بعد حديث رئيس الوزراء المصري في منتصف الشهر الماضي، عن بيع عدد من الأصول الحكومية لسداد جانب من الديون خاصة لدول الخليج، حدد وزير النقل بعده عددا من الأصول التي سيتم طرحها في البورصة ما بين موانئ وشركات حاويات وشركات للسكة الحديد وغيرها، ثم حدد وزير قطاع الأعمال عددا من الفنادق لتحويلها لشركة رغم تبعيتها حاليا لشركات حكومية، في إطار مسعى سداد الديون كما قال.
ومر الأمر إعلاميا وبرلمانيا كأنه يحدث في دولة أخرى، بينما كان مجرد الإعلان عن نية بيع بنك القاهرة عام 2007 كفيلا بتفجر غضب إعلامي وشعبي تسبب في تأجيل عملية البيع حتى الآن، خاصة وأن تلك الأصول ملك للشعب وليست للحكومة تتصرف فيها دون موافقة شعبية.. وأن دورها يتطلب زيادة تلك الأصول وليس بيعها، وهي الأصول التي تساهم بفوائضها في تعزيز إيرادات الموازنة العامة المصابة بالعجز المزمن، وتعزز من قدرة وزارة المالية على ضمان القروض الخارجية والداخلية.
لكن مناخ غياب الحريات السائد وإعلام الصوت الواحد، وتغييب دور مؤسسات المجتمع المدني، تسبب حتى في غياب أي حوار حول طرق بيع تلك الأصول واقتراح أنسبها، رغم عدم مناسبة التوقيت الحالي للطرح في البورصة، مع تراجع أسعارها، حتى أن حوالي 20 في المائة من الشركات المقيدة بها، يتم تداول أسهمها بقيم تقل عن القيمة الإسمية التي صدرت بها تلك الأسهم.
مناخ غياب الحريات السائد وإعلام الصوت الواحد، وتغييب دور مؤسسات المجتمع المدني، تسبب حتى في غياب أي حوار حول طرق بيع تلك الأصول واقتراح أنسبها، رغم عدم مناسبة التوقيت الحالي للطرح في البورصة، مع تراجع أسعارها، حتى أن حوالي 20 في المائة من الشركات المقيدة بها، يتم تداول أسهمها بقيم تقل عن القيمة الإسمية
ومع قلة السيولة في البورصة التي تتجلى في ضعف قيمة التعامل، مما سيؤدى إلى بيع أسهم الشركات الحكومية
بأثمان بخسة، كما حدث مع بيع أسهم خمس شركات لإحدى الشركات الإماراتية مؤخرا، خاصة أن المشترين من الصناديق السيادية الخليجية هي التي تحدد
أسماء الشركات التي تطلب شراء أسهمها، وهي الشركات ذات التاريخ الطويل من الربحية والأداء المتميز.
22 شركة قابضة حكومية و256 تابعة
وكان كثير من الخبراء قد طالبوا الحكومة خلال فترة
الخصخصة للشركات في التسعينات من القرن الماضي، بتوجيه حصيلة الخصخصة إلى تأسيس شركات أخرى جديدة تشارك فيها بنسبة بالاشتراك مع البنوك والقطاع الخاص، استهدافا لزيادة الإنتاج والتشغيل، واعترضوا على توجيه جزء من حصيلة الخصخصة وقتها لسداد ديون الشركات، مما دفع وزير الاستثمار محمود محيى الدين، المشرف على قطاع الأعمال العام خلال فترته، لبيع أراض تابعة لعدد من الشركات القابضة لسداد ديونها لتخفيف الأعباء عن تلك الشركات.
لكنه تبدو قضية أصول الدولة غامضة لعموم المصريين حتى للمتخصصين بالاقتصاد، ولولا ضغوط صندوق النقد الدولي على وزارة المالية فيما بعد اتفاق عام 2016، للإفصاح عن ممتلكات الدولة ما كنا عرفنا شيئا عن أداء تلك الشركات، والذي ظل أمرا مبهما لسنوات عديدة، خاصة وأنها حسب تأسيسها تخضع لخمسة قوانين وسبع قرارات جمهورية وسبع قرارات لرئيس الوزراء.
تبدو قضية أصول الدولة غامضة لعموم المصريين حتى للمتخصصين بالاقتصاد، ولولا ضغوط صندوق النقد الدولي على وزارة المالية فيما بعد اتفاق عام 2016، للإفصاح عن ممتلكات الدولة ما كنا عرفنا شيئا عن أداء تلك الشركات، والذي ظل أمرا مبهما لسنوات عديدة
كما تخضع لتبعية العديد من الوزارات، وهي: قطاع الأعمال العام، والبترول، والإسكان، والطيران، والتموين، والموارد المائية، والإنتاج الحربي، والكهرباء، والاتصالات، والصحة، والنقل.
