لا تقف مخططات
الاحتلال لتهويد
القدس وتغيير هويتها عند حدٍ معين، إذ تكشف السنوات المتتابعة المزيد من المخططات التي تعبث بهوية المدينة، وتحاول ترسيخ المدينة كعاصمة للدولة اليهودية المزعومة. وفي سياق محاولات تشويه المظهر الحضاري للقدس المحتلة، تعمل سلطات الاحتلال على تهويد فضاء القدس، وزرع العديد من
المشاريع التهويدية في أفق المدينة المحتلة، في محاولة لمزاحمة المسجد الأقصى ومركزيته في الصورة الحضارية في الواقع المشاهد، وفي المخيال الإنساني.
ونسلط الضوء في هذا المقال على استراتيجية "
إسرائيل" الرامية إلى احتلال فضاء القدس وتشويهه، وانعكاسات هذا العبث على صورة المدينة الحضارية وهويتها التاريخية، مع تسليط الضوء على أبرز مشاريع الاحتلال في السنوات الماضية، وآخرها مشروع القطار الهوائي المعلق "التلفريك"، كأضخم هذه المشاريع وأكثرها امتدادا في سماء القدس المحتلة.
أهداف الاحتلال
تتلاحق المشاريع التي تعمل عليها سلطات الاحتلال لتغيير فضاء المدينة وإقحام المزيد من "الصروح" الضخمة في فضاء واحدةٍ من أقدم مدن العالم، وهي مشاريع لا تنعكس بالضرورة إيجابا على سكانها الأصليين أو من يقطنها من المحتلين، إذ يأتي الكثير منها في سياق فرض الهيمنة الثقافية والدينية على المدينة، من خلال زرع معالم ومشاريع ضخمة تغير وجهها الحضاري، وتبدد هوية المدينة العربية والإسلامية، في محاولة لتحويل مشهد المدينة إلى واحدة من المدن الغربية المتطورة، بالتوازي مع تهميش الهوية العربية والإسلامية رويدا رويدا، وإحلال هوية "يهودية" مسخ توائم بين المعالم اليهودية الدخيلة، وبين الأبنية الضخمة ذات الطابع الغربي الرأسمالي.
تتلاحق المشاريع التي تعمل عليها سلطات الاحتلال لتغيير فضاء المدينة وإقحام المزيد من "الصروح" الضخمة في فضاء واحدةٍ من أقدم مدن العالم، وهي مشاريع لا تنعكس بالضرورة إيجابا على سكانها الأصليين أو من يقطنها من المحتلين، إذ يأتي الكثير منها في سياق فرض الهيمنة الثقافية والدينية على المدينة
وحول أبرز أهداف الاحتلال من هذه المشاريع نذكر الآتي:
- العبث بفضاء المدينة التاريخية، عبر مجموعة من المشاريع التي تمتد من جبل المكبر إلى أسوار القدس وداخل البلدة القديمة.
- تعزيز السيادة الإسرائيلية على القدس، وهي سيادة لم تعد تقتصر على الأرض، بل تمتد إلى فضاء المدينة، في محاولة من قبل الاحتلال إلى ابتكار أدواتٍ جديدة، ومعالم تسهم في تهويد المدينة وتحويلها إلى مدينة "إسرائيلية" على غرار المدن المحتلة الأخرى.
- تشويه الصورة "الأيقونية" لمدينة القدس، التي يسيطر على مشهديتها المسجد الأقصى، بقبتيه الذهبية والرصاصية، وكنيسة القيامة وسائر الكنائس بقبابها، وهو مشهد تعمل سلطات الاحتلال على مزاحمته عبر هذه المشاريع وصولا إلى إخفائه بشكلٍ أو بآخر.
- تعزيز عاصمته المزعومة بمعالم غربية استهلاكية، تتناقض مع هوية المدينة الأصلية، وهي معالم يهودية المنفعة والأثر، وحديثة العمران والتصميم، وتأتي إلى جانب المعالم اليهودية الدينية، التي شيدها الاحتلال بأساليب معمارية أقدم تحاكي ادعاءاته بالوجود اليهودي القديم داخل القدس المحتلة.
