(تذكير بالبديهيات الغربية)
إسرائيل جددت وأكدت حقها في قصف الدول المجاورة وانتهاك مجالها الجوي، وشن الغارات العسكرية على سوريا ولبنان وقطاع غزة، وقد جاء التجديد والتأكيد بعد تصريحات إيرانية للتصعيد في حال استهداف قوات طهران في سوريا، وكذلك بعد مناورات جوية دفاعية بين موسكو ودمشق..
ومع أن التصريحات هذه المرة تجاوزات الحديث عن حق تل أبيب في قصف دول الجوار إلى حقها في قصف المفاعل النووي الإيراني، إلا أن التأكيد الإسرائيلي على الاستمرار في شن الغارات عبر الحدود هو حق لحماية المحيط الأمني، وهو حق يتمتع بتأييد غربي معلن، ولطالما تكررت التصريحات الأمريكية والأوروبية التي تدعم حق تل أبيب في حماية نفسها من حزب الله ومليشيات حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية والقوات المتواجدة على الأراضي السورية، وأي خطر يهدد أمن الكيان المصنوع غربياً من أجل مهام التدخل والعدوان وانتهاك أمن المنطقة كلها.
الموقف الغربي الداعم لإسرائيل في حماية أمنها حتى لو تدخلت عسكريا في دول الجوار، يعطي موسكو الحق في التدخل العسكري عبر الحدود الشرقية لمنع التهديدات العسكرية للناتو ووكلائه، لكن المبررات تنقلب بشكل عكسي وعلني ومتبجح
(الشيء بالشيء يُذكر)
الموقف الغربي الداعم لإسرائيل في حماية أمنها حتى لو تدخلت عسكريا في دول الجوار، يعطي موسكو الحق في التدخل العسكري عبر الحدود الشرقية لمنع التهديدات العسكرية للناتو ووكلائه، لكن المبررات تنقلب بشكل عكسي وعلني ومتبجح، وقد دأب لافروف في تصريحاته مؤخرا على التذكير بتلك المفارقة من خلال مقارنة الوضع في أوكرانيا بالأوضاع في فلسطين والشرق الأوسط..
هكذا تكشف التصريحات الدبلوماسية والوقائع السياسية والعسكرية المتمثلة في دعم تشكيل "فصائل مقاومة" للدفاع عن استقلال أوكرانيا، أن الغرب يسعى إلى تصنيع "إسرائيل جديدة" في شرق أوروبا، ولا يهمه في سبيل ذلك حجم التناقضات بين الوضع في أوكرانيا والوضع في فلسطين. ففي حين ينشط الغرب لدعم أوكرانيا ضد العدوان فيرسل السلاح والمال والرجال ويجند الإعلام والمنظمات الدولية ويتوسع في العقوبات، يتم في المقابل خنق غزة ومحو فلسطين وإدانة المقاومة ومنع تسليحها، ومنح المغتصبين حق قصف بيوتها واغتيال قادتها، بل واغتيال النساء والأطفال في حالة الاشتباه في حمل حجر ضد جنود الاحتلال أو الدفاع عن شجرة زيتون أو الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى!
(كلب الغرب)
لم اهتم بالمشهد الذي أبرزه الإعلام الغربي لتكريم كلب أوكراني باعتباره "بطل حرب"، وذلك في حفل رسمي شارك فيه الرئيس زيلينسكي ورئيس الوزراء الكندي، لكني شعرت ببعض الدهشة من
تكريم مهرجان كان السينمائي الدولي لنفس الكلب!!
في حين ينشط الغرب لدعم أوكرانيا ضد العدوان فيرسل السلاح والمال والرجال ويجند الإعلام والمنظمات الدولية ويتوسع في العقوبات، يتم في المقابل خنق غزة ومحو فلسطين وإدانة المقاومة ومنع تسليحها، ومنح المغتصبين حق قصف بيوتها واغتيال قادتها، بل واغتيال النساء والأطفال في حالة الاشتباه في حمل حجر ضد جنود الاحتلال أو الدفاع عن شجرة زيتون أو الذهاب للصلاة في المسجد الأقصى
قد يكون مقبولا (حسب معرفتنا بالغرب) أن يكرم الرئيس الأوكراني كلبا شارك في اكتشاف الألغام وساهم في إنقاذه أرواح المدنيين أثناء الحرب، لكن ما علاقة مهرجان سينما دولي بشجاعة الكلب حسب حيثيات التكريم والجائزة التي نالها الكلب؟
(محاولة للفهم)
فكرت بهدوء محاولا تجاوز الدهشة وتقبل الخبر بعقلانية صدعنا بها الغرب، فوجدت أن المهرجان وافق من سنوات على برنامج فرعي اقترحه أحد محبي
الكلاب لمنح جائزة لكلاب السينما، والمقصود طبعا الكلاب التي تشارك في أعمال سينمائية، ولا عجب في ذلك، فالغرب ديمقراطي بحق فيما يخص حقوق الحيوانات وكائنات مجتمع الميم.
