في نهايات تسعينيات القرن الماضي ومع بداية الألفية الجديدة، كانت الحياة السياسية في مصر على موعد مع هيمنة سياسية وإعلامية وانتخابية ملحوظة لأسطورة ما عرف آنذاك بالحزب الوطني الديمقراطي.
"من أجلك أنت"، كان هذا هو شعار الحزب الوطني في مصر إبان عصر المخلوع الراحل حسني مبارك، فهو رمز الحرية ونموذج التفاني في خدمة المواطنين، هو منبع إعداد القادة في جمعية جيل المستقبل تحت إشراف جمال مبارك، وهو الواجهة السياسية الرائدة لرجال أعمال مبارك على شاكلة أحمد عز ومحمد سليمان وآخرين.
في وقت قياسي، كان الحزب الوطني أملا لثلة المنتفعين في محافظات مصر، من أراد أن يحوز سلطة ووجاهة في المجتمع، فعليه بالانضمام للحزب الوطني، ومن أراد التقرب من رجال الشرطة وتخليص أوراق رخصة القيادة وغيرها، فعليه بعضوية الحزب الوطني، ومن أراد حماية من بطش نظام مبارك فعليه بالولاء للحزب الوطني، ومن أراد دخول انتخابات مجلس الشعب والتمتع بحصانة برلمانية، فطريقه يمر عبر لجنة السياسات في الحزب الوطني.
أكذوبة جديدة أعادتني إلى أيام كذب الحزب الوطني وألاعيبه وتضليله للرأي العام، لم يكن للحزب الوطني علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد، وكذلك الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي، فلا جهة مستقله ترعاه، ولا معارضة حقيقية ممثلة، ولا قوى وطنية من مختلف التيارات مشاركة
أكذوبة كبرى صنعها مبارك ورجاله، سيطروا من خلالها على مفاصل الدولة، ضحكوا بها على ضعاف النفوس وامتلكوا ولاءات من لا ولاء لهم، أطلقوا البرامج التلفزيونية كي تمدح في سياسات الحزب الوطني، وسخّروا آلة الدعاية الإعلامية السوداء لإقناع بسطاء المصريين بأن الحزب الوطني حقيقة من أجلك أنت.
الحقيقة كانت في يناير (كانون الثاني) الثورة وما بعدها، من غضب شعبي وصل ذروته يوم جمعة الغضب، وانتهى المطاف بالحزب الوطني كركام محروق بأيدي أبناء الشعب المصري الغاضبين، الذين وجدوا فرصة حقيقية لكشف أكاذيب هذا الحزب الوطني للمرة الأولى وللأبد.
تذكرت كل هذه الأيام والذكريات وأنا أتابع ما يطلق عليه إعلاميا الآن
الحوار الوطني برعاية عبد الفتاح
السيسي رأس الدولة في مصر، أكذوبة جديدة أعادتني إلى أيام كذب الحزب الوطني وألاعيبه وتضليله للرأي العام، لم يكن للحزب الوطني علاقة بالسياسية من قريب أو بعيد، وكذلك الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي، فلا جهة مستقله ترعاه، ولا معارضة حقيقية ممثلة، ولا قوى وطنية من مختلف التيارات مشاركة.
خلال الأسابيع الماضية، تبين للجميع أن الحوار الوطني المزعوم ما هو إلا لقطة جديدة من لقطات السيسي وعباس كامل، يحاولون بها إما كسب الوقت إو إلهاء الرأي العام بعيدا عن الفشل الاقتصادي الحاصل في الداخل المصري، حوار وطني يقصي الآخرين ويعتقل المعارضين ويحكم قضائيا بالسجن على صحفيين، ويحاكم مرشحا رئاسيا سابقا ومساعديه، كل ذلك والسيسي وإعلامه وقنواته وأذرعه الإعلامية، لا حديث لهم إلا عن الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس، على حد قولهم.
في شهر كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٠، قبل اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير بأسابيع قليلة، وقف رجل الأعمال المصري والقيادي البارز في الحزب الوطني أحمد عز أمام مجلس الشعب المزور، ليعلن بالأرقام عن نتيجة فوز جميع مرشحي الحزب الوطني في آخر انتخابات قبل الثورة بأغلبية المقاعد. عز في ذلك اليوم لم يعلن هزيمة معارضي النظام، وإنما كتب شهادة وفاة نظام مبارك بالشكل الفج الذي أخرج به هذا المؤتمر.
الإقصاء والتخوين وتشويه فصيل بعينه، ثم الكذب مرة تلو الأخرى وادعاء المثالية والتشدق باسم الوطنية واحتكار الرواية الأمنية، كلها أسباب أطاحت بالحزب الوطني في عهد مبارك، وستكون الأسباب نفسها التي ستذهب بما يعرف بالحوار الوطني إلى حيث انتهى الأمر بحزب مبارك اللاوطني
اليوم، تستضيف الأذرع الإعلامية التي تأتمر بأمر السيسي وعباس كامل، تستضيف بعض الرموز السياسية، مثل حمدين صباحي وياسر الهواري وخالد داود، وتقدمهم في شكل معارضي السلطة ممن يريدون ويؤيدون مبدأ الحوار الوطني مع النظام، ولكن السؤال الملح هنا: إلى أي مدى يريد نظام السيسي حوار وطنيا جادا بالفعل؟
منذ أيام، خرجت لميس الحديدي ترد على القيادي في جماعة
الإخوان المسلمين يوسف ندا وتعليقه على الحوار الوطني الذي دعا له السيسي. لميس الحديدي استخدمت عبارة غاية في الخطورة حين قالت: "لا مكان للإخوان في هذا الوطن"، وكأن هذا هو القانون الذي وضعه عبد الفتاح السيسي، شريطة بدء أي حوار وطني مزعوم، وهو الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه صفوت الشريف وأحمد عز في التعاطي مع الملفات السياسية والإعلامية كافة في عصر مبارك.
الإقصاء والتخوين وتشويه فصيل بعينه، ثم الكذب مرة تلو الأخرى وادعاء المثالية والتشدق باسم الوطنية واحتكار الرواية الأمنية، كلها أسباب أطاحت بالحزب الوطني في عهد مبارك، وستكون الأسباب نفسها التي ستذهب بما يعرف بالحوار الوطني إلى حيث انتهى الأمر بحزب مبارك اللاوطني.
twitter.com/osgaweesh