- جلب المزيد من السياح إلى القدس المحتلة، لتعزيز حضور روايته المكذوبة حول "المعبد" ووجوده الأسطوري في المدينة المحتلة، ومن ثم إشراك هؤلاء السياح في اقتحام المسجد الأقصى، وهو واحدٌ من أبرز أهداف القطار المعلق "التلفريك".
- تسهيل وصول المستوطنين إلى المسجد الأقصى، والمشاركة في اقتحامه، وفتح المجال أمام المستوطنين للوصول إلى الأقصى بأقل احتكاك ممكن مع الفلسطينيين.
- عزل القدس عن فضائها الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية، وتحويل القدس إلى بيئة طاردة لسكانها الأصليين.
- منع المقدسيين من التمدد العمراني، من خلال حصارهم بعددٍ كبيرٍ من المشاريع التي تعيق قدرتهم على البناء، وهي قدرة محدودة أصلا بسبب ما تقوم به سلطات الاحتلال من هدم لمنازل الفلسطينيين ومنشآتهم، والشروط التعجيزية للحصول على رخص البناء.
- الاستيلاء على مزيد من الأراضي في القدس المحتلة، إذ تتذرع سلطات الاحتلال بـ"المنفعة العامة" لتضع يدها على المزيد من الأراضي الفلسطينية.
أبرز المشاريع الرامية إلى تهويد فضاء القدس
ولتحقيق الأهداف السالفة، نورد في النقاط الآتية أبرز المشاريع التي أقرتها سلطات الاحتلال في السنوات الماضية، وتتنوع ما بين مشاريع استيطانية وأخرى ترفيهية، إلى جانب تلك التي تتعلق بالمواصلات العامة:
الاستيلاء على مزيد من الأراضي في القدس المحتلة، إذ تتذرع سلطات الاحتلال بـ"المنفعة العامة" لتضع يدها على المزيد من الأراضي الفلسطينية
١- أبراج للسيارات في القدس القديمة
كشفت صحفٌ عبرية في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 أنّ بلدية الاحتلال في القدس تخطط لبناء 10 أبراج لوقوف السيارات عند بعض مداخل البلدة القديمة في القدس، وتضمن المخطط بناء ستة أبراج بالقرب من باب العمود، وأربعة بالقرب من باب النبي داود. ويبلغ ارتفاع البرج الواحد من 15 إلى 17 مترا، ويمكنه استيعاب 12 سيارة. ولم يتم تنفيذ المشروع حتى إعداد هذه المادة، ولكن سلوك الاحتلال يُشير إلى أنه يضمن الإقرارات اللازمة ويؤخر التنفيذ إلى حين إيجاده الظروف الملائمة.
٢- دولاب "ترفيهيّ" ضخم يطلّ على الأقصى من جبل المكبّر
في نهاية عام 2020 أعلنت مصادر عبرية أن بلدية الاحتلال في القدس تنوي إنشاء دولاب ضخم في القسم الغربي من متنزّه "ارمون هنتسيف" (قصر المندوب السامي) الاستيطانيّ، الذي يقع على طرف جبل المكبّر المطلّ على البلدة القديمة والمسجد الأقصى من الجنوب، وسيكون بارتفاع 40 إلى 60 مترا. وستنفِّذ البلدية هذا المشروع بالتعاون مع "سلطة تطوير القدس" في إطار خطة شاملة لترميم المتنزه.
٣- أبراج استيطانية ضخمة في القدس المحتلة
- في مستوطنة "التلة الفرنسية": 9 كانون الأول/ ديسمبر 2020 صادقت "اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال على مخطط إقامة برجٍ استيطاني ضخم في منطقة التلة الفرنسية، يعدُّ الأطول في المدينة المحتلة. وبحسب المخطط سيضم 30 طبقة إضافةً إلى البنية التحتية، وستشمل طبقاته مكاتب ومحال تجارية وفنادق وأماكن ترفيهية ومواقف للسيارات، وشققا لطلاب الجامعة العبرية، ونحو 150 وحدة استيطانية. وبحسب خبراء مقدسيين، سيساوي ارتفاع البرج ارتفاع "عجلة القدس" الترفيهية، التي ستقام على سفوح جبل المكبر.
