قضايا وآراء

إلا رسول الله يا مودي

عصام تليمة
1300x600
1300x600
استمرارا لسياسة الهند العنصرية ضد المسلمين في بلادهم الهندية، ومواقف الحكومة الهندية التي يرأسها السياسي مودي، فوجئنا بأحد رموز حزبه يكتب تغريدة يسيء فيها للنبي صلى الله عليه وسلم، واصفا زواجه بالسيدة عائشة بأنه اغتصاب لطفلة، وبعد هذا الكلام المسيء الذي أهاج المسلمين في العالم كله، قامت دعوات عدة شعبية ورسمية تطالب الهند بالاعتذار، وحاول الحزب الحاكم الاحتيال على الأمر، بأن يعلن أنه أوقف هذا الشخص، لكن عادت الهند لتعلن أنها لن تعتذر. والأمر هنا يحتاج لوقفات معه من عدة زوايا.

الزاوية الأولى: وهي إصرار هذه البلدان سواء الهندية أو الأوروبية، الاستناد إلى مزاعم وأكاذيب تروج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء بالتلفيق، أو بالتلاعب في المواقف المتناولة. فهذا الموضوع تناوله مستشرقون منصفون، وعلماء معاصرون بالبحث والتدقيق، وهو ما لا مجال للحديث عنه هنا، لكن إصرارهم على التطاول والإساءة، موقف أصبح واضحا لكل مراقب، وبخاصة في ظل ارتفاع موجة اليمين المتطرف في العالم الغربي.
الاستناد إلى مزاعم وأكاذيب تروج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء بالتلفيق، أو بالتلاعب في المواقف المتناولة. فهذا الموضوع تناوله مستشرقون منصفون، وعلماء معاصرون بالبحث والتدقيق

الزاوية الثانية: أن كل من تهجم على الإسلام ورسوله، ووصفه بأوصاف مشينة كاذبة، عند البحث والتدقيق نجد أن هذا المتطاول هو من يمارس ما يتهم به الإسلام. فالغرب حين يتهم الإسلام بالعنف ونشر الإسلام بالسيف، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم كان دمويا.. تجد في تاريخه الدموية بأبشع صورها، حيث يرصد التاريخ القديم والحديث ملايين البشر من ضحايا حروب الغرب وغير المسلمين، بينما يشهد المؤرخون المنصفون من الغرب نفسه، بعدالة ورحمة وأخلاقية الحرب في الإسلام.

ومن هذه الزاوية أيضا، رحت أبحث على محركات البحث عن موقف الهند من زواج الأطفال، فهالني ما وجدته من أرقام وإحصاءات، عن زواج الأطفال في الهند إلى سنوات قليلة مضت. فتقارير منظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، تذكر أن الهند هي أكبر البلدان التي ينتشر فيها زواج الأطفال بنسبة تبلغ 47 في المائة من جميع حالات الزواج فيها، وتكون أعمار الفتيات المتزوجات ما بين 10 إلى 14 عاما.
الغرب حين يتهم الإسلام بالعنف ونشر الإسلام بالسيف، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم كان دمويا.. تجد في تاريخه الدموية بأبشع صورها، حيث يرصد التاريخ القديم والحديث ملايين البشر من ضحايا حروب الغرب وغير المسلمين، بينما يشهد المؤرخون المنصفون من الغرب نفسه

وتقارير أخرى تفيد بأن النسبة تقل، لكنها تظل هي الأعلى على مستوى العالم أيضا. فهل كان الأولى بدولة في القرن الحادي والعشرين، أن يتحدث سياسي فيها يتولى حزبه الحكم، بالتطاول على نبي الإسلام بأمر هو منه براء، بينما بلده ترسف في الأمر، وهو ما ينطبق عليه قول العرب: رمتني بدائها وانسلت؟

الزاوية الثالثة: وهي موقف بعض الدول العربية والإسلامية التي اتخذت موقفا معلنا بالرفض، مثل: قطر، والسعودية، والكويت، وباكستان، وماليزيا، وقد صدرت بتصريحات رسمية برفض هذا الفعل، مع استدعاء سفراء الهند للاحتجاج على هذا الفعل.