وسواء اتفقنا أو اعترضنا على هذه الصرعات فإنها مفهومة في نسق الفكر والتشريعات الغربية، لكن أن يتجاوز مهرجان السينما الأول في العالم حدود السينما لتكريم "أبطال الحروب وكلابها"، فهذا مخالف للمنطق وللوائح والتقاليد السينمائية، خاصة وأن المهرجان منع أحد المخرجين من الحضور بسبب انتعاله حذاء تقليديا يخص أحد الشعوب المضطهدة في العالم. وتفاصيل الواقعة لمن لم يتابعها أن إدارة المهرجان منعت المخرج الكندي كليفين ريدفيلز من الدخول والسير على السجادة الحمراء لأنه يرتدي حذاء (غريب الشكل) مصنوعا يدويا بطريقة "موكاسين" التي تمثل فئة من السكان الأصليين في شمال غرب كندا، وبرغم أن المخرج شرح القيمة الثقافية والجمالية لملابس الفئة الاجتماعية المضطهدة التي ينتمي إليها، إلا أن إدارة المهرجان أصرت على منعه من الدخول إلا بعد تغيير الحذاء!
سواء اتفقنا أو اعترضنا على هذه الصرعات فإنها مفهومة في نسق الفكر والتشريعات الغربية، لكن أن يتجاوز مهرجان السينما الأول في العالم حدود السينما لتكريم "أبطال الحروب وكلابها"، فهذا مخالف للمنطق وللوائح والتقاليد السينمائية، خاصة وأن المهرجان منع أحد المخرجين من الحضور بسبب انتعاله حذاء تقليديا يخص أحد الشعوب المضطهدة في العالم
(ما بعد البديهيات الغربية)
حديث الفصام الغربي والمعايير المزدوجة صار مألوفا لدرجة الملل ومفضوحا لدرجة البجاحة والتبلد وعدم الفائدة من تذكير الناس به، لكن الحديث عن الكلاب في الغرب يظل مشوقا وله دلالاته وثيقة الصلة بالسياسة والفكر. فالغرب هو الذي أسس لمفهوم "كلاب السلطة"، وهو الذي استخدم المفهوم بشكل إيجابي في عمليات الرقابة وحماية الحريات "كلاب المراقبة". وبعيدا عن الاهتمام الشخصي لقادة ورؤساء الغرب بالكلاب، فقد كان مستفزا أن يقوم ترامب بتكريم كلب في حفل على الهواء في البيت الأبيض لبطولته في مطاردة قائد داعش أبو بكر البغدادي، وإجباره على تفجير نفسه (حسب الرواية الأمريكية الرسمية).
الاستفزاز والاشمئزاز لا ينطلق من التكريم الأمريكي والأوكراني للكلاب، لكنه ينطلق من ازدواجية الغرب في التعامل مع الكلاب أنفسهم، فهو يكرم الكلاب التي تخدم توجهاته، في حين أنه ينتقم من الأعداء بتصويرهم في صورة كلاب.
ولعل العالم المتحضر يخجل وهو يستعيد صورة المجندة الأمريكية التي وضعت طوق كلب في رقبة معتقل عراقي في سجون أبو غريب، وطلبت من زميل لها التقاط صورة تذكارية للعرب المتهمين بمقاومة الاحتلال والدفاع عن أرضهم!
الغرب يكرم كلابه ليس أكثر، وهو تكريم مشروط بقبول الطوق في الرقبة والقيام بالمهام التي يراها الغرب كبطولات من وجهة نظره. وأعتقد أن هذه العلاقة بين الغرب وكلابه تجسد بشكل واضح وسافر الصورة النهائية لسياسة التبعية وطبيعة العلاقة والشراكة بين واشنطن وأتباعها، وهذه الصورة المجسمة للتبعية تكشف لنا الصور الواقعية لكلاب الغرب في المشهد السياسي العام
وهنا يبرز السؤال: هل يكرم الغرب الكلاب أم يعتبرها صورة للإهانة؟
والإجابة الواضحة أن الغرب يكرم كلابه ليس أكثر، وهو تكريم مشروط بقبول الطوق في الرقبة والقيام بالمهام التي يراها الغرب كبطولات من وجهة نظره. وأعتقد أن هذه العلاقة بين الغرب وكلابه تجسد بشكل واضح وسافر الصورة النهائية لسياسة
التبعية وطبيعة العلاقة والشراكة بين واشنطن وأتباعها، وهذه الصورة المجسمة للتبعية تكشف لنا الصور الواقعية لكلاب الغرب في المشهد السياسي العام. والخيال مفيد هنا لتصور العلاقة بين الكلب باترون الذي كرمه زيلنسكي واحتفى به الغرب كرمز للمقاومة والبطولة، وبين زيلنسكي نفسه (الذي يقاوم الأعداء وينهش لحمهم وينفذ الأوامر الغربية بوفاء وطاعة تستوجب الرعاية والتكريم)..
والمثال ممتد ليشمل كل المطوقين بطوق التبعية من كلاب الغرب في كل المجالات..
أكرمكم الله وعفاكم من التبعية وتكريم الكلاب.
[email protected]