمة العمال الكردستاني التي انتعشت مؤخرا، وصلت إلى مرحلة تؤثر على الأمن القومي لتركيا وحلفائها.
وتعتقد أنقرة أن طهران ستعمل على تعزيز وجودها في العراق وسوريا في الفترة المقبلة وفي ضوء التطورات الإقليمية والعالمية، وعليه فإن تركيا التي استخدمت تأثيرها المتوازن لصالح إيران خلال فترة سياسات "الضغوط القصوى"، قد تستخدم القوة للحد من توسع إيران في ظل الظروف الجديدة.