تقارير

المسجد الأقصى.. درة بيت المقدس يتمسك بهويته الإسلامية

المسجد الأقصى المبارك ظل محافظا على هويته الإسلامية منذ احتلاله عام 1967
المسجد الأقصى المبارك ظل محافظا على هويته الإسلامية منذ احتلاله عام 1967

درة بيت المقدس وجوهرها المكنون نبراس علو شموخ الأوفياء قنديل النور الذي يوقظ فيه الزرع والزيتون والنخيل، إطلالة فلسطين على العالم، لهفة كل مشتاق وحنين كل قلب ينبض له.

مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلا استقى طهوريته من قدسية أحداثه وتوالي أزمنته، حافظ على إسلاميته وقدسيته وما انفك يلملم جراحه ويسقيها بتضحيات أبطاله.

 



تعرض المسجد الأقصى المبارك منذ احتلاله عام 1967م لاعتداءات متواصلة، أبرزها اقتحامات وزراء ونواب بالكنيست وأفراد الشرطة والمستوطنين ومحاولتهم أداء طقوس دينية، وهو ما يؤدي إلى توتر في المسجد، فضلا عن سلسلة قرارات تهدف إلى الهيمنة عليه وتقسيمه زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود.

وتعتبر أرض فلسطين من أقدم المناطق الحضارية في العالم، فقد أثبتت الاكتشافات الأثرية حديثاً، أنها شهدت تحول الإنسان إلى حياة المدنية والزراعة ومن ثم الاستقرار قبل حوالي أحد عشر قرناً (11 ألف سنة، 9000 ق.م) وفي ربوعها أنشئت مدينة أريحا (أريحو) قبل حوالي ثمانية آلاف عام ثم تلتها مدينة القدس.

ومدينة القدس من أعرق مدن العالم، فهي مدينة ضاربة في القدم، قال عنها المؤرخون بأن عمرها يتجاوز الخمسة وأربعين قرناً من الزمان. سماها العرب الأقدمون: يبوس وأورسالم (مدينة السلام)، ثم بيت المقدس إيلياء والقدس الشريف، ونالت هذه المدينة قسطاً وافراً من الاهتمام على مدار القرون العديدة التي عاشتها، فقد كانت هي العاصمة لجميع الدول التي تداولت عليها والوجهة والمقصد ومحور الارتكاز للحضارة والتاريخ، ومعلماً من معالم الدين، لا سيما درتها المسجد الأقصى المبارك.

وأكد مدير مركز دراسات القدس في جامعة القدس، ومدير السياحة والآثار في المسجد الأقصى سابقا يوسف النتشة أن تاريخ بناء المسجد الأقصى قديم يعود إلى زمن الأنبياء كما أخبرنا الرسول صل الله عليه وسلم وربما يعود إلى الملائكة.

وقال النتشة في حديثة لـ"عربي21": "إن البناء الحديث للمسجد الأقصى يعود في بنائه وتطويره إلى العهد الإسلامي وقدوم عمر بن الخطاب سنة 15هـ، وبداية تطويره منذ فتح عمر له والاهتمام بالمنطقة وبناء مسجد هناك".

 

    يوسف النتشة مدير مركز دراسات القدس ومدير السياحة والآثار في المسجد الأقصى سابقا


وأضاف: "الواقع أن المسجد الأقصى المبارك مجمع معماري كبير هو فضاء وليس مبنى فيجب هنا التفريق في المصطلحات، فالمسجد الأقصى المبارك تربو مساحته على الـ144 دونما تشكل سدس مساحة البلدة القديمة وليست هي مبنى وإنما مجموعة كبيرة من المباني أشهرها على الإطلاق ما نسميه الجامع الأقصى أو قبة الصخرة المشرفة".

وتابع: "هناك مجموعة من المدارس المملوكية التي تربو على الــ40 مدرسة إضافة إلى مجموعة من الزوايا والأروقة والأسبلة والقباب".

وشدد النتشة على ضرورة الفصل بين أبواب صور القدس وأبواب المسجد الأقصى المبارك فأبواب المسجد الأقصى المبارك التي يتم الخروج والدخول منها هي عشرة أبواب، إضافة إلى عدد من الأبواب المغلقة التي منها ما سمي نسبة لمن اكتشفه.

