قضايا وآراء

كيف سيخرج بوتين من الورطة؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600

ليست التعبئة الجزئية ولا التلميح والتصريح باستخدام الأسلحة نووية؛ مخارج مضمونة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الورطة التي وقع بها، ويدرك بوتين أن المسألة ليست مسألة عدد ولا أنماط أسلحة، بل هي إشكالية خطط عسكرية ومستويات تكنولوجية ومعنويات جنود، وبالتالي فإن أعدادا جديدة من جنود محبطين ولوجستيات فاشلة وأسلحة غير متكافئة لن تحدث فرقا كبيرا في الحرب.

ارتكب بوتين خطأ لا يمكن لعقل استراتيجي ارتكابه، أراد تثقيل أوراقه لحسم المعركة، التي باتت ورطة، فوقع في حقل ألغام، وبات أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالهزيمة والتعلق بأول مخرج قد يطرحه أحد، الهند أو تركيا أو الإمارات، أو استخدام النووي التكتيكي في أي مواجهة، لإرعاب الأوكرانيين، أما النصر فهو لم يعد خيارا محتملا لبوتين، أو أن التطورات تجاوزته منذ الشهر الأول للحرب.

إدراك بوتين لحجم الورطة دفعه إلى أمرين: الأول إعادة صياغة قواعد اللعبة بعد فشل القواعد السابقة، حيث يدخل بوتين السلاح النووي في حال استمر قضم الأوكرانيين للأرض، والثاني إعادة صياغة للحرب، فقد باتت ديباجة الحرب من أجل القضاء على النازيين غير متناسبة مع الكلفة التي دفعها الروس، فضلا عن عدم أولويتها للشعب الروسي، لذا استبدل بوتين الأمر بنظرية الدفاع عن وحدة روسيا واستقلالها وسيادتها وثرواتها، بذلك يجبر الروس على الصمت والسير وراءه، وربما إذا اضطر للتراجع والقبول بأي مخرج فسيكون قد أفشل أهداف الغرب في تحقيق أهدافها التي أشار إليها، كما أنه بذلك يحاول ردع الغرب عن الاستمرار بدعم أوكرانيا، بتصويره للحرب على أنها حرب وجود وأنها باتت تقع ضمن العقيدة النووية الروسية.

إدراك بوتين لحجم الورطة دفعه إلى أمرين: الأول إعادة صياغة قواعد اللعبة بعد فشل القواعد السابقة، حيث يدخل بوتين السلاح النووي في حال استمر قضم الأوكرانيين للأرض، والثاني إعادة صياغة للحرب، فقد باتت ديباجة الحرب من أجل القضاء على النازيين غير متناسبة مع الكلفة التي دفعها الروس، فضلا عن عدم أولويتها للشعب الروسي

تذهب ترجيحات بعض الخبراء الغربيين وليس كلهم؛ إلى اعتبار أن الغالبية ترى أن تهديدات بوتين خلّبيه، إلا أن بوتين بات مجبراً على استخدام النووي التكتيكي، ولو لمرة واحدة في أوكرانيا، وقد يفعلها دون أن يعترف بشكل صريح في القيام بها، على عادة روسيا في إخفاء الحقائق، لكن ذلك ستقف في وجهه عوائق وستواجهه إشكاليات ليس من السهل تذليلها.

من أخطر العقبات أن الجيش الأوكراني بات في أغلب جبهات القتال في حالة التحام مع الجيش الروسي، ولا شك أن القيادة الأوكرانية، ومن خلفها الاستراتيجيين الغربيين الذين لن يتعاملوا مع تهديدات بوتين على أنها مزحة، سيعملون في المرحلة القادمة على اجتراح تكتيكات جديدة تربك بوتين وتجعله غير قادر على تنفيذ تهديداته، وهذه جزئية مهمة في الخطط العسكرية المضادة، أي دفع الخصم إلى مزيد من اليأس لإجباره على التفاوض وتخفيض سقف مطالبه.