هو موقف مشرف ومهم، ولكنه ليس كافيا، فلو نظرنا إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الهند ودول الخليج فهي علاقة قديمة وقوية، فسوق العمل في الخليج تأتي الهند في المرتبة الأولى فيها من حيث العمالة، ولو أن الهند أساءت إلى أمير دولة أو ملك في الخليج، لأوقف التعامل معها على الفور، ولقام بالضغط بكل وسيلة سياسية لوقف هذه المهزلة، فما بالنا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلا يزال لدى الحكومات ما تقوم به نصرة لرسولها.

الزاوية الرابعة: تفاعل المسلمون على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح هاشتاج "إلا رسول الله يا مودي" لفترة طويلة الأول والأكثر تداولا، وهو موقف سلمي وحضاري لا يمكن أن يرفضه أحد، فالغرب نفسه الذي بدأ هذه الإساءات باسم الحرية، عندما سخرت رسوم من ماكرون هاج وماج، وإذ بالروس أنفسهم أصحاب الرسوم يذكرونه بموقفه من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم باسم الحرية.

هل رفع سلاح المقاطعة الاقتصادية هنا سيكون علاجا ناجعا، أو مؤثرا، كما كان في حالات سابقة؟! ففي حالة فرنسا، اضطر وزير خارجيتها أن يطوف على البلدان العربية يحاول تخفيف هذه الضغوط، لكن المسلمين في وقفاتهم الشعبية لا ينتظرون مواقف الدول الرسمية، فلدى الشعوب أدوات سلمية تستطيع التعبير بها عن مواقفها، وهو ما ينبغي على أصحاب العقول والتخطيط في الأمة التفكير فيها، وفي بدائل أخرى. فالواضح أنها موجة مستمرة من دولة لأخرى، في ظل تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا، وشبه القارة الهندية.
اللافت للنظر أيضا في هذه الإساءة وتوقيتها، هو خلو الشارع العربي والإسلامي من التفاعل على الأرض، وذلك بسبب ما رأيناه من ثورات مضادة، جاءت بسلطات جثمت على صدور الشعوب، ولم يعد لديها أدنى طمأنينة لتحرك الشعوب في قضية كهذه لها تماس مع السياسة

الزاوية الأخيرة: لا شك أن الغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الإساءة إليه، أمر مهم، وواجب كل مسلم، لكن علينا ألا نغفل عن أمر جلل يحدث في الهند، من هدم للمساجد، وقتل للمسلمين بشكل متشنج وخارج القانون، وهو ما تم رصده في السنوات الأخيرة، بما يدل على أنه سياسة ممنهجة، وليست حالات عفوية. فالتعصب الدموي ضد المسلمين في الهند بارز وفج في السنوات الأخيرة، وهو ما يلفت النظر، ويسترعي الانتباه لهذه السياسة المرعبة، مع أقلية كبيرة للمسلمين، تزيد عن مائتي مليون، وهي رغم أنها أقلية، لكن عددهم يعادل تقريبا تعداد أكبر دولة  في العالم.

اللافت للنظر أيضا في هذه الإساءة وتوقيتها، هو خلو الشارع العربي والإسلامي من التفاعل على الأرض، وذلك بسبب ما رأيناه من ثورات مضادة، جاءت بسلطات جثمت على صدور الشعوب، ولم يعد لديها أدنى طمأنينة لتحرك الشعوب في قضية كهذه لها تماس مع السياسة. فعودة الحيوية للشوارع أمر يخيف هذه السلطات، وهو ما أصبحنا نفتقده في مثل هذه القضايا الدينية التي تتعلق بالثوابت الإسلامية، أو قضايا الأمة، كقضية فلسطين، والتي كانت حيوية هذه الشوارع، تعطي دفعة للأمة ونخبتها الدينية والسياسية، ولعل الله يكتب لها العودة قريبا إن شاء الله.

[email protected]
التعليقات (0)