وأشار إلى أن المسجد الأقصى يحتوي على أكثر من مئة مبنى، فهناك مجموعات كبيرة من الذين بنوا وأسسوا ورمموا والذين من أشهرهم الخليفة عمر بن الخطاب، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك، والخليفة المأمون وأبو جعفر المنصور اللذان ينتميان إلى العصر العباسي وما يكتنزه من أهمية في ترميم المسجد الأقصى.

وتطرق إلى ما تمت إضافته له في العهد الفاطمي في عهد الخليفة الظاهر، مشيرا إلى أن أبرز هذه الترميمات وأكثرها شهرة هو ترميم صلاح الدين الأيوبي وأسلمته بعد تحريرها من أيدي الفرنجة وترميمات الناصر بن قلاوون وسليمان القانوني والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحاليا يتولى الترميم الإعمار الهاشمي عن طريق دائرة الأوقاف والشؤون الدينية.

ونوه إلى أن المسجد الأقصى يختلف عن بيت المقدس، فالأقصى هو درة بيت المقدس المقصود ببيت المقدس مدينة القدس والتي يطلق عليها عديد الأسماء منها المدينة المقدسة ويبوس وإيليا.

وأوضح أن تكوين المسجد الصخري يقع على تلة كانت تعرف باسم تلة موريا والمسجد الأقصى ثلاثة مستويات.. مستوى قبة الصخرة المشرفة ومستوى الجامع الأقصى ومستوى تحت الأرض يضم مجموعة من المباني أشهرها المصلى المرواني بالإضافة إلى ذلك مجموعة من الآبار وبعض الفراغات التي تم إشغالها واستغلالها.

واستعرض رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي الاعتداءات التي تعرض لها المسجد الأقصى منذ احتلاله من قبل الإسرائيليين والأطماع اليهودية فيه ومحاولة تقسيمه مكانيا وزمانيا.

 

                      ناصر الهدمي رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد

وقال الهدمي في حديث لـ"عربي21": "بدأت الاعتداءات بعد أسبوع من الاحتلال عام 1967م بهدم حارة المغاربة التي كانت تؤوي المغاربة الذين كانوا يعتبروا الحماة والسدنة للمسجد الأقصى والذين أوقف لهم السلطان صلاح الدين الأيوبي حارة المغاربة لدورهم في التصدي والدفاع عنه".

وأضاف: "يليها مباشرة 1969م عملية إحراق المسجد الأقصى المبارك والتي نفذها الصهيوني اليهودي من أصل أسترالي وحينها أعربت وزيرة خارجية الاحتلال عن خوفها من ردة فعل العرب إلا أن شيئا لم يحدث، وتم إنشاء منظمة التعاون الإسلامي".

وتابع: "تلا تلك الأحداث عملية دخول لجندي صهيوني لساحات المسجد الأقصى المبارك وإطلاق عدد من الرصاصات في العام 1982 تلاها مذبحة المسجد الأقصى المبارك عام 1990 والتي راح ضحيتها 21 شهيدا و120 جريحا".

وأكد أن اقتحام شارون للمسجد الأقصى المبارك في العام 2000 كان سابقة خطيرة من نوعها أدت لإشعال فتيل الانتفاضة الثانية تبعها نجاح شارون في الفوز برئاسة حكومة الاحتلال عام 2003 ليقدم مقترحا بالسماح لليهود باقتحام المسجد الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال.

وأوضح أنه وبعد تلك الأحداث توالت الاقتحامات وتبعها تطور لتصبح بشكل يومي ما عدا الجمعة والسبت والتي تبدأ من باب المغاربة وتنتهي بباب السلسلة فضلا عن إعلاء أصوات الصلوات التلمودية التي يؤديها اليهود في ساحات المسجد الأقصى والساحات المجاورة.

وبين الهدمي أن التطور في الاعتداءات وصل إلى تحقيق بعض الأطماع له في بعض المناطق الخاصة بالمسجد مثل منطقة باب الرحمة ووضع البوابات الالكترونية فيها لكون باب الرحمة هو الباب الوحيد الذي يطل على خارج مدينة القدس القديمة فلا يضطر الداخل منه إلى المرور بأبواب البلدة القديمة.