وتضمن إفصاح وزارة المالية عن القوائم المالية المُجمعة وليست التفصيلية للوحدات الاقتصادية في العام المالي 2019/2020؛ الكشف عن وجود 22 شركة قابضة خاضعة للوزارات، تتبعها 209 شركات تابعة، بالإضافة إلى 47 شركة أخرى تابعة لبعض الهيئات الحكومية مثل هيئة البترول وهيئة قناة السويس، ليصل العدد الإجمالي للشركات التابعة للدولة إلى 256 شركة، بعضها شركات ضخمة مثل المقاولون العرب، والمصرية للاتصالات، والبنك الأهلي المصري، وبنك مصر، ومصر للطيران.
59 هيئة اقتصادية و161 هيئة خدمية
لكن الأمر لا يقتصر على ما ورد في تقرير وزارة المالية، فهناك أيضا 59 هيئة اقتصادية مملوكة للدولة بعضها ضخم؛ مثل هيئة البترول وهيئة قناة السويس وهيئة ميناء الإسكندرية، و161 هيئة خدمية، بخلاف الوزارات الأربع والثلاثين ودواوين عموم المحافظات السبع والعشرين والمديريات الخدمية في المحافظات، إلى جانب مساهمات الجهات الحكومية في 646 شركة مشتركة مع القطاع الخاص، بقيمة مساهمة للمال العام بـ140 مليار جنيه حسب بيانات عام 2016، والتي لم تقم أية جهة حكومية بتحديثها حتى الآن. وكلما نقّب الباحث سيجد أملاكا حكومية أخرى، مثل الشركات التابعة لهيئة السكة الحديد، والشركات التابعة للشركة المصرية للاتصالات والبنك المركزى والمصرف المتحد المملوك له، وغير ذلك من شركات النقل.
لا يوجد حتى الآن دليل شامل لأصول الدولة المصرية، فما بالك بمطلب الاقتصاديين بإتاحة القوائم المالية الحديثة لأداء تلك الشركات، للتعرف الدوري على أدائها وتقييم ذلك الأداء، بعد سياسة رفع أسعار الخدمات والمنتجات التي تقدمها تلك الجهات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، وإيقاف التعيينات فيها استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، ليتم الخفض التدريجى للعمالة
وهكذا لا يوجد حتى الآن دليل شامل لأصول الدولة المصرية، فما بالك بمطلب الاقتصاديين بإتاحة القوائم المالية الحديثة لأداء تلك الشركات، للتعرف الدوري على أدائها وتقييم ذلك الأداء، بعد سياسة رفع أسعار الخدمات والمنتجات التي تقدمها تلك الجهات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، وإيقاف التعيينات فيها استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، ليتم الخفض التدريجى للعمالة مع الخروج الدورى للمعاش مما يقلل أعباء الأجور.
وحسب بيانات وزارة المالية الإجمالية لأداء الشركات القابضة الاثنتين والعشرين والشركات التابعة البالغة 256 شركة، منها أربعة بنوك حكومية كبيرة، فقد بلغ إجمالى المال المستثمر فيها خلال العام المالي 2019/2020 نحو ثلاثة تريليونات و906 مليار جنيه، بينما بلغت حقوق الملكية فيها 872 مليار جنيه، وبلغت أرباحها خلال ذلك العام 36 مليار جنيه. ويمثل رقم الربح صافي الأرباح بعد استبعاد خسائر الشركات الخاسرة وعددها 55 شركة.
أرقام لا تتضمن الهيئات الاقتصادية والهيئات الخدمية، وهو ما يشير إلى ضخامة قيمة أصول تلك الجهات الحكومية، والحاجة لمزيد من الإفصاح التفصيلي عن أدائها، خاصة مع انخفاض عدد الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام خلال السنوات الأخيرة، بسبب عمليات الدمج للشركات
وهي أرقام لا تتضمن الهيئات الاقتصادية والهيئات الخدمية، وهو ما يشير إلى ضخامة قيمة أصول تلك الجهات الحكومية، والحاجة لمزيد من الإفصاح التفصيلي عن أدائها، خاصة مع انخفاض عدد الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام خلال السنوات الأخيرة، بسبب عمليات الدمج للشركات مثلما حدث مع شركات الغزل والنسيج الإحدى والثلاثين، التي تم دمجها في تسع شركات للغزل والنسيج وشركة واحدة لحليج وتجارة الأقطان.
وكذلك دمج عدد من شركات التشييد واقتطاع شركتي تجارة الأدوية من قطاع الأعمال العام وضمهما لهيئة الدواء، إلا أنه على الجانب الآخر تظهر شركات حكومية جديدة مثل شركة تسويق منتجات شركات الغزل والنسيج والملابس.
ليبقى السؤال: متى يعرف المصريون عدد وأسماء وأداء الشركات المملوكة لهم، وإلزام تلك الشركات بالإفصاح ولو سنويا عن أدائها؟ حيث أن بعض البنوك المملوكة للحكومة لا تفصح منذ سنوات عديدة عن أدائها، مثل البنك العقارى المصري العربي والبنك الزراعي والمصرف المتحد، وتكرار ذلك مع شركات حكومية كبرى في مجالات عديدة.
twitter.com/mamdouh_alwaly