تحل الذكرى الثانية لانفجار "بيروتشيما"
(انفجار مرفأ بيروت)، ذلك الانفجار الذي هز كيان كل حر فيه إنسانية على مستوى العالم،
ليس فقط بضخامته وقوة عصفه وحجم دماره المعنوي، إنما بحجم الكسور القابعة في
نفوسنا على سيدة العواصم بيروت وشعبها الطيب الصابر على المآسي المتتالية من قبل
الانفجار وخلاله وبعده، وللأسف حتى الساعة لا يُعلم هل الى خروج من سبيل!
بلاد مُزق قلبها في وضح النهار،
حرقت أشلاء أبنائها امام أعينها، ولا تزال العدالة غائبة في بلاد اعتادت جرائمها
الكبرى أن تبقى طي النسيان والهجران والكتمان!! وللأسف هناك شعور بتواطؤ محلي
إقليمي دولي في نسف الحقيقة، فلا المحققون العدليون
اللبنانيون وصلوا لمكان يرغب أهل
الشهداء بالوصول إليه لتنجلي حقيقة تشفي صدورهم فيمن فقدوا، ولا تأثير الإقليم
بحروبه وغايته سهّل الوصول إلى أدلة بيّنة تساعد التحقيق، ولا حتى المجتمع الدولي
مع أقماره الصناعية التي لطالما اعتادت النوم عند كل إنجار ضخم أو حدث جلل، فلا
صور من الأقمار الصناعية ولا من يحزنون.
فكيف تأتي العدالة في زمن يصنف
لبنان بين الدول الأكثر فسادا حسب مؤشر مدركات
الفساد؟
وفي التقرير السنوي الذي يصنّف 180 دولة حسب المستويات المتصورة
لفساد القطاع العام فيها على مقياس من صفر (فاسد للغاية) إلى 100 (نزيه للغاية)، احتل
لبنان المركز 154 من أصل 180 دولة وحصل على معدّل 24 من مائة. والحقيقة تقول إنه لم يكن مُستَغرباً وصول لبنان إلى هذا المستوى، فما
تغيَّر منذ العام 2019 ليس بسيطاً، وبالتوازي، لم تقم السلطة بإجراءات إصلاحية
لتدارُك الانهيار، برغم إقرارها الكثير من القوانين التي تكافح الفساد، لكن كلّها
بقيت حبراً على ورق.
كيف تأتي العدالة في زمن يصنف لبنان بين الدول الأكثر فسادا حسب مؤشر مدركات الفساد؟
وفي التقرير السنوي الذي يصنّف 180 دولة حسب المستويات المتصورة لفساد القطاع العام فيها على مقياس من صفر (فاسد للغاية) إلى 100 (نزيه للغاية)، احتل لبنان المركز 154 من أصل 180 دولة وحصل على معدّل 24 من مائة
وعليه، فإن سلسلة القوانين الخاصة بمكافحة الفساد التي أقرها
مجلس النواب في السنوات الأخيرة، كقانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم
الفساد، أو ما يعرف بالأموال المنهوبة، وقانون تعديل قانون الحق في الوصول إلى
المعلومات، وقانون مكافحة الفساد في القطاع العام، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة
الفساد، قانون حماية كاشفي الفساد.. لم تطبّق بشكل فعّال، ما يُبرز ضرورة أن يقر
مجلس الوزراء المراسيم التطبيقية الخاصة بها لتسيير تنفيذها.
وبكلام واضح، إن عدم الإقرار يعني بأن تطبيق الإطار القانوني
لمكافحة الفساد ما زال يشكّل تحدياً كبيراً، في ظل عدم وجود الإرادة السياسية
لمكافحة الفساد في القطاع العام، وأن يكون الرئيس القادم قادرا على مكافحة الفساد ومساعدة
العدالة المفقودة في جملة جرائم؛ تبدأ من الودائع المغيبة المحجوزة ولا تنتهي
بانفجار المرفأ.