لذا لن يكون من المستغرب أن يعمد الأوكرانيون في المرحلة المقبلة إلى تكتيكات الحصار لبعض الفرق العسكرية أو تحقيق اختراقات عميقة في جبهات القتال، الأمر الذي يجعل استخدام أسلحة القتل الجماعي مستحيلة، بالطبع لن يفكر بوتين بضرب تجمعات مدنية مثل كييف أو خاركيف أو سواهما، الأمر الذي سيضع روسيا في عزلة إلى حد انفكاك حلفائها عنها، وخاصة الأطراف التي رفضت حتى اللحظة إدانة روسيا، مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي، وهم الذين يشكلون رئة روسيا الاقتصادية والكتلة السياسية التي تستند إليها حتى لا تصبح مثل كوريا الشمالية بلدا بدون حلفاء ولا أصدقاء، وهو خيار انتحاري يستحيل أن يورط بوتين نفسه فيه.
قد تعمد القوات الأوكرانية إلى التركيز على الجبهات القريبة من المدن الروسية، وخاصة في الشرق، وبذلك يصبح احتمال استخدام الأسلحة النووية متضمنا لمخاطر كبيرة على الأمن والسلامة الروسيَين

وفي قلب هذا التكتيك، قد تعمد القوات الأوكرانية إلى التركيز على الجبهات القريبة من المدن الروسية، وخاصة في الشرق، وبذلك يصبح احتمال استخدام الأسلحة النووية متضمنا لمخاطر كبيرة على الأمن والسلامة الروسيَين. فمن جهة ستنقل الرياح الإشعاعات للمدن الروسية القريبة، ومن جهة أخرى، قد يدفع بالقوات الأوكرانية إلى دخول المدن وربما ارتكاب المذابح طالما أن الحرب خرجت عن مساراتها التقليدية وأصبح الانتقام أمراً مبرراً في هذه الحالة.

هل وصل بوتين إلى درجة اليأس التي من الممكن عندها أن يتخذ القائد قرارات انتحارية؟ ثمة مؤشرات عديدة على صعوبة الوضع العسكري لروسيا في الحرب، من ضمن تلك المصاعب نفاد المخازن من الأسلحة الدقيقة عالية التقنية وذات الفعالية الكبيرة في المعارك، والمشكلة أن تعويض هذه الأسلحة أو ضمان ديمومة إمداد ساحة المعركة بالمزيد من الأسلحة، أمر غير مؤكد، بالنظر للوقت الذي يستغرقه إنتاج هذا النوع من الأسلحة وهو وقت ليس متوفراً لروسيا في هذه الظروف.
بوتين بات في صورة هذه الأوضاع، وبالتالي فإن قراراته تأتي في سياق متأزم باتت في ظله الخيارات محدودة إلى أبعد الحدود، وثمة عامل مهم في السياسة الروسية يضغط على بوتين، وقد يدفعه إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، يتمثل بالوجود الزخم للقوميين الروس في مؤسسات الحكم والإعلام، وهؤلاء لن يقبلوا بتسويات لا تتضمن انتصار روسيا

ومن ضمن الصعوبات أيضاً، تردي الحالة المعنوية للأمة الروسية، والأهم تراجع ثقتها الكبير بالقيادات العسكرية والسياسية الروسية. فقد كشفت الحرب الروسية أن تلك القيادات، التي تبجحت بقدرتها على إعادة المجد لروسيا ووضع الأمة الروسية في مصاف الأمم الصانعة للتاريخ والموجهة لمجرياته، قد غرقت في حرب تبدو صغيرة وتافهة، بالقياس بالتحديات الكبيرة التي رتبتها على الأمة الروسية التي وضعتها على سكة أزمة لن يكون بالإمكان التخلص منها في سنوات وربما عقود طويلة.

لا شك أن بوتين بات في صورة هذه الأوضاع، وبالتالي فإن قراراته تأتي في سياق متأزم باتت في ظله الخيارات محدودة إلى أبعد الحدود، وثمة عامل مهم في السياسة الروسية يضغط على بوتين، وقد يدفعه إلى اتخاذ قرارات غير عقلانية، يتمثل بالوجود الزخم للقوميين الروس في مؤسسات الحكم والإعلام، وهؤلاء لن يقبلوا بتسويات لا تتضمن انتصار روسيا، وهؤلاء أنفسهم الذين سبق أن خيروا الشعب الروسي بين بوتين أو الفوضى.

كيف سيخرج بوتين من هذا الفخ الذي ورط به روسيا والعالم؟ قد يأتي الحل من داخل روسيا، على اعتبار أن العالم لن يقبل بالهزيمة في سبيل إنقاذ بوتين من مأزق صنعه بنفسه.

 

twitter.com/ghazidahman1

التعليقات (0)