وأشار إلى أن الأحداث تسارعت وأخذت منحى آخر بعد عيد الأضحى المبارك وتمركز قضية المسجد الأقصى في أحداث رمضان العام الماضي والفائت حيث أصبحت قوة الردع للاقتحامات أكبر عما كانت سابقا.

وقال: "كاد المسجد الأقصى أن يكون شرارة حرب جديدة في رمضان الماضي حينما حاول اليهود ذبح القرابين فيه، وهددت المقاومة الفلسطينية في غزة بتكرار معركة سيف القدس العام الماضي والأحداث التي وقعت على مدار شهر رمضان".

ومن جهته قال المؤرخ الدكتور عبد اللطيف أبو هاشم، مدير المخطوطات والآثار بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية وصاحب عدة مؤلفات حول معالم فلسطين التاريخية ومساجدها: "لا يختلف أحد على قداسة مدينة القدس منذ العهود البائدة وحتى نزول الديانات السماوية الثلاث، فقد اكتسبت هذه المدينة صبغة القداسة بشكل كبير جداً في القرآن والسنة النبوية, حيث ورد لفظ البركة سبع مرات في القرآن الكريم وهذا لم يتأت لأي مدينة أخرى، إلى أن تم نسخها إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، الكعبة المشرفة القبلة، وتعززت قداستها ومن ثم مكانتها الدينية والحضارية من خلال الآيات الكريمة في القرآن الكريم وبالأخص في سورة الإسراء".

 



وأضاف أبو هاشم لـ"عربي21": "أن المسجد الأقصى يقع في الجهة الجنوبية من الحرم الشريف، وقد شرع ببنائه الخليفة عبد الملك بن مروان الأموي وأتمه ابنه الوليد بن عبد الملك سنة 705م".
 
وأوضح انه يبلغ طول المسجد الأقصى (80م) وعرضه (55م) ويقوم الآن على (53) عموداً من الرخام و(49) سارية مربعة الشكل، كانت أبوابه زمن الأمويين مصفحة بالذهب والفضة ولكنّ أبا جعفر المنصور أمر بخلعها وصرفها دنانير تنفق على المسجد، وفي أوائل القرن الحادي عشر أصلحت بعض أجزائه وصنعت قبته وأبوابه الشمالية.
 
وأشار أبو هاشم إلى انه حينما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 1099م جعلوا قسماً من المسجد الأقصى كنيسة، واتخذوا القسم الآخر مسكناً لفرسان الهيكل ومستودعاً لذخائرهم. ولكن صلاح الدين الأيوبي عندما استرد القدس الشريف منهم أمر بإصلاح المسجد، وجدد محرابه، وكسا قبته بالفسيفساء وأتى بالمنبر المرصع بالعاج والأبنوس من حلب ووضعه على يمين المحراب وبقي إلى أن أحرقه اليهود في 11-8-1969م .

وقال: "اعتنى بالمسجد ملوك بني أيوب والمماليك وسلاطين بني عثمان، وأنشئت فيه أروقة، وعمر سقفه وصفح بالفسيفساء والرخام ، ورممت جوانبه ، وفرشت أرضه بالسجاد العجمي . وطرأ على المسجد خلل سنة 1927م، فاستنهض المجلس الإسلامي الأعلى الأقطار العربية والإسلامية التي ساهمت في إعماره وكان أخطر تعمير أجري عليه هو رفع الأعمدة القديمة البالية التي تقوم عليها القبة واستبدالها بأعمدة جديدة عددها ثمانية، أقيمت على أساسات متينة من الخرسانة المسلحة".

وأضاف: "حدث زلزال آخر تصدعت على أثره بعض أروقته وأجزائه فتولى المجلس الإسلامي تعميرها من واردات الأوقاف فهدم الرواق الشرقي وبني من جديد، كما أعيد بناء الرواق الأوسط، وأتى بالأعمدة اللازمة المماثلة من إيطاليا".

وأشار أبو هاشم إلى أنه يوجد تحت الأقصى دهليز واسع يسمى الأقصى القديم يتألف من سلسلة من عقود تقوم على أعمدة ضخمة.


التعليقات (0)