إن العدالة الغائبة لا تحتاج أدلة،
ولكن من الجدير ذكره ومن النادر حدوثه أن يصدر البنك الدولي في أقل من شهور تقريرين
يدين فيهما السياسيين اللبنانيين الجائرين. فبعد تقرير كانون الثاني/ يناير
المنصرم والذي قال فيه إن الأزمة هي من تدبير قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر
منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية. وقد استمرّت هذه
الهيمنة على الرغم من شدة الأزمة، وعليه باتت تُعرّض للخطر الاستقرار والسلم
الاجتماعي في البلاد على المدى الطويل.
العدالة الغائبة لا تحتاج أدلة، ولكن من الجدير ذكره ومن النادر حدوثه أن يصدر البنك الدولي في أقل من شهور تقريرين يدين فيهما السياسيين اللبنانيين الجائرين
فقد أفلس نموذج التنمية الاقتصادية
للبنان الذي ازدهر بفضل تدفقات وافدة كبيرة لرؤوس الأموال ودعم دولي في مقابل وعود
بإجراء إصلاحات. علاوةً على ذلك، يحدث الانهيار في بيئة جيوسياسية تتّسم بدرجة
عالية من عدم الاستقرار، الأمر الذي يزيد من إلحاح الحاجة إلى معالجة هذه الأزمة
الحادة.
لقد جاء التقرير الثاني في مطلع شهر آب/
أغسطس، شهر الانفجار المشؤوم، ليتهم البنك الدولي فيه السياسيين اللبنانيين بالقسوة لتأكيدهم على أن الودائع في القطاع
المصرفي المنهار في البلاد مقدسة، قائلا إن مثل هذه الشعارات تتعارض بشكل صارخ مع
الواقع.
ويعيش لبنان الآن في ثالث سنة من الانهيار المالي الذي خلف
ثمانية من كل عشرة أشخاص فقراء، والذي يقول البنك الدولي إنه متعمد وقد يكون واحدا
من أسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العصر الحديث.
يعيش لبنان الآن في ثالث سنة من الانهيار المالي الذي خلف ثمانية من كل عشرة أشخاص فقراء، والذي يقول البنك الدولي إنه متعمد وقد يكون واحدا من أسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العصر الحديث
أضاف
البنك الدولي: "ينبغي على مساهمي البنوك وكبار الدائنين، الذين استفادوا بشكل
كبير خلال الثلاثين عاما الماضية من نموذج اقتصادي غير متكافئ للغاية، قبول
الخسائر وتحملها.. كان ينبغي أن يحدث هذا في بداية الأزمة.. للحد من المعاناة
الاقتصادية والاجتماعية".
وللتذكير،
فقد أقرضت البنوك اللبنانية بشكل كبير الدولة، التي تراكمت عليها ديون ضخمة بسبب
الفساد وسوء الإدارة. وقال تقرير البنك الدولي إن "قسما كبيرا" من
مدخرات الناس "أُسيء استخدامه وأُسيء إنفاقه على مدى الثلاثين عاما الماضية".
فالكل شريك في فساد الإدارة، وفي المحصلة فإن الودائع سائبة والعدالة غائبة، فما
المرتجى؟!
وكخاتمةـ وبعد الترحم على شهداء بيروت في ذكرى رحيلهم الثانية،
وعلمنا بحجم الاستحقاقات القادمة على البلاد؛ من الترسيم المفخخ مع الوسيط الأمريكي
والحديث عن حرب على الابواب والحكومة النائمة عن التأليف وانتخابات الرئاسة التي
تلوح في الأفق، نتذكر بأنه قديما كانوا يضعون الملح على اللحم لكيلا يفسد، ولكن
المشكلة هي: إذا فسد الملح فما هو الحل؟ وهنا يحضرنا مقولة لسفيان الثوري بهذا الخصوص
يخاطب بها رجال العلم والدين والقضاء وأهل الحل والعقد بقوله:
يا رجال العلم يا ملح البلد من يُصلح الملح إذا الملح فسد!!
[email protected]