قضايا وآراء

زعيم جبهة الخلاص الوطني السيد أحمد نجيب الشابي.. مقاوم الديكتاتورية

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600

"الرجال يعرفون الرجال"، هكذا خاطب الأستاذُ أحمد نجيب الشابي الرئيسَ قيس سعيد وهو يسأله عمن يكون السيد حمادي الجبالي، رئيس أول حكومة بعد 2011.

السيد حمادي الجبالي صاحب ورشة لمنتجات الألمونيوم، هاجمت قوات أمنية مقر عمله وقامت بحجز مواد تستعمل في عمله بـ"شبهة" كونها مواد خطرة قد تستعمل في صنع المتفجرات. ذاك الهجوم الأمني تسبب في متاعب صحية لزوجته دخلت بسببها المصحة، وكذلك استغلها البعض في شن حملات تشويه بحق السيد حمادي الجبالي. كثير من المتابعين للشأن الوطني، اعتبروا أن قيس سعيد هو من حرّض على حمادي الجبالي بسبب موقفه الداعم لمجهود الجبهة الوطنية للخلاص الوطني بقيادة أحمد نجيب الشابي.

بعض خصوم حركة النهضة والشابي معا، حاولوا النبش في الماضي القريب للتذكير بأن نجيب الشابي كان له موقف "معاد" لحركة النهضة عندما كانت في الحكم، وأنه كان أحد الناشطين في ما يعرف بـ"اعتصام الرحيل" بساحة باردو قبالة البرلمان التونسي لإجبار النهضة وشركائها على مغادرة الحكم، خاصة بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي، زعيم حركة الشعب يومها.

بعض خصوم حركة النهضة والشابي معا، حاولوا النبش في الماضي القريب للتذكير بأن نجيب الشابي كان له موقف "معاد" لحركة النهضة عندما كانت في الحكم، وأنه كان أحد الناشطين في ما يعرف بـ"اعتصام الرحيل" بساحة باردو قبالة البرلمان التونسي لإجبار النهضة وشركائها على مغادرة الحكم

وحتى لا تنطلي محاولات الفتنة بين مكونات جبهة الخلاص الوطني بزعامة الأستاذ أحمد نجيب الشابي، من المهم التذكير بالحكمة التالية: "لا صداقة دائمة ولا خصومة دائمة". السياسة فن التعامل مع الممكن وفن صناعة التوازنات وفن المواءمة بين المتناقضات، وهي في النهاية فن تلقف اللحظات المناسبة لجني ثمار مجهودات ونضالات وتضحيات.. الأحداث السياسية والوقائع الاجتماعية في تفاعلها تظل كما المرجل تتشكل أشكالا مختلفة الأحجام والملامح، هكذا تتشكل تحالفات وتنسيقيات وجبهات بين أحزاب وجماعات تتبدل وتتوسع أو تضيق بحسب مقتضيات المراحل والوقائع.

لا غرابة في رؤية تحالف بين أحزاب تبدو متناقضة المرجعيات العقدية، ولا غرابة في أن نراها تتخاصم بعدها وتتصارع، المهم ألا ينقطع بينها حبل الود وألا تنقلب العلاقة إلى عداوة. لقد أنتجت سنوات الاستبداد حين اشتدت القبضة على الأحزاب تحالفا يبدو غريبا بين من كانوا يُعدون خصوما، تحالفا أزعج السلطة يومها أيما إزعاج، إنه تحالف "هيئة 18 أكتوبر" الذي أنجز تحركات ميدانية مشتركة، وتوصل إلى صياغة نصوص تأسيسية تمهد لعمل جبهوي مستقبلي استراتيجي في مواجهة مرحلة ما بعد ابن علي.

ولعل السيد أحمد نجيب الشابي كان يمثل القاطرة العنيدة لتلك الهيئة، وكنا نعلم بأنه حين تنازل عن الأمانة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي إنما كان يستعد لخوض منازلة سياسية عنيدة ضد ابن علي (علمنا أنه يريد ألا يدفع الحزب الثمن إذا ما بلغت المنازلة تلك مدى خطِرا). لا يُنكر أحد أن السيد نجيب الشابي كان من الأصوات الأولى التي ارتفعت في الداخل عاليا في وجه قبضة الاستبداد (بعد أن أخمدت كل الأصوات تحت مطارق القهر والتجفيف والاستئصال والتهجير)، وأنه من الذين كسروا حاجز الخوف وجرأوا من بعدهم أصواتا أخرى على الارتفاع.