- على أراضي حي الثوري: في أواخر شهر آذار/ مارس 2022 أقرت بلدية الاحتلال بالقدس بناء أبراج ضخمة على أراضي حي الثوري، ويقع المشروع عند مدخل الحي ضمن المنطقة الصناعية "تالبيوت"، ويتكون من 30 طبقة. وبحسب "اللجنة اللوائية" سيشرف على البلدة القديمة والقدس بشطريها، ويستوعب 149 وحدة استيطانية جديدة.
٤- القطار الهوائي المحمول "التلفريك"
يُعد مشروع القطار المعلق "التلفريك" من أبرز المشروعات التهويدية في المدينة المحتلة، فإلى جانب أهداف الاحتلال الرامية إلى تشويه المشهد الحضاري للمدينة، يهدف بناء المشروع إلى رفع أعداد المستوطنين القادمين إلى المدينة، خاصة أولئك الذين يشاركون في اقتحام المسجد الأقصى. وعلى الرغم من اعتراض العديد من الجهات الإسرائيلية على إقامة المشروع، إلا أن سلطات الاحتلال تمضي في تنفيذ مراحله. وعند الانتهاء من بنائه سيكون قادرا على نقل 3000 شخص في الساعة، باستخدام 72 عربة، وستبلغ تكلفة المشروع وفق ما كان مخططا له نحو 200 مليون شيكل (55.2 مليون دولار).
وتتبنى المشروع وزارة السياحة الإسرائيلية، وتشرف عليه "اللجنة الوطنية للبنية التحتية"، وتنفذه "هيئة تطوير القدس". وتشمل المرحلة الأولى من الخطة ثلاث محطات: الأولى في محطة القطار القديم في حي البقعة الكائن في الشطر الغربي من القدس، ثم يمر "التلفريك" فوق حي الثوري نحو المحطة الثانية بالقرب من موقف السيارات عند جبل صهيون، ثم يسير على طول جدار القدس نحو محطته الثالثة في سلوان (عند "مركز كيدم" التهويديّ).
وعلى أثر الاعتراضات على المشروع، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في 23 شباط/ فبراير 2021 أمرا احترازيّا بخصوص مشروع "التلفريك"، وبناء عليه طالبت المحكمةُ حكومة الاحتلال بتقديم تفسيرات حول مبررات إقامته في محيط البلدة القديمة. وفي نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، حددت المحكمة جلسة للنظر في اعتراضات مختلفة عن المشروع، وقبيل انعقاد الجلسة صرحت وزارة المواصلات في حكومة الاحتلال في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أن القطار المعلق ليس لو دورٌ في النقل، وأن "الضرر الذي يسببه سيتجاوز الفوائد"، وبحسب الوزارة فإن بناء أبراج ضخمة على طول خط القطار المعلق "التلفريك" سيغير "أفق المدينة التاريخي" بشكلٍ لا رجعة عنه. وصرحت وزيرة حماية البيئة في حكومة الاحتلال تمار زاندبرغ بأن التلفريك "سيلحق الضرر بالمناظر الطبيعية وحساسية المنطقة".
وعلى الرغم من استمرار رفض المشروع، إن كان من قبل السكان الفلسطينيين، أو من قبل جهات حكومية إسرائيلية، إلا أن حكومة الاحتلال أبلغت المحكمة العليا، أنها تدعمه. فقد ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أن حكومة الاحتلال أبلغت المحكمة العليا بأنها تدعم استكمال بناء خط "التلفريك"، وأن بيان الحكومة جاء استجابةً لطلب المحكمة على أثر جلستها السابقة. وحول موقف وزارتي المواصلات والبيئة قالت حكومة الاحتلال إنه "على الرغم من أن الوزارتين أعربتا عن معارضتهما للخطة، إلا أن مواقفهما لا تغير الخطة أو تلغيها".
وفي 15 أيار/ مايو 2022 صادقت المحكمة الإسرائيلية العليا على إقامة خط للقطار المعلق "التلفريك"، الممتد حتى عمق البلدة القديمة من القدس المحتلة، بعد رد الالتماسات التي قدمت ضد المشروع. وذكرت القناة العبرية السابعة أن الخطة التي صادقت عليها محكمة الاحتلال، تشمل خط القطار المعلق بطول 1.4 كم، يتضمن أربع محطات.