لا يُنكر أحد أن صحيفة "الموقف" كانت منبرا لمن لا منبر له، ولا أخفي أني استعدت حضوري في الساحة من خلالها حيث احتضنتْ كتاباتي ولم تكن صحيفة أخرى لتحتضنها.. كانت صحيفة "الموقف" هي التي تنشر أخبار الاعتداءات والمظالم ولا تتردد في تسمية "الإسلاميين" بصفتهم تلك، ولم تكن صحيفة أخرى لتجرؤ على نشر تلك المفردة.. الحزب الديمقراطي التقدمي كان العصب الحي في "هيئة 18 أكتوبر" وكان مظلة للهاربين من فحيح القهر.. كيف يتحول هذا الحزب إلى "خصم" لأبرز حليف من حلفاء سنوات الدخان، وأعني تحديدا حزب النهضة؟

يلاحظ المراقبون لمسار الأحداث منذ 17 كانون الأول/ ديسمبر إلى 13 كانون الثاني/ يناير أن المعارضة المبدئية كانت متناغمة ومتوافقة في موقفها مما تشهده البلاد، وفي دعمها الكامل لمطالب الشارع في الإصلاح والعدالة والتشغيل والكرامة، ولكن الاختلاف بدأ مباشرة بعد خطاب الرئيس السابق عشية 13 كانون الثاني/ يناير، حين دعا إلى حكومة وحدة وطنية وحين وعد بعدة إجراءات إصلاحية وتنموية، حيث قدر السيد نجيب الشابي أن الدخول في الحكومة تلك ضمانة لتحقيق مشروع الإصلاح بأقل كلفة وبأسرع وقت..
فنون السياسة ليست علوما مخبرية وليست معادلات رياضية، إنما مقاربات ومواءمات وتلقف دائم للحظات المواتية لتحقيق مشاريعنا ورؤانا وقد نخطئ، وقد نصيب وحسبنا الصدقية النضالية والمبدئية الرسالية.. ولكن الذي يزعج عموم الناس أن يروا "جبهة النضال المشترك" تتداعى إلى نزاع مُخيب للآمال ومحبط للعزائم ومولد للتردد والبرود السياسي

تلك قراءة لها منطقها ولها مبرراتها ولا تنال من قامة الرجل النضالية ولا تحجب تاريخه وعطاءاته، وهو ما يفسر أن الذين اختلفوا معه في التقديرات السياسية لم يذكروه إلا بما يناسبه من التقدير والاحترام، حيث سمعنا الشيخ راشد الغنوشي يقول إن السيد أحمد نجيب الشابي صديق عزيز ولكننا نختلف معه في قرار الدخول إلى الحكومة تلك.. وربما سارت حركة الشارع إلى غير ما قدره بعض المعارضين المبدئيين، وانتهت تلك الحركة إلى حل الحكومة المؤقتة الأولى..

تلك فنون السياسة ليست علوما مخبرية وليست معادلات رياضية، إنما مقاربات ومواءمات وتلقف دائم للحظات المواتية لتحقيق مشاريعنا ورؤانا وقد نخطئ، وقد نصيب وحسبنا الصدقية النضالية والمبدئية الرسالية.. ولكن الذي يزعج عموم الناس أن يروا "جبهة النضال المشترك" تتداعى إلى نزاع مُخيب للآمال ومحبط للعزائم ومولد للتردد والبرود السياسي.. ولا يعني الناس من المصيبُ ومن المخطئ قدر ما يعنيهم أن الصراعات الحزبية بين الأطراف الجادة إنما تأكل من آمالها المعقودة على السياسيين أولئك.

أعتقد أن من أوكد مهام النخبة الفكرية والثقافية والإعلامية الاشتغال على تنقية القاموس السياسي من المفردات المؤذية المولدة للأحقاد، وأن تعمل على استنبات قيم التوافق والتشارك والتدافع الإيجابي من أجل الوطن ووفاء للذين واجهوا الرصاص بدم حيّ.

 

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)